المطارد
الاثنين ١٤ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم عادل سالم

كان يعرف أنه مطلوب للسلطات الإسرائيلية عندما داهمت قوة من حرس الحدود بيت أهله لتعتقله ولم تجده في البيت. اختفى عن الأنظار ولم يعد يظهر في الشوارع والحارات كما كان سابقا.

بعد عام من اختفائه في مدينة أخرى، غير فيها شكله ولباسه، صار يخرج أحيانا إلى السوق لشراء بعض حاجياته.
وفي أحد الأيام أثناء عودته إلى مكان سكنه لاحظ من بعيد سيارة مدنية تحمل رقما فلسطينيا يجلس فيها بعض الشبان، وقد وضعوا الكوفية الفلسطينية فوق مقود السيارة ليلاحظه الجميع.

كان وجودهم في الشارع يدعو للشبهة في نظره، فقرر تغيير مكان سيره وانحنى إلى الزقاق المتفرع يمينا، ولكن ما إن شعر الجالسون بالسيارة أنه غير من اتجاه سيره حتى خرجوا من سيارتهم بسرعة ولحقوا به مشهرين مسدساتهم.

هرب فور دخوله الزقاق، وكان يركض بسرعة جنونية وهم يطاردونه. فرقة الموت الإسرائيلية المكلفة بتصفية بعض أبطال الانتفاضة تلاحقه، جاء دوره إذن! كيف عرفوا مكانه؟

كان يجري يمينا وشمالا وفي كل اتجاه، فجأة فتح باب إحدى العمارات القديمة ودخله ثم أغلق الباب عليه واختبأ تحت الدرج. انتبهت عليه امرأة عجوز تسكن في أحد البيوت هناك فاعتقدت أنه لص. سألته ماذا تريد؟ وكادت تصرخ، فقال لها:
 دخيلك اليهود يلاحقونني.
سكتت وقالت له:
 حسنا ادخل هنا. وأدخلته في غرفة صغيرة تستخدمها كمخزن للطحين والرز وغير ذلك.

وصل أفراد المجموعة شاهرين مسدساتهم وبعد لحظة كانت قوة من الجيش تحاصر المكان. طلب أحد الجنود من سكان البيوت الموجودة في الزقاق عبر مكبر الصوت الخروج من بيوتهم فورا فيما كان الجنود الآخرون يوجهون بنادقهم نحو شبابيك البيوت وأبوابها، وأسند رجال المجموعة ظهورهم إلى الحائط واستعد كل منهم للهجوم.

خرج السكان مذعورين بما فيهم العجوز التي خرجت تحمل عكازها.
حقق الجنود بسرعة مع الأهالي عن مكان وجوده فلم يسمعوا جوابا يسرهم. وأخيرا هددوا بهدم البيت الذي آوى المطارد.

بعد خروج الأهالي، مسك الميكروفون أحد أفراد المجموعة وقال مخاطبا من يطاردونه:
 سلم نفسك تسلم، لا تجبرني على اقتحام البيوت. ننصحك أن تخرج دون قتال. ارفع الراية البيضاء ولن نطلق عليك الرصاص.
كان يدرك أنه لا مجال للهرب، وإن عدم استسلامه سيؤدي إلى دمار البيت الذي اختبأ فيه وربما البيوت الأخرى ولن يخرج حيا لذلك قرر الاستسلام.

خرج من مخبئه، يرفع عصا المكنسة الموجودة في مطلع الدرج وعليها قطعة ملابس بيضاء ثم اقترب من الباب، فتحه بحذر وظهره إلى الحائط ثم رفع المكنسة بالقميص الأبيض. شاهده الجنود وأفراد القوه.

قال له قائد المجموعة بنفس مكبر الصوت:
 تحرك رويدا رويدا وارفع يديك للأعلى.
فخرج قاسم رافع المكنسة والشارة البيضاء بيده، فيما اليد الأخرى مرفوعة بالهواء. بعد عدة خطوات طلبوا منه رفع قميصه ثم خلع بنطلونه للتأكد أنه لا يلف جسده بالمتفجرات. ففعل كما طلبوا منه وبقي في كلسونه. وعندما شاهدوا أنه عار من أي سلاح هجم عليه أفراد المجموعة وأوقعوه أرضا ثم كبلوا يديه من الخلف.

وجه وجه قائد فرقة الموت مسدسه صوب رأس المطارد وأطلق عليه النار، رصاصة، اثنتان، ثلاثة. كان يقول مع كل طلقة بالعبرية
 عرفي ملخلاخ (عربي وسخ)

تناثر دمه على الأرض وكذلك دماغه، فيما انسحب الجنود مع القوه المهاجمة، دون أن يحملوه معهم، كأنهم أنهوا مهمتهم بسلام.

بعد انسحابهم عاد الأهالي إلى بيوتهم ليشاهدوا قاسم مرميا على الأرض والدماء تسيل من رأسه على الأرض.
 لا إله إلا الله، الله يكسرهم اليهود.
 مسكين قتلوه رغم أنه لا يحمل سلاحا.
 رغم أنه استسلم لكنهم غدروه.
 ترى أين كان مختبئا؟
 يجب أن نبلغ أهله، هل يعرف أحد أهله؟
 سأبلغ الشباب ليقوموا بواجبهم، هيا بنا نغطي جسده حتى نقله من هنا.
 الفاتحة على روح البطل.

اقتربت المرأة العجوز ولسان حالها يتمتم،
ذرفت دمعتين ودخلت إلى البيت، وإلى الغرفة التي اختبأ فيها فوجدت فيها ساعة يده وبعض الفلوس حملتها. قبلتها وخبأتها في عبها بانتظار أن يأتي أحد أفراد عائلته ليسألها عنه.

التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة