/B_rub>
كان سامي فرحا لأنه بقي أسبوعانِ فقط على موعد إطلاق سراحه من أحد سجون المحافظة في مدينة سانت لويس في ولاية ميسوري الامريكية. مَرَّ ما يقارب العام على سِجْنِه هناك بتهمة إهانة وضَرْب أحد الطُّلاَّب الذي يسخر منه ومن أصله العربي.
لم يتحمَّل سامي تلك الإهانة فأمسك بتلابيب ذلك الطالب وضربه، فاتصل بالشرطة التي اعتقلتة وتَمَّ تقديمه إلى المحاكمة بتهمة الاعتداء على طالب يهودي، لانه أي سامي يكرة اليهود ومعادٍ للسَّامِيَّة.
كاد سامي أن ينفجر وهو يستمع إلى الشهود الذين ظهروا فجأة ليشهدوا أمام القاضي ضد سامي ومدى عدائه لليهود وللسَّامِيَّة. محامي سامي بذَلَ جهودا في الدفاع عنه لكنه أخبره في النهاية أنَّ موقفه ضعيف لأنه لا يوجد لديه شهود خلال المشادَّة التي حصلت أمام شهود الطرف الآخر.
لم يكن أمام سامي سوى خيار واحد، دخول السجن وتَحَمُّل الظلم الذي أُلْحِقَ به، وقد أمضى كامل المُدَّة ولم يبق سوى أسبوعين. كان خلال الشهر الأخير يَعدُّ الساعات والدقائق، منتظرا ساعة الخلاص والعودة إلى الحرية، في بلد يدَّعي الحرية، وخلف قضبانه تُعَشِّشُ العنصرية البغيضة.
كان يسير في الساحة شارد الذهن، يفكر بالأهل والأصدقاء حتى قطع عليه حَبْلَ أفكاره أحد السجناء واسمه «ريد»، نزيل إحدى غرف القسم الذي يقبع فيه سامي، وبدون مقدمات بدأ «ريد» يراود سامي عن نفسه، فوجئ سامي بسفالة «ريد» فأمسك برقبته، لكنه تراجع كي لا يراه السجان، وقال له:
– أيُّها الوغد كيف تتجرَّأ على ذلك، لن تسلم من العقاب.
ضحك «ريد» وهزأ منه قائلا:
– لن تفعل شيئا، فأنت الآن على وشك الخروج من السجن، وإذا اعتديت على أحد ستبقى فيه معنا لتُسَلِّينا
سكت قليلا ثم أكمل قائلا:
– اسْمَعْ سامي إنْ لَمْ توافق على ما أطلبه منك فسوف تبقى في السجن.
– أيها الحقير لن أرى وجهك بعد أسبوعين
– صدقني ستبقى هنا إن لم توافق، نحن ثلاثة فقط، يمكنك تحمل ذلك.. لديك....
عندما تخرج من هنا ستدفع ثمن كل كلمة تقولها. سأذهب إلى أمِّك و....
ضحك «ريد» ثم أجاب:
– هذا إنْ خَرَجْت
– وما الذي سيمنعني؟ أنت؟
– سترى.
ثم تركه وذهب إلى جماعته.
كان سامي غاضباً، يتطاير الشَّرَرُ من عينيه، يُفَكِّرُ في تلقين ريد دَرْساً قاسيا لكنه يخشى البقاء في السجن، فقد تحمل ما فيه الكفاية.
اقْتَرَبَ من سامي أحد السجناء الذي يرتاح للحديث معه، كان رَجُلاً كبيراً في السِّنِّ لا يَتَدَخَّلُ بأحد ولا أحد يتدخل به يدعى سيد «جيمس»، سأله:
– يبدو أنك تشاجرت مع «ريد»، لاحظت تعابير وجهك وحركة يديك وأنت تحادثه.
– الكَلْب عَرَضَ عليَّ اللُّوَاط....
– أعْرف ذلك ، فهؤلاء مجموعة من السَّفَلة ينتظرون موعد الإفراج عن السجناء الشباب ليساومونهم إما القبول بالاعْتداء الجنسي عليهم أو زيادة فترة سجنهم.
– وكيف يستطيعون ذلك؟
– يقوم أحدهم بضرب زميله (بالاتِّفَاق) بآلة حادَّة ويتهمون ذلك الشاب الذي اقترب موعد الإفراج عنه بالاعتداء فيقدم إلى المحاكمة السريعة ليَتمَّ الحكم علية بالسجن لعدة شهور
– يا إلهي، السفلة..!! أين القضاء؟ أين إدارة السجن؟
ضحك «جيمس» ثم قال له:
– إدارة السِّجن؟ من قال لك إنَّ إدارة السجن تَهْتَمُّ بما يحصل بين السجناء؟! إن أول ما سيسالونك إياه ألديك شهود؟ فإن لم يقف معك أحد وهذا ما سيحصل في الغالب فستأخذ الإدارة بكلامهم، وهم عصابة من الأحداث والشباب الضائع وراء المخدرات والجنس.
– هل أفهم من كلامك أنني سأبقى معك في السجن.
– ما لهذا جِئْتُكْ.
– ما الحَلّ إذن؟
– سأعرض عليك حَلاًّ ينقذك ويُعَرِّضني معك لبعض الخطر لكني سأتحمله لكي تخرج إلى أسرتك قبل أن ينهشك هؤلاء السفلة. اسْمَعْ ما عليك فعله الآن. عندما يقترب السجان منا ترفع صوتك علي وتصرخ بي ثم تضربني عدة لكمات، فيأتي السجان ويسجننا معاً إلى الزنزانة، وهناك ستبقى بالتاكيد حتى انتهاء الأسبوعين فلا يستطيع الادعاء عليك بشيء، ولا أنا.
استغرب سامي هذا الاقتراح وردَّ على السيد «جيمس» قائلا:
– وما ذنبك كي تبقى في الزنزانة؟
– لا تقلق عليَّ فأنا لن أبقى كثيرا لأنني المُعْتَدَى عليه، لكن هذه الطريقة الوحيدة لإنقاذك، سنلتقي يوما ما بعد خروجي من السجن في العام المقبل. ربما تدعوني لفنجان قهوة تركي.
– لا أعرف ماذا أقول لك أنت تُقَدِّمُ لي تضحيةً كبيرة ولا أدري كيف سأنهال عليك باللَّكمات؟
– نحن في عَالَمْ ذِئَابْ، القانون للأقوياء، والذين يُطَبِّقون القانون، يُطَبِّقونه على هَوَاهم، هَلْ خَدَمْتَ في الجيش؟
– لا لَمْ أَخْدِمْ في جَيْشٍ قَطّ.
– لهذا لن تعرف معنى ما أقول، يا سامي في الحرب القانون يفرضه المُنْتَصِر وأنت هنا كأنك في ساحة حرب، المهم أن تنتصر، ليْسَ مُهِمّاً كَيْف، المُهِمّ أن تصنع الانتصار.
الأوسمة دائماً تُمْنَحُ للقادة المُنْتَصرين بِغَضِّ النَّظَرْ عن عدد ضحايا الحروب التي خاضوها.
– سَيِّدْ «جيمس»، لقد حَوَّلْتَ الموضوع إلى دَرْسٍ سِيَاسي ...
– لا تُضَيِّع الوَقْت، ها هو السَّجَّان يقترب، افْعل ما اقترحته عليك، أسرع.
السجان يقترب أكثر، سامي يتردد، يصرح فيه «جيمس» ليسمع السجان:
– أنْتَ ابْن الشَّرْموطَة....
يرفع يده سامي، ويغمض عينيه وينهال بعدة لكمات على سيد جيمس كانت أصعب عليه من سكين يهوى على رقبته.
يُطلق السجان صفارة الإنذار، فيحضر سجان آخر يضعون القيود بأيدي سامي وجيمس ويقتادونهما إلى الزنزانة.