/B_rub>
منذ عمله في الكويت قبل عشر سنوات لم يعد حاتم إلى وطنه الأردن سوى مرة واحدة لمدة أسبوع. فمنصبه الجديد في الشركة التي يعمل بها أخذ كل وقته.
قالت له أمه في اتصال معه:
– يا بني لقد كبرت ولم تتزوج بعد، نريد أن نفرح بك أنا وأبوك قبل وفاتنا.
كان حاتم ينتظر من يفاتحه بأمر الزواج، ولأنه مشغول والزواج يحتاج إلى وقت حتى يتعرف على بنت الحلال، أقنعته أمه أن تجد له عروسا جميلة، وترسل له صورها فإن أعجبته، دعته ليعقد قرانه عليها.
بعد تردد وافق حاتم، وبعد أسبوع كان لديه عدة صور لفتاة رائعة في الجمال، عرف فيما بعد أنها لابنة خالته أم حسين التي كانت تسكن في إربد فيما كان أهله يسكنون في الزرقاء.
أعجب بابنة خالته وتدعى رابعة، وكلف أمه أن تخطبها له. كان شعرها طويلا ينسدل على كتفيها، عيونها واسعة، أنفها صغير، لكن مبسمها واسع وشفتاها عريضتان حسب طلبه.
خلال أيام اتفقت أمه مع أختها على كل شيء المقدم والمتأخر، ووافقت العروس على سامح بعد أن رأت صوره، وزادت إعجابا به عندما عرفت أنه ابن خالتها التي تحبها. كانت سعيدة أنها ستسافر إلى الكويت.
قبل موعد الزفاف أرسل سامح لوالديه يقول لهم أن أحد مسؤولي الشركة قد توفي وأوكلت إليه الشركة استلام منصبه، وعليه لا يستطيع الحضور إلى الأردن هذا العام، فطلبت منه أمه أن يرسل لوالده وكالة لينوب عنه في أمر إتمام العقد فوافق على الفور وبعد شهر كان يستقبل زوجته في مطار الكويت.
فجأة تقدمت منه امرأة كانت تحمل صورته في يدها، سألته:
– هل أنت حاتم...؟
– نعم، من أنت؟
– ألم تعرفني؟! أنا رابعة.
تغير شكل وجهه، سألها باستغراب:
– أنت رابعة؟ ابنة خالتي؟
– نعم أنا رابعة ابنه خالتك، وزوجتك.
هز رأسه، واصطنع ابتسامة عريضة، خبأ صورتها في جيبه. وقال:
– معذرة فالصورة تختلف بعض الشيء، ربما كانت قديمة.
سلم عليها، ورفع الحقيبة التي معها وتوجها إلى السيارة.
اتصل بأمه بعد وصوله البيت يخبرها بوصول رابعة، وسمح لرابعة إجراء اتصال مع أهلها تطمئنهم بوصولها. كان الجميع يسألونه:
– هل دخلت بها؟
– يا أمي لقد وصلت قبل قليل.
تركها ترتاح قليلا، واقترح عليها أن تأخذ حماما ساخنا بعد رحلتها من الأردن، خصوصا وأن جو الكويت حارا. وفيما هي في الحمام كان يتصل بأمه معاتبا:
– أمي الصورة التي عندي ليست صورتها؟
– يا بني، الصورة التي عندك صورة أختها الأصغر. فلم يكن عندي صور لها ولم أشأ أن أسأل أختي عن صور لئلا تعرف ولا توافق فأكون محرجة. لكنها جميلة، ومؤدبة وسوف تحبها من كل قلبك. ستعجبك يا بني كثيرا، بعد أن تنام معها الليلة خبرني برأيك.
شد حاتم رأسه مغتاظا من أفعال أمه وقال لها:
– يبدو أنني ورطت نفسي.
بعد انتهاء مكالمته، جلس حاتم محتارا ماذا يفعل فهي ابنة خالته وطلاقها يثير مشكلة عائلية.
– وما ذنب البنت ما دامت أمي هي التي دبرت الحادثة ربما لتزوج ابنة أختها، لكن رابعة ليست المرأة التي وافقت عليها، ما الفرق؟ لقد وافقت على صورة امرأة، قد تكون هي نفسها ليست كما تظهر في الصورة. لقد ورطت نفسي عندما قبلت بالزواج بهذه الطريقة التي عفا عليها الزمن.
خرجت رابعة من الحمام، توجهت إلى غرفة النوم ولم تخرج، كان يعلم أنها بانتظاره. طال انتظارها، أحس بعد فترة أنه تأخر عليها، أنبه ضميره.
(هذه العروس ما ذنبها؟ لماذا أحرمها من ليلة زفافها؟)
دخل عليها مبتسما. اقترب منها، احمر وجهها. كان الحياء يغطي كل وجهها. وقفت أمامه، ونظرات عيونها إلى الأرض، وضع يديه على كتفيها، واقترب أكثر ليطبع أول قبلة على شفتيها، قال لها:
– مبروك يا رابعة.
خلع ملابسه، وبعد ثوان كان يخترق معها عالم الزوجية.
لم يكد الفجر يهل عليهما حتى بدأ رنين الهاتف، أمه تسأله:
– هل كل شيء على ما يرام؟
– نعم يا أمي نعم.
هنأته، وهنأه أبوه.
كأنه في امتحان مصيري إما أن يفشل أو أن ينجح بامتياز. ليس مهما أي اعتبار آخر، بل المهم اختراق غشاء البكارة.
لم يسأله أحد عن مشاعره، ولا عن قلبه.
انتهت ليلة الزفاف، لكن ذلك لم يغير شيئا من حبه لها، كانت فاترة في مشاعرها، لم تجذبه نحوها منذ رآها في المطار، كأن تعلق بصاحبة الصورة وارتبطت مشاعره بها.
اعتقد حاتم أن الأيام كفيلة أن تقربه منها، وتغير من مشاعره تجاهها، لكنها زادت من الفجوة بينهما.
فإضافة لكونها غير جميلة في نظره، فثقافتها ضحلة جدا، واهتماماتها اليوم عكس اهتماماته. خوفه من المشاكل العائلية سبب بقائها زوجة له. لكنه بعد عام تقريبا، وعندما كانت على وشك الولادة أرسلها إلى الأردن لتلد له طفله الأول هناك بجانب أهلها.
وعندما وصلت قال لأبيه وأمه:
– سأترك رابعة عندكم، فلا داعي لأن تعود لأنني سأعود إلى الأردن في العام القادم.
وعندما هلَّ العالم التالي، أعاد لهم نفس الكلام بأنه سيعود في العام القادم لأنه لا يستطيع العودة هذا العام بسبب انشغاله.
بعد عدة سنوات عاد حاتم إلى الأردن ليزور أهله بعد غياب طويل. وكانت مفاجأتهم أنه قد تزوج من امرأة كويتية، وأنه لا يستطيع أن يأخذ معه رابعة إلى الكويت، لذلك سيشتري لها شقة في الزرقاء قريبة من بيت أهله، ويرسل لها معاشا شهريا حتى عودته النهائية من الكويت، وعندما سألوه متى ستعود؟
قال لهم:
– في العام القادم.