عادل سالم في حوار مع وحيد تاجا
أبطال رواياتي يستشهدون لأنهم الأكثر عشقا للوطن
الاثنين ٢٣ كانون الأول (ديسمبر) ٢٠١٣

أجرى الحوار الكاتب السوري وحيد تاجا

[*1 ـ هل يمكن إعطاءنا لمحة عن البدايات .. من الذي أخذك إلى الكتابة، ومن أغراك بها؟!..*]

 منذ صغري انجذبت نحو الشعر خصوصا عندما قدم لي والدي رحمه الله، وكان عمري ثلاث عشرة سنة أو أقل ديوان شعر للشاعر عمر الخيام كان قد استعاره من صديقه الأستاذ سعيد السلايمة في القدس المحتلة وطلب مني أن أنسخه له كاملا لأنه لم يعثر على نسخة من الديوان في مكتبات القدس ليشتريها فقمت مرغما بنسخه من الغلاف إلى الغلاف. ومن هناك بدأت رحلتي مع الكتابة. كنت أكتب الشعر، والمقالات الصحفية حتى عام ٢٠٠٤ عندما نصحني الدكتور أحمد زياد محبك مدرس الأدب العربي في جامعة حلب في سوريا الشقيقة أن أتوجه للسرد، لأنني سأبدع فيه أكثر من الشعر فاستجبت لنصيحته وخضت منذ ذلك الوقت معترك الإبداع القصصي والروائي.

[**2 ـ ما الذي كنت تبحث عنه في انتقالك من الشعر إلى الرواية ..وهل حققت لك الرواية مالم يحققه لك الشعر ..؟*]

الانتقال من الشعر إلى السرد انتقال إلى شكل جديد من الإبداع الأدبي كي أوصل للقارئ العربي ما لم أستطع أن أنقله له بواسطة الشعر، فعالم السرد عالم أرحب، وأكثر تأثيرا لأنه يقدم للقارئ مجتمعا كاملا بشخصياته، ومشاكله، وأحزانه، وأفراحه.
بالإبداع السردي أو الروائي نستطيع أن نقدم ما لا يمكن أن نقدمه بالشعر، فكل نوع من أنواع الإبداع الأدبي، أو الفني له وظيفته، وتأثيره، وطريقة مخاطبته لعقل الإنسان، ومشاعره.

[*
3 ـ من المعروف انك اعتُقِلَت من قِبل السلطات الإسرائيلية لمدة 33 شهرًا. وساهمت مع كُتَّاب آخرين في تطوير الحركة الثقافية في السجن. وسؤالي كيف ترى تأثير السجن على تجربتك الإبداعية ..؟*]


للسجن تأثير ملحوظ، فأن تكون بين رفاق دربك من الأسرى العرب، والفلسطينيين الذين يواجهون السجان، والاحتلال بشكل يومي، وأن تعاني معهم، وتقتسم معهم لقمة الأسر، والهم الوطني لا بد أن تترك تأثيرها عليك، وكان عهدي لهم عندما ودعتهم في سجن نفحة الصحراوي في الأول من نيسان ١٩٨٥ ألا أنساهم، وأن أحمل همهم، وقضيتهم، التي هي قضيتنا جميعا، وأنقل تجربتهم النضالية لأهلنا خارج القضبان، وظل هذا العهد ماثلا أمامي حتى كانت روايتي الأولى (عناق الأصابع) التي حاولت فيها أن أنقل تجاربهم الإنسانية العادلة المجهولة، وأعيد بها سيرتهم إلى الواجهة آملا أن يلتقط تلك الرواية أحد المنتجين أو المخرجين ويحيلها إلى مسلسل تلفزيوني.

4[* ـ .. إلى أي مدى كانت السيرة الذاتية حاضرة في روايتيك (عناق الأصابع) أو (عاشق على أسوار القدس) أو حتى في قصصك القصيرة.. وهي ظاهرة ملفتة، لاسيما في الأعوام الأخيرة، حيث ان معظم الروائيين يستلهمون من سيرتهم الذاتية. لماذا..؟*]

عناق الأصابع
رواية «عناق الأصابع»

(عناق الأصابع) كانت تجربة الحركة الأسيرة الفلسطينية ولم تكن سيرة ذاتية، وشخصيات تلك الرواية معظمهم شخصيات واقعية ما زال بعضهم حيا يرزق، أردت فيها أن أنمي عنصر العمل الجماعي، والكفاح الوطني لا تمجيد الفرد أو الذات لذلك من يقرأ تلك الرواية سيجد أنها لا تركز على بطل محدد، وشخصية الرواية الرئيسية علي النجار ليس إلا رمزا لكل أسير عانى من قيد السجان.

بقية قصصي أو رواياتي هم أشخاص من لحم ودم، وأنا أنقل قصصا عشتها، سمعتها، عرفت أبطالها، وليس فقط سيرة شخصية أحاول أن أحييها. شخصية سرحان الخطيب في رواية (عاشق على أسوار القدس) تمثل كل مقدسي مغترب جردته سلطات الاحتلال من حقه في العودة، والعيش في المدينة التي ولد فيها، ولست إلا واحدا منهم، شخصية على النجار لا تمثلني شخصيا وإن كنت أحلم أن أكون بصلابته.

[**5 ـ لعل أول ما يستوقف القارئ لـ روايتك (عاشق على أسوار القدس) هو ذلك " العشق الصوفي" الذي يربطك بالمدينة المقدسة، حتى بدا وكأنك تحاول التأريخ للمدينة وأزقّتها وحاراتها..وحتى علاقات أهلها الاجتماعية .. ما سر هذه العلاقة مع القدس بالذات ..؟*]

عاشق على أسوار القدس
رواية عاشق على أسوار القدس

القدس مهد الطفولة والشباب، فيها ولدت وترعرعت وكونت ثقافتي، وشخصيتي، في حاراتها عرفت قيمة الوطن، في مدارسها كونت أول وأجمل صداقاتي، وفي شوارعها شيعت بعض شهدائها مثل محمود الكرد، وعبد الله الحواس، وآخرين.
وفيها اعتقلت، وواجهت مع أبناء جيلي عنف الاحتلال، واضطهاد جنوده، فكان لا بد والحال هذه أن تكون المكان الأكثر قدسية لي.

وقد شكلت الغربة عن الوطن شعورا بالتقصير تجاه المدينة التي أحببت فحاولت أن أعوض هذا التقصير وأقدم للقدس بعض واجبي تجاهها.

[*6 ـ جاء طرحك لموضوع العودة إشكاليا في هذه الرواية من خلال المحامي سرحان خ. الذي عاد إلى القدس التي بقيت في ذاكرته حية منذ 25 عاما .. متخلّيا عن الحياة الأمريكية الرغيدة وعن الثقافة الغربية طلبا لتوازن نفسي داخلي، لكنه بعد معاناة مع الواقع الجديد قتل على أسوار القدس... لماذا قتل ..وماهي المقولة التي اردت إيصالها للقارئ من خلال هذه النهاية..؟*]

سرحان الخطيب قتله المحتلون لأنهم يريدون تفريغ القدس من سكانها الشرعيين بكافة الوسائل، وهو يمثل حالة وليس فردا، فالعشاق الحقيقيون للوطن قدموا أرواحهم في سبيل أوطانهم، ولا غرابة في ذلك، فقد قتلوا قبله محمود الكرد، وعبد الله الحواس، وعمر القاسم وغيرهم الكثير.

[*
7 ـ ولكن هذه النهاية لـ سرحان ومقتله على يد الاحتلال ..كيف تنظر لانعكاسها على الأشخاص الذين يفكرون بالعودة إلى القدس من أمريكا أو غيرها..فهو ليس قيس بن الملوح كما أنه ليس القسام أو أبو جهاد، أو الشيخ أحمد
ياسين,,؟*]

كل الأشخاص المقدسيين المغتربين عن الوطن أصبحوا يدركون أن العودة ليست نزهة وليست سهلة وهي تحتاج لصبر، ومثابرة وتضحية، وعزيمة لا تقهر، وهناك كثيرون رجعوا وعانوا وصبروا وما زالوا دون وثائق رسمية تسمح لهم بالتنقل، في حين نجح آخرون في انتزاع حقوقهم، وفشل آخرون وعادوا إلى الغربة من جديد. موت سرحان الخطيب حسب وجهة نظري ليس هزيمة بقدر ما هو انتصار من نوع جديد، انتصار حالة الوطن على حالة الغربة، وتأكيد للاحتلال أن الفلسطيني يفضل الشهادة على الطرد عن وطنه.

[**.. بالتالي ما هو المطلوب من الرواية أساساً.. تشخيص الواقع وطرح الأسئلة .. أم إيجاد الحلول..؟*]

عندما تقدم الرواية حلولا واضحة المعالم فهي تريح القارئ من التفكير وتعلمه دوما أن يجد كل شيء جاهزا، فشعوبنا العربية تعودت على أن يأتي الفدائي ليخلصها من مشاكلها، ولذا ترى الملايين في الصفحات الاجتماعية تنتظر صلاح الدين ليحرر لها القدس، وفي البلاد العربية كمصر يستنجدون بالجيش وآخرون ينتظرون المهدي وهلمجرا، على القارئ أن يعي أن زمن الاعتماد على الأفراد انتهى، وأن عليه واجب المشاركة مع ملايين غيره ليبني وطنه الجديد، عليه أن يفكر، أن يستنبط بديلا لما هو فيه، الرواية باستشهاد بطلها تطرح على المواطن المقدسي سؤالا: لماذا استشهد سرحان؟ لماذا حصل هذا؟ ما المطلوب؟ كيف نواجه الاحتلال؟ ما دورنا؟ أين الخلل؟ من المسؤول؟ والجواب يجب أن يكون لدى القارئ نفسه.

[*
8 ـ أيضا، رأى احد النقاد أنك رسمت صورة واضحة لذلك الصدام الحاصل بين ثقافتين متضادتين تتصادمان في البلد بأشكال متباينة ؛ الصمود والانتماء والاستعداد للتضحية بكل شيء في جانب، والتماثل السلبي مع الواقع الجديد بما يعنيه من تخل عن قيم المقاومة حتى السلمية منها..ماقولك وهل ترى أنك أوصلت فعلا ما تريد؟*]

نعم هذه هي القدس اليوم تعيش حالة من الإحباط، حالة من الصراع بين رفض الواقع، والمعاناة، وبين البحث عن طريقة للتأقلم مع الواقع الذي فرضه الاحتلال عليها، واقع مؤلم يمكن وصفه بجملة أستعيرها من عنوان لكتاب للكاتب الفلسطيني عادل سمارة (التطبيع في دمك)، تطبيع فرض نفسه على حياة الناس وتأقلموا معه، أغاني عبرية تصدح من مسجلات سيارات بعض المواطنين، أغذية غير ضرورية إسرائيلية تملأ ثلاجاتنا هناك، مواطنون لا يحلو لهم إلا التسوق في الأسواق الإسرائيلية، التنزه في المناطق اليهودية… عنصر المقاومة خف أو فتر، وهذا سببه اتفاق أوسلو وحالة الركود التي حولت الفصائل الفلسطينية المحسوبة على السلطة الفلسطينية لفصائل تقاوم بالفيسبوك، وتوتر، وتبحث عن طريقة تقدم فيها رواتب موظفيها.

[*9 ـ إلى أي مدى يستطيع الكاتب أن يكون حيادياً في تسيير شخصيات روايته؟*]

يستطيع وعليه أن يبذل جهده في ذلك كي يكون عنصر الإبداع أقوى ويقدم للقارئ الحقيقة دون تزييف وإسقاط. كلما نجح أن يكون حياديا يكون قد أكثر إبداعا.

[**10 ـ رأى البعض ان لغة الموقف السياسي طغت أحيانا على لغة الحوار ..مما جعل الرواية اقرب الى الحكايات والتقارير الصحفية .. ماقولك ..وبالتالي الى أي مدى يسمح للموضوع الفلسطيني ان يطغى على جمالية الرواية وفنيتها، خاصة وان البعض يتهم النص الفلسطيني بأنه مباشر وانفعالي..؟*]

هذا رأي لبعض الكتاب، وليس رأيهم كلهم وكل الاحترام لآرائهم. أنا أهتم برأي الناس العاديين أكثر لأنني أريد أن أصل لعقولهم، وقلوبهم.

الحوار مهم في رواية مثل تلك الرواية، وهو تعبير عما يجيش في صدور شخصيات الرواية بأفواههم، وهي مقدمة لسيناريو يمكن أن يستخدم لتحويل الرواية لمسلسل تلفزيوني. لا يوجد هناك شكل واحد للعمل الروائي، هناك أشكال عديدة، وما زلت في بداية الطريق، وكل الآراء محط اهتمامي. ثمة نقاد أشادوا بها بشكل جيد.

[*11 ـ بصراحة كنت موفقا جدا في عنوان روايتك الثانية (عناق الأصابع) فقد حمل بعدا إنسانيا رائعا واختصر ببساطة مضمون الرواية.. ؟*]

أولا هذه هي الرواية الأولى وليس الثانية، و(عناق الأصابع) أبدعه أسرانا خلف القضبان عندما كانوا خلال مرحلة السبعينيات والثمانيات من القرن العشرين يعانقون زوارهم، وأحبتهم بأصابعهم فقط من خلال الشبك الحديدي والقضبان التي تفصل بينهم ولا تسمح لغير أصابعهم بالعناق، فكانوا بهذا العناق الفريد يتبادلون مشاعر الحب، ودفء العاطفة وهو عناق لم يعرف مذاقه إلا من اكتووا بالأسر في تلك المرحلة. كان للأصابع لغة عشاق لكنهم عشاق من نوع آخر. وقد كنت واحدا منهم ولست أولهم ولا آخرهم.

[**12 ـ اعتبر النقاد (عناق الأصابع) من الأعمال الهامة والنادرة من حيث تقديم الأسير كإنسان اجتماعي من لحم ودم.. يحب ويكره ويتقدم ويتراجع ويقف ويسقط.. إنسان يحتاج إلى الحب مثلما يحتاج إلى الغذاء ومثلما يتوق إلى الحرية..واختلفت بذلك عن وجهة النظر حول تصوير الأسير الذي لا يقهر؟*]

الأسير، والمناضل، والجندي الذي يخوض الحرب كل منهم إنسان له مشاعر، وعواطف متنوعة، يضعف أحيانا، يقوى في أخرى، يحب، ويكره، مثله مثل أي إنسان، وتصويره بأنه بطل خارق مثل سوبرمان يحللنا من التزامنا ناحيته ويجعلنا ننظر إليه بهالة قدسية، لا يخطىء، لا يحب، لا يكسر، سيحررنا من الاحتلال حتى وهو خلف القضبان، الرواية هنا تبرز الوجه الإنساني للأسير، الوجه المشرق المضيء، تقدمه كما هو دون تلوين، أسير أتعبه الأسر، ينشد التحرر الذي هو مهمتنا نحن تجاهه.
هذا هو هدف الرواية، وقد نجحت في ذلك.

13[*ـ يلاحظ التركيز في أعمالك الأولى على الربط بين السياسي والاجتماعي والثقافي والذي تجلى في رصد «عناق الأصابع» بدقة الأوضاع الإنسانية للاسرى وتحول القناعات والشعارات، وانهيار الإيديولوجيات، في صفوف المناضلين، وانعكاساتها على القضية الفلسطينية.؟*]

عبرت الرواية عن الواقع المؤلم للأسف، فهناك آلاف المناضلين وليس قلة فقط تخلوا عن شعاراتهم بعد اتفاق أوسلو وتحولوا إلى مجرد موظفين ينتظرون راتب آخر الشهر. والأكثر أسفا أن بعضهم أصبحوا موظفين في أجهزة الأمن الفلسطينية وأوكلت لهم مهمات اعتقال المقاومين، أو المعارضين، والتحقيق معهم، وضربهم بعد أن كانوا يوما يقتسمون معهم قيد الأسر.

[(الرواية رصدت التحولات الفكرية لدى المناضلين خصوصا في صفوف اليسار الذين تحول كثيرون منهم إلى الاتجاهات الدينية أو اليمينية وتخلوا عن كل مفاهيمهم القديمة، وكثيرون من كل الاتجاهات تحولوا من مناضلين إلى منتفعين، ينشئون جمعيات هدفها الأساسي تقدم المشاريع الوهمية للدول الأوروبية ليقبضوا دعما ماليا يصرفونه في الغالب على أنفسهم موهمين الآخرين أنهم يناضلون من أجل الشعب، والوطن مع أنهم اغتنوا وكونوا ثروات مالية لم يكونوا يحلمون بها، قادة وطنيون كثيرون طلبوا اللجوء السياسي، أو هجروا بلدانهم الأساسية ليستقروا في دول الغرب، قادة آخرون سرقوا أموال أحزابهم وهربوا لكندا وأوروبا…. كل هذا حصل بعد أوسلوا. نعم حدث انهيار واسع في المفاهيم، والشعارات، والقناعات. وهذا ما رصدته الرواية.
)]

[** 14 ـ جاءت الرواية واقعية بامتياز، لا خيال فيها ، رصدت بدقة متناهية ما يدور في اقبية السجون.. وحتى الأسماء الواردة في الرواية كانت أسماء حقيقية في غالبيتها العظمى.. مما أوقعها في مطب التقريرية والتسجيلية. والسؤال هل يمكن للكاتب أن يكتفي بأن يكون شاهد عيان،..ام لابد دائما من جرعة من الخيال في أعماله؟*]

الخيال ضروري، وكل عناصر الإبداع ضرورية، هي روايتي الأولى وأحببت ألا ألون واقع الأسر وأن أنقله لأبناء شعبنا، وأمتنا كما هو دون تغيير، ودون طمس قضيتهم، وتحويلها لشعار نستذكره في المناسبات الوطنية. في الرواية يتحدث الأسرى بلسانهم لا بلسان الكاتب.

15 ـ لماذا يقتل الحب في اعمال عادل سالم ..عشنا مقتل على النجار بطل (عناق الأصابع) .. أو المحامي سرحان خ. في (عاشق على أسوار القدس) .. لماذا تخشى من الحب والفرح ان يأخذ مداه ..؟

كما قلت لك في سؤال سابق. أبطال الرواية الأساسيون استشهدوا لأنهم الأكثر عشقا للوطن، وعشاق الوطن يستشهدون من أجل من يحبون، هذا هو الواقع فكيف أغيره؟ ياسر عرفات مات قتلا، أحمد ياسين استشهد بصاروخ، عبد العزيز الرنتيسي، مات بقصف صاروخي، أبو جهاد قتلوه في تونس، عمر القاسم استشهد في الأسر، محمود الكرد استشهد في شارع باب خان الزيت في البلدة القديمة، أبو علي مصطفى قصفوا مكتبه بصاروخ فتحول ركاما وقس على ذلك الكثير… فهل تريد من أبطال الرواية أن يكونوا عشاقا خلف مكاتبهم يحملون هواتفهم النقالة ويرسلون رسائل نصية لمعشوقاتهم؟

لن يتركهم الاحتلال يهنأون، كيف ينتصرون وما زال الاحتلال جاثما فوق رؤوسنا، انتصارهم يريحنا ويدغدغ عواطفنا، فنصفق لهم ونحن جالسون، لكن استشهادهم يصرخ فينا ويحثنا على الصمود واستمرار المواجهة. استشهادهم يعرينا يكشف زيف شعارات بعضنا، يشعرنا بتقصيرنا، يشجعنا على الصمود، والتحدي، واستمرار المسيرة. كاتب الرواية نفسه بكى أكثر من مرة على شخصية على النجار وهو يسقط شهيدا وزاد حقدا على الاحتلال فكيف بقارئ آخر، عندما شيعت علي النجار في (عناق الأصابع) تذكرت الشهيد عمر القاسم، والشهيد عبد القادر أبو الفحم، ومحمود الكرد، ونسيم زيد، وعبد الله الحواس، وغيرهم فشعرت كم نحن مقصرون تجاه أسرانا، وكيف تخلينا عن وعدنا وعهدنا لشدائنا.

الكاتب: أي تأكيد على سؤالي خوفك من ان يأخذ الحب مداه (بالمناسبة أرى أن حالتك أقرب إلى حالة المخرج السينمائي السوري عبد اللطيف عبد الحميد ففي كل أفلامه الجميلة يموت الحب ولا تنتهي حالة الحب عنده بسعادة أبدا .. وعندك نفس الشيء ..فهل هي مقصودة ..

[*16 ـ في كل من الروايتين، وبعكس العديد من أقرانك، أعطيت المرأة دورا أساسيا . سواء على الصعيد السياسي أو الثقافي وحتى على الصعيد الإنساني ..؟*]

عشت في مرحلة كان للمرأة دور كبير، شاركت الرجل في العمل، والمواجهة، تعرضت للأسر، قاتلت، استشهدت، هذه حقيقة وليس من صنع الخيال.
أنا وثقت دورها لا أكثر وقد أكون قصرت بعض الشيء. لقد عشت تلك المرحلة، ولمست دور المرأة وشاركت معها، زوجتي اعتقلت إداريا لستة أشهر، عمتي اعتقلت لمدة عام، زميلات كثيرات أعرفهن تعرضوا للأسر، وطوردن في أماكن سكنهن. وقدمن مثلا في الصمود والتضحية، والنشاط.

[**17 ـ ولكن الحب يموت أيضا في روايتك الرومانسية «قبلة الوداع الاخير».. الانفصال، رغم الحب العنيف المتبادل، موت الحبيبة.. وهي لم تمت دفاعا عن الوطن كـ حال الشهداء الذين ذكرتهم ..ولهذا أكرر هل تخشى للحب ان يأخذ مداه ..؟*]

قبلة الوداع الأخير
رواية قبلة الوداع الأخير

رانيا الجميلة، الوديعة صاحبة البسمة الرقيقة ماتت لأنها واحدة من ضحايا الحرب الأهلية اللبنانية، وقد مات الحب فيها منذ اختطافها واغتصابها وهي طفلة، وهي صرخة في وجه اللبنانيين أن التفكير في الحرب الأهلية من جديد معناه المزيد من الضحايا، والمزيد من الحب الذي سينتحر على صخرة الحقد، والاقتتال الأعمى. ورواية (قبلة الوداع الأخير) رواية حقيقية وليست من خيال المؤلف

[**18 ـ هل يمكن ان تستعيد بعض صور العلاقات ومسارها بين الأدباء في المعتقل من خلال تجربتك ..؟*]

كانت علاقة حميمية، أذكر يوم كنت في سجن نفحة الصحرواي وكان معي الكاتب المحامي محمد عليان، والكاتب السياسي عطا القيمري، والأسير الشهيد عمر القاسم، حيث كنا نتعاون في نسخ مجلة الأسرى الشهرية (نفحة الثورة والعطاء)، كان كثيرون منا يشاركون في الكتابة وفي النسخ، كي يستفيد بقية زملائنا في السجن، وأتذكر الأسير القاص محمود أبو النصر من غزة الذي كان في سجن بئر السبع عام ١٩٨٣. كنا نحاول أن نقدم شيئا للأسرى، لكن إدارة السجن كانت تصادر كل كلمة مكتوبة عندما تعثر عليها، وكان يومها من الصعوبة بمكان إخراج ما نكتبه لخارج السجن إذ يجب أن ننسخه في رسائل سرية مكتوبة بخط صغير جدا وعلى ورق لف السجاير الرفيع ثم تغليفه في كبسولات صغيرة يتم تهريبها مع الزوار عندما تسمح الظروف. وكان كل شخص يضبط وهو يقوم بتهريب رسالة يعاقب بحرمانه من الزيارة ونفيه للزنزانة الانفرادية لشهور ثم يعاقب من يزورونه بحرمانهم من الزيارات نهائيا وأحيانا يجري اعتقالهم.

[* 19 ـ في "«قبلة الوداع الأخير» ظهر وكأن هناك التباس وتناقض في العلاقة بين الزوجين (السابق واللاحق) .. ايضا لماذا يستغرب البعض تحول الحب الى صداقة ..مع ان الحالات ليست غريبة عن الواقع .. والسؤال لماذا نحاول (اخفاء) مثل هذه الحالات رغم جمالها وبعدها الانساني ..؟*]

العادات والتقاليد والموروث الثقافي الديني سبب ذلك.

[*20 ـ من خلال قراءاتك ..كيف تقيم «دب السجون» في فلسطين، لاسيما ونحن نعيش تجربة متميزة للنضال الفلسطيني في السجون الإسرائيلية هذه الأيام ..؟*]

أدب السجون قسمان، قسم أدب كتب داخل الأسر، وآخر كتب عن حالة الأسر.

هناك محاولات جيدة وإبداع لا بأس به لكنه لا يزال يعاني من الشخصية ومدح الذات، يحاول فيه كل كاتب أن يروج لسياسة حزبه، أو يمجد بدوره، يركز فيها على الدور النموذجي للأسير بأنه السوبرمان البطل القاهر، دون الغوص عميقا في أعماقه الإنسانية.

[(نحن كحركة ثقافية فلسطينية ما زلنا مقصرين بهذه الناحية ولم نعط الاهتمام المطلوب لتوثيق أدب المقاومة الفلسطيني وتقديمه لأجيالنا القادمة كما يليق به. كلنا مقصرون.)]

[**
21 ـ لم أفهم تماما ماذا قصدت بالقول بان رانيا لم تسمح لـ زوجها سامح ان يقبلها من شفاهها .. في حين ان زوجها الثاني " اغتصب" شفاهها..هل هي حقيقة ام " رمز " لم يصلني تماما.*]

رانيا لم تسمح لأحد أن يقبلها من شفاهها لأنها كانت تكره معاشرة الأزواج والذي اغتصبها من شفتيها هو قاتلها الحقيقي الذي اختطفها وقتل والدها، واغتصب طفولتها، والذي لم يحاسبه أحد أو يعاقبه على جريمته، ومن يدري ربما ما زال حيا يرزق.

[*22 ـ ونحن نتحدث عن (أدب السجون) لابد ان نتساءل اين أدب الأسيرات .. وكيف تقيمه .. ولماذا لايتم الإشارة إليهن بشكل صحيح رغم شرابهن من نفس كأس الاعتقال.. ؟*]

صدرت بعض الأعمال التي توثق هذه المرحلة مثل كتاب (أحلام بالحرية) للمناضلة عائشة عودة يقدم لمرحلة من مراحل نضالنا الوطني خلف القضبان، المشكلة أننا في مرحلة لا تشجع فيها المؤسسات الرسمية تدوين أدب المقاومة لأنه يثير الاحتلال. نعود ونقول رغم ذلك نحن مقصرون فعمل هنا وآخر هناك لا يشفي غليل جيل يتعطش لتاريخ آبائه.

[*23 ـ تقول ..بعد ثلاثين عامًا في الولايات المتحدة، ما زلنا نقول إنها غربة، في حين يقول معظم أولادنا الذين لا تزيد أعمارهم عن عشرين عامًا إنه الوطن الذي لن يعيشوا بغيره. هكذا إذًا أصبحنا نعيش غرباء في وطن الأبناء، وأصبح الأولاد والأحفاد غرباء عن وطن الآباء..هل يمكن ايضاح هذا التناقض ..وكيف ستحل هذه المشكلة وانت تعتزم العودة والاستقرار في القدس ، كما سمعت؟*]

هو تناقض يحاول كل منا حله بطريقته للأسف لا يوجد جهد جماعي للخروج من هذا المأزق.
الحنين للعودة موجود منذ سنوات، وكلما هممت بذلك اعترضتني صعوبات لم أتغلب عليها بعد، أتمنى ألا أموت إلا وأنا فوق ثرى القدس حتى لو كنت زائرا.

ختاما لك الشكر

التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة