عادل سالم في حوار مع (وكالة إيليا بيت المقدس):
عدونا يقتل أبناءنا لأنهم الأكثر عشقا للوطن
طريق القدس طريق بلا نهاية
الأحد ٢٣ أيلول (سبتمبر) ٢٠١٢

الكاتب المقدسي عادل سالم في لقاء خاص مع (وكالة إيليا بيت المقدس) حول روايته الجديدة «عاشق على أسوار القدس».

 حدثنا عنك؟ ومتي كانت أول محاولة لك في كتابة الرواية؟

  • الحديث عن الذات شائك، ومتشعب ما لم يكن محددا بدقة ما يريد السائل أن يعرفه، لكن بكل بساطة أقول أنا عاشق قتلته الغربة.
فتشت كثيرا
ورحلت طويلا
وعرفت الآن أخيرا
في غير ترابك يا وطني
الحب يموت وينتحر العشاق

بدأت في كتابة الرواية بعد أن خطوت خطوات في مجال القصة القصيرة، وكان ذلك عام ٢٠٠٧ وصدرت روايتي الأولى مطبوعة في العام ٢٠١٠ كطبعة أولى عن دار شمس للنشر في القاهرة وهي بعنوان «عناق الأصابع». وقد اتخذت قرار الانتقال لعالم الرواية لأنه أوسع ومساحة الإبداع فيه أكبر من القصة.

 ماذا يعني لك الكتاب؟ وما أول كتاب قرأته؟

  • وسيلة أساسية من وسائل المعرفة، والعلم، والإشباع الروحي الذي لا غنى عنه كما الطعام.

إن تقدم الشعوب الآن يقاس بما تبدعه من علوم وآداب لشعوبها.

من الصعب تذكر أول كتاب قرأته فقد كنت صغيرا جدا وبالتأكيد كان كتابا من كتب الأطفال التي كانت تقدمها المدرسة لطلابها المتفوقين. وعندما أصبحت في العاشرة وبعد افتتاح مكتبة الأمانة في المدرسة العمرية بالقدس حيث كنت أحد طلابها صرت أحد رواد المكتبة الدائمين أتردد عليها بشكل يومي للقراءة لساعات طويلة لأن وضعي المادي لم يكن يسمح لي أن أشترك بها وأستعير الكتب للبيت فكنت أقضي الساعات فيها أتنقل من كتاب إلى آخر.

 هل تتابع القراءة عبر الانترنت أم عبر الكتاب وأيهما تفضل؟

  • اكتساب المعلومات في العصر الحديث أصبح يتم بوسائل مختلفة، منها ما هو سمعي، أو بصري، كالقراءة مثلا.
    الذي يحدد الوسيلة هو المادة التي أرغب في قراءتها، فليس كل ما على الورق متوفر على الشبكة وهذا ينطبق على كل اللغات بشكل متفاوت، وبالنسبة للغة العربية فإن غالبية العلوم، والأدب، والكتب الأكاديمية لا تزال غير متوفرة على الشبكة لذلك فإن قراءتي تتوزع بين الجانبين. شخصيا أفضل القراءة الإلكترونية في الوقت الحاضر لأنها تعطيني الخيار في تكبير حرف النص لأستطيع قراءته بسهولة فكثير من الكتب حروفها صغيرة ويتعبني قراءتها.

 لمن تقرأ حاليا؟ ومَن من الكتَّاب الفلسطينيين والعرب يثير إعجابك؟

  • أطالع كتاب «ظاهرة المحلية في السرد المغربي» للدكتور، والأديب المغربي مصطفى يعلى.
    أما الكتاب الذين يثيرون إعجابي فهم كثر، ولا أرغب بذكر أسماء كي لا أنسى أحدهم فلا أفيه حقه. لكني أعتز وأفتخر بكتابنا الصاعدين الذين رغم كل المغريات ومحاولات التغريب يصرون على تقديم أجمل إبداعاتهم لشعوبهم.

 كم رواية أصدرت حتى الآن؟

  • لدي أربع روايات جاهزة على الحاسوب منذ ثلاث سنوات طبع لي منها روايتان هما «عناق الأصابع» في طبعتين، ورواية «عاشق على أسوار القدس»، وهناك رواية ثالثة ستصدر الشهر المقبل بعنوان «قبلة الوداع الأخير»، ورواية رابعة ستصدر في العام المقبل بعنوان «الحنين إلى المستقبل».

 ما هو الباعث الذي دفعك لكتابة رواية «عاشق على أسوار القدس» وهل وجدت صعوبة في اختيار عنوانها؟

  • القدس عاصمة الشعب الفلسطيني السياسية والثقافة وتتعرض لمحاول تهويد يومية، وطرد للسكان العرب، وكان لا بد أن نشحذ نحن الكتاب أقلامنا ليس فقط للدفاع عنها ولكن لنحفظ لأجيالنا القادمة صورة القدس الأصلية كما هي قبل التهويد، والتزييف الذي تتعرض له.

كنت في البداية سأطلق عليها اسم: «طريق بلا نهاية»، لأن طريق القدس ليس له نهاية من يريد القدس عليه أن يستعد للدفاع عنها من أطماع الغزاة حتى قيام الساعة. لكني غيرتها عندما قرر بطل الرواية أن يستشهد على أسوارها.

 كيف يساعد التنميط المتطرف في كلا الاتجاهين لصور الأشخاص والأزمنة والأماكن في روايتك.

  • شخصيات الرواية ليس فيها تطرف فهي من الواقع تعيش بيننا، تأكل معنا، نسمع بها، نقرأ عنها. أما الأماكن فهي أزقة وحارات القدس القديمة، والحديثة التي دمرها الاحتلال أو التي ما زالت شامخة حتى اليوم. بعض الصور مرسوم في الذاكرة يصعب محوه، أو تجاهله، أو تغييره، لأنه يحمل تراث شعب ما زال يقاوم، وإن اختلفت طرق مقاومته.

 تصور الفلسطيني في أمريكا كأنموذج خلقي عال ( تنميط جيد للصورة) والفلسطيني هنا أما حرامي سيارات أو متقاعس أو مرتش أو زانِ أو في زمن أخر (زمن العصابات)، كما وصفته (تنميط سلبي)، ما الذي ترمي إليه من خلال هذه الصورة النمطية وهل تخدم هذه الصورة فكرة العودة أم تخلق ألف سؤال حولها؟

  • الرواية لم تتحدث عن واقع الجالية العربية، والفلسطينية في أمريكا فليس هذا هدفها، يمكنك أن تقرئي عن واقعها في مجموعتي القصصة: «لعيون الكرت الأخضر»، أو في مجموعتي: «يوم ماطر في منيابولس»، هناك ستجدين كل ما تبحثين عنه.

«عاشق على أسوار القدس» ركزت في أحداثها على ما ينتظر المقدسي (الذي كان يعيش في القدس بعد احتلالها عام ١٩٦٧) المغترب العاشق لبلده عندما يقرر العودة لأرض الوطن.

وهي لا تصور الفلسطيني بالإطار العام كما تشيران في سؤالكما لكنها تعرض أمامه واقعا جديدا وهو واقع تناقض يجمع بين ثناياه كل شيء، فهو لا يتحدث عن السلبي فقط يبدو أنكما نسيتما الأسير عزمي الذي التقى مع حسن في السجن، ودافع عنه باستماتة.

علينا عدم الهروب من واقعنا، فالإبداع الروائي يجب ألا يكون مدحا لنا كي نرضي ذواتنا، فالعاشق للقدس سيزيد عشقا لها رغم كل هذه المتناقضات وهذا ما فعله سرحان.

هذه الصور يعرفها الذين يقررون العودة لأنهم على اتصال دائم بأهلهم هنا وعلى من يقرر العودة للعيش في القدس تحت حراب الاحتلال أن يعرف أنه ليس عائدا لجنات النعيم بل لمرحلة جديدة من المواجهة والصمود مع مخططات الاحتلال الهادف لتفريغ المدينة من سكانها العرب. عندما يعرف ذلك ويعود فسوف ينجح في المواجهة.

 لماذا تم استعراض انتهاكات الاحتلال الإسرائيلي للبشر بحيادية تامة وكأن ذلك يحصل بالضرورة الطبيعية، مشهد محاولة الاغتصاب، السجن مع جنائيين إسرائيليين، مشاهد الاعتقال المبرمج والحوارات العادية بين جنود الاحتلال للتعامل مع البطل وأسرته، هل تريد بذلك أن تنزع الصفة الإنسانية للمحتل وان تظهره بمظهر آلة الاعتقال الجهنمية؟

  • كما قلت سابقا فأنا أعرض الواقع بأسلوب أدبي إنساني، وانتهاكات إسرائيل للشعب الفلسطيني أصبحت ظاهرة يومية ميكانيكية خطط لها بعناية بحيث انخرط كل اليهود بشكل عام في تنفيذها.
    نعم جنود الاحتلال هم جزء من أدواته القمعية، وهم الذين نفذوا الجرائم ضد أبناء شعبنا، وأهلنا، ودمروا قرانا.
    هجرتهم من روسيا وإثيوبيا، وأوروبا لفلسطين تعني أنهم جاءوا ليحلوا محل شعبها وأن مستقبلهم، ورفاهيتنهم لن تكون إلا على أنقاض هذا الشعب. ولهذا فنظرتهم لنا تخلو من أي إنسانية.

مشهد محاولة الاغتصاب بالسجن ظاهرة عادية موجودة في كل السجون في العالم حيث يتواجد سجناء صغار السن، وقد تعرض كثير من أسرانا لمثل تلك المحاولات من قبل جنائيين يهود، وعرب أيضا. وأعرف شخصيا حالات تعرضت لذلك.

 كيف تستحضر كافة تفاصيل الصراع اليومي مع المحتل رغم انك تعيش في أمريكا، ما هي مصادرك؟

  • مصادري متنوعة منها ما عشته بنفسي، فقد عشت معظم حياتي في القدس، وكانت علاقاتي متشعبة، وواسعة، وأمضيت حوالي ثلاث سنوات متنقلا ما بين سجون عدة منها: سجن نفحة، بئر السبع، كفار يونا، الرملة، المسكوبية وذلك ما بين ١٩٧٨ و ١٩٨٥. إضافة لزياراتي الكثيرة للقدس.

أضف إلى ذلك اتصالي الدائم مع الأهل والأصدقاء. وكثرة المغتربين المقدسيين حيث أقيم الذين يزورون القدس بشكل مستمر بحيث من الصعب أن يمر شهر لا يوجد فيها شخص يسافر إلى القدس فيعود محملا بأخبارها بالتفاصيل الصغيرة.

وما أقرأه يوميا عما يحدث في أرض الوطن، فعاشق القدس يبحث عن أخبارها في كل مكان.

 هل تعتقد إن وجودك في الغربة اثر على رؤيتك للحدث، أنت تعيب على السلطة لجوءها إلى المحتل لتحقيق حلم الدولة ولكنك قبلت بوساطة اليهودي الذي كان مجرم حرب وحصل على وسام الدولة لخدمته دولة الاحتلال للحصول على بطاقة هوية للبطل؟

  • المفروض أن الموقف من الاحتلال لا تغيره الأمكنة، وموقفي من الاحتلال موقف الشعب الفلسطيني بصفة عامة دون الدخول في تفاصيل فرعية، وكما قلت لكما في سؤال سابق هذه الرواية تنقل الأحداث بغض النظر إن كان القارى يعدها أمرا إيجابيا أم غير ذلك، وفي الواقع هناك فرق كبير أن يقوم مواطن ما في توكيل محام ليدافع عنه في محاكم الاحتلال أو يوسط أحد أذناب الاحتلال أو شخصياته، لتحقيق تسهيل ما مثل السماح له بالسفر، أو الحصول على شهادة ميلاد، أو بطاقة هوية إلخ وبين أن تقوم سلطة سياسية تعد ممثلا سياسيا لشعب مقاوم بهذه الأعمال، فالأمر شاسع ولا مجال للمقارنة بينهما وشخصية سرحان بطل الرواية ليست شخصية عمر بن الخطاب فهو إنسان عادي ليس سياسا، ويقوم بما يقوم به أي مواطن عادي. كل سكان القدس مثلا يحملون البطاقة الزرقاء وهي بطاقة إسرائيلية تضمن لهم حق الإقامة وليس الطرد، لكن أن تصبح هذه البطاقة مطلبا وطنيا لسلطة سياسية كالسلطة الفلسطينية فهذا شيء آخر غير مقبول. وما قام به سرحان يقوم به كثير من المواطنين، هذا هو الواقع المؤلم، لكن الرواية أرادت أن تقول أن إسرائيل لم تستجب لأحد لمطالب إنسانية عادلة وهو حق سرحان بالعيش في القدس فكيف ستقبل بعودة النازحين واللاجئين؟

 هل تعتقد ككاتب أن للقدس زمنا خاصا الآن (زمن العصابات)، وهل يؤثر هذا الزمن على إمكانية جذب الفلسطينيين إلى مدينتهم سلبيا ام ايجابيا؟

  • القدس تعيش في زمن المتناقضات لكن كل هذه المتناقضات تلتقي في النهاية قبلت أم رفضت في هدف واحد محاولة تعطيل المشروع الصهيوني في القدس المحتلة. إسرائيل ترغب بالتخلص من كل ما هو عربي إيجابيا كان أم سلبيا ولكن على مراحل. وأنا أعتقد وقد أخطأ أن المظاهر السلبية التي انتشرت بكثرة في القدس، نتجت عن اتفاقية أوسلو وما ترتب عنها حيث تم تغييب ثقافة المقاومة والصمود، وطغت عليها مظاهر المصالح، وعدم الاكتراث، واللامبالاة التي انتشرت بين كثير من الشباب.

 لماذا هذه النهاية الدامية لماذا تحكم على هذا الصراع من أجل الوقت بموت البطل؟ لماذا لم تترك النهاية مفتوحة كصراعنا المفتوح معهم وكيف يخدم موت البطل الفلسطينيين الآخرين ليأتوا ويتنازلوا عن مكاسبهم من اجل القدس؟ لماذا لجأت إلى نهاية مغلقة؟

  • جنون قيس بن الملوح بعث فيه الحياة، وما زلنا نقرأ عنه بعد ألف عام من موته، هكذا هم العشاق يموتون من أجل من يعشقون.

هناك كتاب يقدمون للقارئ أبطالا خارقين، لا يموتون، يتغلبون على كل المصاعب وكأنهم سحرة، الواقع ينفي ذلك، عشرات الأبطال في ثورتنا استشهدوا من عز الدين القسام حتى كمال عدوان، وأبو جهاد، والرنتيسي، والشيخ أحمد ياسين، والقافلة تسير.

هؤلاء هم أبطالنا، عشاق الوطن، باستشهادهم ارتكب المحتل جرائم جديدة. الرواية تخاطب الرأي العام الإنساني، أن سرحان الخطيب سقط شهيدا وهو أعزل من السلاح، وأن عدونا يقتل أبناءنا لأنهم أكثر عشقا منه للوطن وليس لأنهم يقتلون ويخربون.

النهاية إذن ليست مغلقة، فهذه نهاية عشاق الوطن وما زال للوطن بقية عشاق يسيرون خلفه.
هذه النهاية تدفعنا دفعا للحقد على المحتل وليس التصفيق للفرد. إنها تقول لهم جاء دوركم فاستعدوا فطريق القدس ليس له نهاية. مئات الآلاف من الشهداء سقطوا في مسيرة شعبنا الطويلة لكن ما زال آخرون يسيرون لنفس الهدف مع علمهم المسبق أنهم قد يلقون نفس المصير.
عمر بن الخطاب استشهد مقتولا لكن راية أمتنا لم تمت بموته بل رفعها آخرون وتابعوا المسيرة.

 لماذا اخترت دار الجندي للنشر والتوزيع رغم وجود عدد من دور النشر بأمريكا؟

  • أنا أكتب باللغة العربية للشعوب العربية، لا أخاطب الأمريكيين بلغة غير لغتهم لذلك من الطبيعي أن أنشر الرواية في البلد التي كتبت عنها.

 كلمة أخيرة ترغب بقولها لدار الجندي للنشر والتوزيع بالقدس ؟

  • أتوجه لهم بالشكر وخصوصا لزميلي سمير الجندي، زميلي أيام الدراسة الابتدائية آملا له النجاح في نشر روائع الإبداع الأدبي الفلسطيني في الوطن وفي الدول العربية.

كما أشكر الزميلين محمد البريم، ونداء يونس على هذا الحوار الأخوي.

ملاحظة :

حوار: محمد البريم، نداء يونس – فلسطين

التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة