/B_rub>
في إحدى ضواحي مدينة ملواكي الواقعة في ولاية وِسْكانْسِن الأمريكية والتي تقع بين ولاية إلينويس جنوبا ومنسوتا شمالا ،كان علي حسان العربي الوحيد الذي يمتلك بقالة صغيرة لا تزيد مساحتها عن ثلاثة آلاف قدم مربع، يرتادها سكان الأحياء المجاورة للحاجات السريعة التي لا تحتاج إلى الانتظار فى طابور المحلات الكبيرة التي تكون عادة أقل سعراً. هذا النوع من المحلات يسميها الأمريكيون (كنفينياس ستورز)
كان علي مسروراً بمحله الجديد منذ اشتراه قبل ثلاثة أعوام،حيث يعمل به طيلة الأسبوع ويساعده عاملان آخران يتناوبان في المساعدة إذ لا يستطيع علي القيام بكل أعمال المحل وحده ،كما تساعده أحيانا زوجته الأمريكية من أصل عربي والمولودة في أمريكا خصوصا في المعاملات مع المصارف والمحاسبين ودائرة الضرائب.
محل علي أو بقالته سماها باسمه "علي فود ماركت" ،وكان مرتاحا إلى زبائنه ،معظمهم من البيض ،وسكان الأحياء القريبة، وكان يغلب على المنطقة الهدوء حيث كانت بعيدة عن وسط المدينة- حيث الضجة وأصوات السيارات.
فى أحد الأيام- بعد الظهر- كان اليوم ثلاثاء حسب ما يذكر علي وبينما كان أحد العمال يعمل على " الكاش رجستر" يحاسب أحد الزبائن لاحظ علي وهو في مكتب المحل -من خلال كاميرات المراقبة- طفلاً أسود اللون يبدو أنه في سن 15 سنة يسرق قطع الشوكلاتة ويضعها فى جيبه، اغتاظ علي فترك المكتب وذهب إلى الطفل وألقى القبض عليه.
– أيها اللص أخرج ما بجيبك قبل أن أحضر لك الشرطة .
خاف الولد فأخرج ما سرقه بجيبه مدعيا أنه لم يكن ينوي سرقتها وإنما كان ينوي دفع ثمنها.
قال علي:
– أيها الكذاب ، أنت سرقتها لولا أن ألقيت القبض عليك.
مد علي يده لتناول القطع المسروقة فاستغل الطفل الفرصة وفر هارباً، لحقه علي بأقصى سرعة وطلب من الموظف عنده استدعاء الشرطة، ولم يعد إلا والطفل معه.
كان علي قلقا في الفترة الأخيرة فقد زادت حوادث السرقة في المحل وأراد أن يضع حداً لها قال في نفسه..
لو كل شخص سرق سأسامحه ستتكرر السرقات، علي أن أسلم بعضهم للشرطة لمعاقبتهم . ثم سأل الولد:
– أنا لم أرك من قبل من أين أنت؟.
– نحن من شيكاغو،لقد انتقلت أنا وأمي للسكن في هذه المنطقة منذ أسبوع . فسأله علي:
– منذ فقط أسبوع وبدأت تسرق؟.
– فرد الولد:
– قلت لك كنت أنوي دفع ثمنها.
فسأله علي:
– حسنا أرني الفلوس.
تظاهر الولد بالبحث عن الفلوس ، فلم يجد شيئا فقال له:
– يبدو أنها سقطت وأنت تلاحقني.
قال علي:
– سقطت يا كذاب ! حسنا كم كان معك.
قال الولد:
– كوارا (25 سنتا).
ضحك علي وقال له:
– ما وضعته فى جيبك يساوى أكثر من خمسة دولارات ثم أكمل قائلا:
ه_ ل علمتك أمك السرقة؟ أم أبوك الحرامي مثلك؟
فصاح الولد:
– لا تقل ذلك عن أمي ، أمي أشرف منك.
– اخرس يا حيوان قال علي..
فى هذه الأثناء دخل الشرطي ، فاستقبله علي وقال
– (سير) هذا الولد ضبطته يسرق فى المحل وعندي شريط الفيديو يثبت لك ما أقول ، أريد أن تعاقبه بأي طريقة لأن السرقة أصبحت ظاهرة يومية وأريد وضع حد لها ..
– قاطعه الشرطي وقال حسنا دعني أولا آخذ بعض المعلومات..
سجل الشرطي اسم المحل واسم صاحبه واسم الطفل واسم أبيه وأمه ورقم هاتف البيت.
اتصل الشرطي بالبيت فردت أم الطفل ، سألها الشرطي:
– هل أنت السيدة فليمنج والدة الطفل جو فليمنج؟
– نعم ، هل حصل لابني مكروه؟.
– لا ابنك بخير لكنا نريدك هنا فقد قبض عليه يسرق في أحد المحلات.
– ماذا ابني يسرق؟ (قالت بغضب) ؟ ثم سألت الشرطي ..
– أين أنتم الآن؟.
رد الشرطي
– نحن فى محل آلي فود على العنوان التالى:....
– حسنا عرفت سأحضر فوراً ، باي.
أغلقت الأم السماعة وتوجهت فوراً إلى المحل المذكور. دخلت الأم المحل فشاهدت ابنها في القسم الأخير من المحل، مقيد اليدين وبجانبه الشرطي يسجل بعض الأمور على دفتره ،فصاحت ..
– ابني حبيبي ماذا حصل؟. فرد عليها الشرطي..
– ابنك ضبط سارقاً وأنت مسئولة عن انحرافه.
قالت له:
– (سير) لابد أن أحداً اتهم ابني زوراً ، فهو ولد مؤدب ثم طلبت منه أن يأخذ بعين الاعتبار أنه طفل لم يتجاوز الرابعة عشرة فقال لها:
– إذا تنازل صاحب المحل عن الاتهام يمكننا الصفح عنه ثم استدار الشرطى لينادي عليا الذي انشغل فى مكالمة هاتفية من أحد الزبائن.
جاء علي إلى الشرطي، نظر إلى الأم، ثم نظرت الأم السوداء إليه قطب حاجبيه وحرك شفتيه
فغرت فاها وبحلقت فيه
– أأنت علي ؟!..
– أأنت بتريشا ؟!..
– ياللمصادفة ،أأنت صاحب المحل؟ قالت بتريشا (أم الطفل).
– فرد عليها سائلاً:
– وأنت أمه؟ -أشار بيده للولد اللص؟.
– هزت رأسها، وقد بدأت الدموع تنزل من عينيها، أرادت أن تضم عليا لصدرها لكنه تحاشى ذلك. فسألها:
– من هذا الولد؟ لا تقولي هو!
– نعم هو نفسه، انظر إليه.
فقال بعصبية:
– ألم نتفق؟
فصرخت به:
– علي أهكذا يستقبل الأب ابنه؟
– اهتز الشرطي منفعلاً
– (جيسس) يا للمسيح ، هل أنا في رواية درامية، أرجوكم ليس عندى وقت أضيعه ، هل آخذ الطفل للقسم أم تريد يا علي التنازل عن القضية.
التفت علي للشرطى وقال له بنبره غاضب:
– لا بأس أنا سأتنازل عن الاتهام هذه المرة وسأحل المشكلة مع أمه.
فك الشرطي قيود الطفل وغادر المكان وهو يقول:
– أوه ماي جاد( يا إلهي) ، أعتقد أنني في حلم.
طلب على من بتريشا أن تلحقه للمكتب حتى لا يزعجوا الزبائن، وأشار لها أن تجلس هي وابنها على الكرسي.
كان الولد لا يصدق ما يسمع!
– ياللصدفة ، أهذا أبي؟ أنا أبي عربي وصاحب محل يالحظك يا جو.. بعد قليل سيتشري لك أبوك قطع الكاندي والبوظة..
قطع تفكيره صوت علي يقول لبتريشا
– بتريشا تذكرين أننا اتفقنا منذ ولدت الطفل على أن تحضنيه وتسجليه باسمك مقابل عشرين ألف دولار وقد وقعنا اتفاقا على ذلك بالمحكمة، وقبضت المبلغ مقابل أن تتركيني بحالي.
فقالت له غاضبة:
– نحن لا نتحدث عن اتفاق ولا عن نفقة للولد ، نحن نتحدث عن الأبوة، عن واجبك كأب ، صمتت ثم قالت ودموعها على خدودها..
– علي ألا تتحرك لك أية مشاعر وأنت ترى ابنك؟.
انظر ، ألا يشبهك لولا لونه الأسود؟.
– هز رأسه وقال عابسا:
– لا تحرجيني يا بتريشا ، اتفقنا وكان عليك أن لا تسكني قريبة مني.
– فصاحت بتريشا:
– أنا لم ألحق بك ، ولا أعرف أين أنت أصلا ، أنا سكنت هنا لأن الشركة التي أعمل بها نقلتني للعمل بفرعها الجديد في المنطقة . ثم قل لي لماذا ألحق بك؟ لم أعد بحاجة إليك فقد تزوجت منذ عشر سنوات، لكني آسف أنك أب لا مشاعر عنده، ألم تتزوج؟ أليس عنك أولاد؟.
– بتريشا ، تزوجت وعندي أولاد ولا أريدهم أن يحضروا الآن ليروا ما نحن فيه.
فقالت له:
– لم أنت خائف ؟ أتخاف أن تعرف زوجتك علاقتك السابقة معي؟ طبعا أخفيت عنها كل شيء ، كذبت عليها هكذا أنتم الرجال العرب، كذابون تخدعونا ثم تنكرون أمام زوجاتكم أية مغامرات لكم.
صاح علي:
– يكفي يا باتريشا ،ليس هذا ما يهمني، وليس هكذا كل العرب
فقالت ساخرة:
– إذن ماذا يخيفك؟.
أتخاف أن يعرف الأولاد أن لهم أخا آخر.
صمتت ثم قالت..
– أخا أسود ، طبعا فهذا عارك، أنسيت ما قلت لي حينها، أنك لا تستطيع أن تقول لأصدقائك وأهلك أن لك ولداً أسود، فهذه فضيحة في عرفكم أليس كذلك؟.. قلها أمام ابنك، دعه يعرف حقيقة أبيه الذي باعه لأمه. ترى لو كان أبيض هل تركتني أتولى حضانته بسهولة؟
دعه يعرف حقيقة مشاعرك الكاذبة ، لماذا لم تخجل عندما أقمت معي علاقة جنسية ،ألست سوداء؟ أم إنكم حينما تمارسون الجنس لا يهمكم اللون، بل يهمكم الجسد الذي ستفرغون فيه قذارتكم ؟ ألم تقل لي حينها، أنني رائعة وجميلة ،ألم تقل لي إنك لم تشعر بحياتك بلذة جنسية كما شعرتها معي، فلماذا لا تحركك مشاعر الأبوة؟ أم إنكم رجال تحرككم الغرائز كالحيوانات لا المشاعر كالبشر.
صمت علي لا يدري ماذا يقول؟ أحس بإهانة كبيرة، بدأ يفكر ويتساءل:
– أليست محقة؟ ألم أكن كذابا؟ كل ما كان يهمني هو ممارسة الجنس ولم أكن أسأل عما سيحصل فيما بعد، وها أنا أدفع ثمن نزواتي الكثيرة.
نظر إلى الولد، حاول أن يقول شيئا له، لكنه عجز ، شعر بإحباط بهزيمة، لم يشعر بأية مشاعر أبوية تجاهه، كان يرى فيه صورة بشعة لجريمته البشعة التي ارتكبها مع بتريشا في لحظة هياج جنسي.
ما هذا يا رب ، ما هذا الذي وضعتني فيه ؟ ماذا لو جاءت زوجتي الآن مع الأولاد ؟ ماذا أقول لها ؟ هل أقول لأولادي لكم أخ أسود أخفيته عنكم 14 عاما ؟ ماذا ستكون مشاعرهم عندما يعرفون أن أباهم كذاب.. لا يمكن.. لا يمكن..
لن أضحي بعائلتي من أجل ولد لص.. صمت ثم قال من أجل ولد أسود .. اغفر لي يا رب ، أعرف أن لا فرق بين أسود ولا أبيض إلا بالتقوى، لكني أمام مجتمع متخلف. لا أدري ربما أنا المتخلف.
نظر إلى الولد مرة أخرى فرآه يبكي، التفت الطفل لأمه وقال لها..
– هذا يكفي يا أمي، لقد قلت لي أبوك مات، هل نسيت؟
لقد مات أبي منذ زمان.. أرجوك تعالي نخرج قبل أن أموت قرفا من هذا الإنسان التافه .. تغير وجه علي لهذا الجواب لكنه ظل صامتاً. يبدو أنه كان يقاوم شيئا في داخله. في تلك اللحظة الصعبة قرر على ما يبدو أن يقتل في نفسه كل إحساس إنساني. قرر أن يكون علي القاسي .
أمسكت الأم يد ابنها بعد أن مسحت دموعه بيدها وضمته إلى صدرها ، ثم استدارت إلى علي قبل أن تغادر المكان.
– الآن عرفت أية حقارة رمتك علينا، إلى الجحيم يا علي..
لحق بها علي قبل أن تغادر، رفع يده اليمنى وهم بمناداتها ، لكنه فجأة تراجع، أحس بشيء ينزل يده . زم شفتيه، أمسك شعره بيديه كمن يريد أن يقتلعه ثم قال بغضب:
– إلى الجحيم يا على..
– Go to Hell Ali.