/B_rub>
مثل شعبي كثير التداول في فلسطين وفي كثير من الدول العربية ( قريبك لا تناسبه ولا تشاركه )، تعلمته صغيرا وحفظته عن ظهر قلب لكثرة ما سمعته في مجالس الأهل والأقارب رغم أنهم لم يكونوا يطبقونه عمليا ولكنهم كانوا يتذكرونه كلما حدثت مشكلة بينهم بسبب زواج الأقارب أو خلاف مالي بين عدد منهم.
على أنني آمنت بهذا المثل قبل أن أبلغ سن الرشد ولعل المشاكل العائلية التي عشتها بين أهل والدي وأهل والدتي وكانوا ـ أولاد عم ـ قد أقنعتني تماما بصدق المثل فقررت بشكل قاطع أن لا أتزوج من أقاربي حتى لو كانت ليلى العامرية . ولم التفت منذ تلك الفترة إلى أي من بنات العائلة ولم أشعر قط بأي ميل عاطفي لأية واحدة منهن حتى لو كانت من آخر فرع في العائلة، ولعلي بذلك أكون قد طبقت المثل أحسن تطبيق (قريبك لا تناسبه )، وعملت بما قاله الرسول : غربوا النكاح .
وكنت بذلك عكس الكثيرين من رجال العائلة فوالدي تزوج ابنة عمه وعمي البكر تزوج ابنة عمه الآخر وأخوالي تزوج معظمهم، إما بنات الأعمام أو أقارب لهم وكانوا جميعا إذا حدثت مشكلة بين أي منهم وزوجته، امتدت لتشمل العائلة كلها وإذا اختلف أي منهم مع ابن عم له، امتدت المشكلة لتعكس نفسها على أهل البيت ويدب الخلاف بين الأزواج والأولاد الذين كانوا دائما في صف الأب والأعمام، باعتبار أن الاولاد يحسبون على أهل الأب فقط فأنا أحسب على فرع جدي فيقال أولاد عبد الرحمن وفلان من أولاد عيسى وعلان من أولاد عبد الجواد، فقد كان الانتماء العائلي مبنيا على هذه التقسيمات القبلية ولم يزل حتى الآن للاسف الشديد، ولهذا عشت سنوات طفولتي في مشاكل عائلية لم تتوقف الا عندما تجاوزت سن العشرين .
لا زلت أذكر عندما كنت طفلا صغيرا كيف كانت أمي عندما تزعل من والدي بسبب إهانته لها لخطأ قامت به أو لأنها لم تسمع كلامه في أمر ما، تترك البيت وتذهب لبيت أهلها فيطلقون عليها في تلك الحالة لقب حردانة، وكانت تظل عند أهلها أياما طويلة حتى يوافق والدي على الذهاب لإحضار أمي من عند أهلها ويتعهد بعدم تكرارها وتتعهد أمي بالالتزام بقرارته الصارمة التي كانت أحيانا تمنع من زيارة جارتها التي تسكن في نفس البناية وربما تكون في بيت مجاور .
كنت أنا من يدفع الثمن عندما تكون أمي حردانة عند أهلها، فقد كان إخوتها يطلبون منها ان تتركني عند والدي، حتى يشعر بقيمة أمي وأذكر يوما كانت أمي حردانة عند أخيها الذي لم يكن بعيدا عنا سوى مائتي متر فقط فذهبت أزورها ولم يكن عمري يتجاوز خمس سنوات فاستقبلتني زوجة خالي التي هي ابنة عم والدي أيضا وطلبت مني أن أعود من حيث أتيت عند أبي ـ كانوا يعتقدون أنهم بذلك يضغطون على والدي ـ وكانت أمي في الداخل تسمع الكلام الدائر بيني وبين زوجة خالي لكنها لم تخرج لتستقبلني او تسأل عني حيث كان قرار العائلة وعاداتها أكبر من الأمومة والأبوة معا .
عندما كبرنا وصرنا شبابا كان والدي يقول لي أنه يتمنى لو لم يتزوج ابنة عمه لوفر على نفسه الكثير من المشاكل وكنت عندما أسأله لماذا تزوجتها إذن؟ فيقول لي هذا ما حدث، لم أتوقع أن نعيش هذه المشاكل العائلية.
لقد كانت أمي جميلة وهي شابة وبيضاء اللون ذات شعر طويل ، وكانت مخطوبة لشاب من الخليل، حتى رآها أبي عندما كان في زيارة للخليل حيث كانت تسكن أمي وعائلتها، وهناك وقع نظره عليها فسأل عنها فقيل هذه ابنة عمك فلان، فقرر أن يطلب يدها وعندما علم أن امي مخطوبة زعل والدي وطالب بفسخ الخطبة لأن ابن العم أولى ((بينزل عن الفرس)) ، وحدثت خلافات بين الأهل، بين مؤيد للتصرف وبين معارض حتى انتصر رأي فسخ الخطبة وتهديد خطيب أمي السابق وكان يتزعم هذا الرأي شباب العائلة ومنهم بعض أخوالي . فتزوج أبي من والدتي وهو سعيد لأنه حقق حلم الشباب حتى إذا ما انقلبت الخلافات العائلية إلى البيت أو العكس تمنى لو لم يتزوج ابنة عمه أبدا .
كانت تجربة والدي وحده كافية لكي تقنعني ان لا أفكر في الزواج من إحدى قريباتي، ولم أكن بحاجة لسماع قصص كثيرة عن مشاكل بين الأزواج بسبب زواج الأقارب، لكن وإن نجحت في الشطر الأول من المثل الشعبي فأنا أعترف أنني فشلت في النصف الاخر من المثل : ولا تشاركه . وبسبب ذلك أوقعت نفسي في مشاكل ودفعت لذلك ثمنا كبيرا علمني كم كنت غبيا عندما فكرت أن أطبق الشطر الأول من المثل الشعبي لوحده .
ربما لم أقتنع بصدق الشق الثاني من هذا المثل الشعبي رغم أني شاهدت بعيني الخلافات التي عصفت ببعض الأقارب والأصدقاء بسبب تجارتهم المشتركة ، وكنت أقول بأن طبيعة الجيل السابق غير المتعلم والأمي هي السبب في نشوب المشاكل، وأن الجيل المتعلم الذي يعرف كيف يدير أموره بشكل منظم سوف ينجح في عمله أكثر ولربما لعب وضعي الاقتصادي المتدهور في فترة الشباب، في دفعي لأن أخوض غمار العمل المشترك للعمل مع أقاربي فنسيت المثل الشعبي ووضعته على الرف .
لا أنكر أبدا ان بداية شراكتنا كانت رائعة وكنا مثال الشركاء الأوفياء ونجحنا في عملنا وتطورنا وكنت أقنع الآخرين بان العقل المستنير كفيل بحل كل الخلافات والمشاكل .
شهر العسل لم يمض طويلا أبدا فبعد أقل من عشر سنوات بدأت الخلافات تدب بيننا وكانت كلها وإن اختلفت التسميات خلافات مالية بحته، أكدت مقولتي السابقة بأن الفلوس تفسد النفوس .
لم يؤد المال لخلاف بين قريبين فقط فحسب، ولكنه قطع بينهما كل أواصر المحبة والصداقة، كنت أتصرف كأن شريكي الآخر هو أخ لي لم تلده أمي أو هو والدي الذي يكبرني سنا وكنت أفخر به دوما وأحاول أن أجعله مثالا في الصداقة والمحبة والوفاء، لكني والحمد لله أصبحت عنده بعد خلافنا المالي لا أساوي شيئا فباعني بثمن بخس وعرفت حينها كم هي وسخة الفلوس إن دخلت بين الأقارب . وتأكد لي كيف أن الإنسان لا يتعلم مقولات من سبقوه ولا يستفيد من تجاربهم إلا بعد أن يدفع ثمن ذلك رحلة من الآلام والعذاب والقلق والإرهاق .
الخلافات المالية تكشف كم هي هشة العلاقة بين المتخاصمين وكم هو عال تأثير المال على النفوس البشرية وكيف يبيع الصديق صديقه والقريب قريبه والأخ أخاه من أجل المال، وكيف يسكن الحقد والكره مكان الحب والمحبة .
ألا تخاض الحروب من أجل المال ؟؟ فالمال مصدر قوة في المجتمع ومصدر نفوذ وهيبة، وسُلطة المال كبيرة ، فكل الدول القوية عسكريا هي دول غنية ماليا، ولهذا لعب المال دورا كبيرا في هيمنة أصحابه في المجتمع وبين الدول .
سحر المال أكبر من كل قيم الخير في العالم وأقوى من أي صداقة وأكثر جذبا من كل الأقارب للأسف الشديد .
لم أنتبه لنصائح من سبقوني وعندما اقتنعت بمقولتهم صرت أتمنى أن يستمع على الأقل أبنائي لنصائحي، التي تعلمتها نظريا وعمليا . فيا أيها الأصدقاء والقراء الذين قدر لهم أن يقرأوا ما أنقله لكم من مفكرتي، تعلموا إن أردتم أن تحافظوا على أقاربكم وعلى صلة المودة بينكم وبينهم، فلا تناسبوهم (لا تتزوجوا منهم)، ولا تشاركوهم في تجارة أو عمل أو أي نشاط تدخل فيه الفلوس، وإن ضربتم ما أقوله لكم بعرض الحائط فتهيأوا لرحلة من الألم والعذاب والمشاكل العائلية .
الأستاذ عادل سالم أشكرك على هذا المقال الرائع الذي يحكي لنا حقائق كثيرة وعبر عظيمة والتي ترشدنا بأن نبعد من القريب وكما يقول المثل الشعبي عندنا في اليمن ((حضرموت))ابعد من حبيبك يحبك. فاالأمثال الشعبية التي تركوها لنا أجدادنا في الوطن العربي والأسلامي تعتبر حكم ((حكمة)) فلابد مننا جميعا" ان نتبع كلام اجدادنا لانه كلام من ذهب. اما بخصوص المثل حق الفلوس فنحن نقول في اليمن : الفلوس تغير النفوس . ففعلا" فأنا الفلوس تغير النفوس وتفرق بين الأخوان والأقارب والأحبة للأسف الشديد . موضوعك ياأستاذي الفاضل موضوع رائع وجميل وهو موضوع واقعي ومشكلة تعاني منها كل الأسر والعوائل العربية. أخوك عمار الطويل اليمن محافظة حضرموت.
ملاحظة لقد شفتك عدة مرات في ولأية منيسوتا في مدينة منيابلوس ولكن للأسف لم اجتمع معاك واتعلم منك يااستاذي الفاضل فاانت شاعر وكاتب لا يستهان به . وقد وجدتُ موقعك هذا بالصدفة فهو فعلا" موقع جميل