/B_rub>
كان سعيدا وهو ينتقل طائرا من شجرة إلى أخرى، مستغربا كيف يطير دون جناحين إلى أن أيقظه صوت سيارة مزعجة مرت من الشارع القريب من بيته. اللعنة على السائق.
نظر إلى هاتفه الذي يقف حارسا له قرب رأسه، فلفت نظره تنبيه يظهر على الشاشة الأمامية من الفيسبوك. دقق فيه سريعا، حرك الشاشة بإصبعه، ودخل لصفحة الخبر.
صعقه الخبر، وطير النوم من عينه، قفز من الفراش محاولا ألا يوقظ زوجته، ذهب للغرفة الأخرى حيث التلفزيون، جلس يدقق في الخبر، تغيرت ملامح وجهه، أعاد قراءة الخبر مرة، ومرات، وفي المرة الأخيرة رمى الهاتف الخلوي من يده إلى الطاولة، ضرب يده برأسه، صرخ بصوت مكتوم:
– الحيوان، الجبان، سأعلمه درسا لن ينساه.
أخرج سيجارة من العلبة الموجودة على الطاولة، أشعلها، وبدأ يدخن وهو جالس كالصنم يفكر في الخطوة القادمة.
فجأة كانت زوجته تتثاءب أمامه، تنظر إليه باستغراب تسأله ما الذي طير النوم من عينه.
التقط هاتفه، وفتح على ذلك الخبر الذي هز بدنه، وقدم لها الهاتف لتقرأ الخبر.
حملقت في الهاتف، وبعد ثوان طار تثاؤبها، جلست بجانب زوجها تسأله: معقول؟
كسر غضبه صمته:
– معقول؟ أخي ينشر ذلك؟ هل جن جنونه؟
– أنا غير مصدقة، هل كل من يسافر لبلاد الأجانب تتغير أخلاقه بهذه السرعة؟
– آخ لو أنه أمامي الآن لكسرت رأسه ….
– ماذا ستفعل الآن لوقف هذه المهزلة قبل أن يراها الناس؟
– وماذا بإمكاني العمل؟
حمل الهاتف من جديد واتصل به دون أن يعرف الوقت في بلاد أخيه، كان رنين الهاتف مثل مطرقة حداد ترن في أذنه تقلقه، ويتمنى لو تصمت، وعندما صمتت، صرخ به:
– ما الذي نشرته في الفيسبوك يا حمار؟
أُغلق الخط، دون أن يسمع ردا، بدأ يخرج عن طوره. اتصل مرة ثانية لكن دون جدوى.
– طبعا لا يريد أن يرد، ماذا سيقول عن جريمته؟ قلت لأمي منذ عشرين سنة (هذا الولد سيكون عاقا)، فلم تصدقني. اللعنة عليه، اللعنة على بطن حملني معه.
قالت له زوجته:
– هدئ من روعك، دعني أحضر لك فنجانا من القهوة لتفكر بهدوء كيف نحذف ما نشره. جرب ابعث له رسالة صوتية فقد يكون خائفا من مواجهتك.
– اقتراح معقول.
فتح الوتساب، وبدأ يفرغ كل غضبه، وحقده الدفن فيه:
– أنا عارف أنك ستسمعني الآن، يا حمار، ألا تخجل مما نشرته في الفيسبوك؟ ماذا سيقول عنك الناس الآن؟ ماذا نقول نحن للأقارب؟ ماذا ترد أمك الآن على تعليقات الناس التي بدأت تنهال عليك. الحمد لله أن والدك مات منذ زمن، وإلا مات قهرا الآن …..
لم تمض ثوان حتى شاهد الإشارة الزرقاء، لقد سمعها، يجب أن يرد إن كان شجاعا، يجب أن يرد، هل يعقل أن يسكت على الأوساخ التي قذفتها عليه؟
اللعنة لم يرد، من أي فصيلة هذا الرجل؟ لو صرخت على كلب سينبح عليك. لكن يبدو أنه فقد كل إحساس.
حملق بالهاتف، يبدو أنه يرسل ردا مصورا، انتظر حتى انتهى التحميل ضغط عليه وتمنى لو لم يفتحه، طلبت منه زوجته أن تشاهد ما أرسله أخوه، فرد بعصبية: هل تريدين مشاهدة مناظر وسخة؟؟؟
– لا أصدق أن أخاك أصبح وقحا بهذا الشكل، بدأ الفار يلعب في عبي. هل فعلا هذا أخوك؟ لماذا لا نتأكد أولا من الخبر؟
– حسنا كيف إن كان لا يرد على الهاتف؟ ولا على الوتساب؟
بدأ يشرب القهوة التي انتهت زوجته من تحضيرها، كانت حرارتها أقل من حرارة غضبه، دقق في فنجان القهوة كأنه يبحث عن شيء في محيط يحمله بين أصابعه.
قال لها: تعالي نعلم الفيسبوك عن هذا الحساب بأنه حساب مسيء، وسنكتب لكل أقاربنا ليفعلوا نفس الشيء، فقد يغلقونه، ويريحوننا منه، ومن سفالته.
– حسنا هيا بنا، أنا سأفعل من هاتفي وأخبر من أعرف من أهلنا، وأنت من هاتفك……
في اليوم التالي كان الحساب قد أغلق، شعر براحة كبيرة، كأنه سكين كان مغروزا في خاصرته، وتخلص منه. لكنه ترك جرحا عميقا. لقد خسر اليوم أخا …. كان أخا.
بعد أيام كان يضحك مع زوجته وهو يشاهد مسرحية كوميدية، رن جرس الهاتف، كان رقما غريبا، لم يرد عليه، توقف الرنين، لكنه بعد دقائق عاد مجددا لم يدقق هذه المرة بالرقم فرد على المتصل وهو يضحك على مشهد المسرحية.
كان صوت المتصل حادا:
– ألو، لماذا لا تردون على الهاتف؟
– نعم من حضرتك؟
– أنا أبو باسل، هل أنت ….؟
– نعم لكن من أبو باسل؟
– أنا صاحب أخوك. وأريد أن …
قبل أن يكمل صرخ به قائلا:
– هل أرسلك الحيوان …
قاطعه أبو باسل
– اسمع لا تصرخ بي واستمع جيدا لما سأقوله فهو أهم من أي شيء تريد أن تقوله.
– يا سلام؟ تفضل قل ما تريد من تبريرات لقد أضعت علي المسرحية.
– يا رجل أنا أستغرب من ردودك قبل أن تعلم ما سأقوله لك؟ أي أخ أنت؟ ألهذا الحد تكرهه؟
– أكرهه، هذا ليس أخي، هذا حيوان ابن ستين شر…
ثم أغلق الخط.
بعد ساعة رن جرس الهاتف من جديد. قرر عدم الرد، ثم غير رأيه، قال لزوجته أن ترد هي، وتخبر المتصل أنه نائم.
فتحت الخط. قال لها المتصل:
– أرجو ألا تغلقي الخط لدي رسالة مهمة لزوجك، بدون مقدمات ولا تحليلات، بلغي زوجك أن أخاه هنا قد توفي.…
– ماذا تقول؟ متى؟
– لقد تعرض لحادث اعتداء على الطريق السريع ليلا، حيث تم سرقة كل شيء معه بما فيها هاتفه الخلوي، والسيارة وتركه الجناة قتيلا على جانب الطريق.
– لا إلا الله، معقول؟
خذ تحدث مع أخيه…
التقط الهاتف وهو يسألها: ما الخبر؟
وضع الهاتف على أذنه:
ألو … ألو …ألو
يبدو أن الخط انقطع. ماذا قال لك؟
– قال لي أن أخاك قتل منذ خمسة أيام.
– أخي؟ منذ خمسة أيام؟ غير معقول، أين هو الآن؟؟ هب واقفا يضرب بيديه على وجهه…
لقد ظلمتك يا أخي، اللعنة علي، تسرعت.
غير ملابسه، وخرج من البيت باتجاه بيت والدته.