/B_rub>
قصة قصيرة من واقع الأسرى في سجون الاحتلال الصهيوني:
كان موعده معنا يوميا بعد العصر، ما عدا يوم السبت، لأنه عيدهم الرسمي.
شكله كان يوحي بأنه مجرم رغم الملابس البيضاء التي كان يرتديها، ربما كان رئيس عصابة قبل أن يعين ممرضا في السجن، أصله من روسيا ورأسه كبير الحجم، ويلبس طاقية صغيرة على رأسه تسمى كُفْعَا.
كل يوم بعد العصر نراه يأتي يجر أمامه عربة صغيرة فيها أكثر من عشرين علبة أدوية، وكل علبة عليها أرقام لا يعرف سرها سواه.
يمر على غرف السجن واحدة تلو الأخرى، يسأل الأسرى من خلف القضبان إن كان أحدهم مريضا، فيتسابق المرضى وما أكثرهم إلى باب الغرفة المغلق والمصنوع من قضبان الحديد يشكون حالهم، فيعطي كلا منهم حبة أو حبتين ويطلب من الأسير المريض أن يشربها فورا دون أن يعرف أي منا ما هي تلك الحبة التي يقدمها لنا كعلاج.
لم يكن يجيد العربية، وربما كان يوهمنا بذلك حتى يتسمع ما نتحدث عنه، فكان بعضنا يترجم لبعضنا الآخر ما يشكون إليه باللغة العبرية التي يبدو أنه لم يكن يجيدها، لكنه رغم ذلك يصر أن نخاطبه بها. فهو يعتبر نفسه يهوديا إسرائيليا ولم يعد يشعر بأي ارتباط لبلده الأصلي.
بعضنا كان يشفى بعد أيام وآخرون لم تكن الحبات لهم سوى مسكن للألم، ورغم ذلك كان يصر أن يعطينا نفس الحبات كل يوم.
كان يستمع لما نشكوه من أمراض، يفكر بعض الوقت، أو يوهمنا بذلك، ثم يفتح إحدى العبوات (العلب) ويقدم للمريض الحبة المناسبة، فيما يقدم للآخر حبة أخرى من علبة أخرى، ما كان يثير دهشتنا أن حبات الأدوية كانت كلها تتشابه رغم أنها من علب مختلفة.
أثار ذلك فضولنا، فبدأ كل منا يسجل رقم العلبة التي أعطاه الحبة منها، وفي اليوم التالي كم كانت دهشتنا كبيرة عندما عرفنا أنه يعطينا الحبة من علبة مختلفة.
في أحد المرات شكى له الأسير عدنان وجع رأسه، وقبل أن يترجم له أحد أعطاه على الفور حبة من الحبوب الذي تعودنا عليه، قلنا لعله بعد هذه المدة الطويلة أصبح يعرف أمراضنا وتعلم بعض الكلمات العربية منا. وربما كان لا يفهم شيئا، وليس بممرض أصلا، من يدري ربما كان سجانا بلباس ممرض؟ أو محققا يأتي من قسم التحقيق الذي يبعد عن غرفتنا بالمسكوبية في القدس عشرة أمتار، وقد تكون كل تلك العلب معبأة بنفس الحبات.
انتظرناه في اليوم التالي، وقفنا قرب باب الغرفة وما إن وصل إلى باب غرفتنا حتى قال له أولنا باللغة العربية:
– بطني يؤلمني، وأشار إلى بطنه. فأعطاه حبة من إحدى العلب.
قال الثاني:
– زري مقطوع ( زر القميص)
فهز رأسه وأعطاه حبة أخرى من علبة ثانية.
جاء الثالث وقال له:
– بنطلوني ساحل
فكر قليلا، حتى كدنا نشك أنه فهم أن صديقنا يسخر منه، لكننا فوجئنا أخيرا أنه أعطاه حبة من إحدى العلب الكثيرة التي تملأ عربته الصغيرة، فقال له الأسير: ولكن حبة لا تنفع لتسحبه للأعلى، فأعطاه الممرض بدون تردد حبة ثانية، ثم تابع سيره للغرفة الأخرى.