أكره الرحيل والسفر
الأحد ١ أيار (مايو) ٢٠٠٥
بقلم عادل سالم

لا أختلف عن العرب الرحل في قديم الزمان من حيث تنقلهم المستمر وعدم استقرارهم في مكان واحد، وربما كانت تنقلاتي وانتقالي من بيت إلى بيت ومن مدينة إلى مدينة تفوق أحيانا رحلات بعض القبائل العربية التي اشتهرت بالرحيل من واد إلى واد.

لعل الفرق بيننا أنني أرحل بالطائرة أو السيارة فيما كانوا يرحلون على ظهور جمالهم وحصنهم، وبعضهم ربما كان يرحل مشيا على الاقدام، ولا أتحدث هنا عن الرحلات بقصد الدراسة أو السياحة ولكني أتحدث عن الاستقرار بحد ذاته في مكان واحد، ولكثرة تنقلاتي كرهت الرحيل وكرهت السفر وصرت أتمنى الاستقرار، وأتساءل باستمرار متى أسكن في بيت يكون نهاية تنقلاتي لترتاح نفسي راحة ليس بعدها راحة. وأنا لا أقصد هنا المثوى الأخير فهذا سوف نسكنه جميعا رغما عنا.

لا يستغرب أحدكم لو عرف أنني منذ ولدت في الأول من تموز عام 1957 ـ حتى الآن لم أعرف الاستقرار رغم أنني كنت أشتاق إليه وأحن له وأغار من الذين قضوا كل حياتهم في نفس البيت.

فمذ كنت صغيرا مع والدي إلى أن تزوجت تنقلت عشرات المرات، وربما كانت مدة 3 سنوات أكبر مدة أقضيها في بيت. فقد تنقلت حتى الآن وسكنت في 44 شقة وبيتا وسجنا سواء في فلسطين أو الولايات المتحدة.

وخلال فترة سجني في فلسطين المحتلة عام 1948 لم أمكث في نفس الغرفة وإنما كانت تفرض علينا الإدارة التنقلات من قسم إلى قسم ومن غرفة إلى أخرى، وأحيانا كنا نحن المعتقلين ننتقل من غرفة إلى أخرى لنكسر قرار إدارة السجن في تنقلاتها العشوائية التي تهدف بلبلتنا وكسر إرادتنا.

هذه التنقلات أضاعت مني أشياء كثيرة أهمها الراحة النفسية، وفقداني لكثير من دفاتري وكتبي وما كنت أكتبه ودفاتر ملاحظات، وكثيرا ما كنت مضطرا أن أتبرع بكتبي لاصدقائي لأنه من الصعب علي أن أنقلها معي خصوصا عندما انتقلت من فلسطين إلى الولايات المتحدة، أو من ولاية إلى أخرى.

أذكر أن أول مكتبة كانت عندي وهبت كتبها عام 1976 إلى صديقي السيد عبد الله غزلان وهو الآن قاض في رام الله، وكانت تحوي الكثير من الكتب القيمة.

أما المكتبة الثانية فقد تركتها عند قريب لي في القدس عندما انتقلت مرة أخرى إلى الولايات المتحدة وكانت كتبا قيمة منها المعاجم إضافة للعديد من المجلدات، لكن حزنت عندما عرفت بعد عدة سنوات أن الكثير منها أتلف لأنهم كانوا يخزنونها تحت الدرج حيث تسربت إليها المياه.

أما المكتبة الثالثة فقد اضطررت أن أوزعها على بعض المعارف والأصدقاء في شيكاغو عام 2007 عندما انتقلت إلى ولاية منسوتا مرة أخرى فلم يكن بالإمكان حملها مئات الأميال إلى بيت صغير.
الذي حز في نفسي في حينه أنني وجدت صعوبة في تقبل المغتربين العرب للكتب، فمنهم من كان يسأل لماذا يأخذها وهو لا يقرأ أصلا أي كتاب، وهؤلاء كانوا يفكرون بأنفسهم ولم يفكروا بأبنائهم وحثهم على القراءة، لكن الأكثر غرابة كانت أن أحد الأصدقاء الذي حظي بقسم واسع من الكتب عرفت فيما بعد من صديق آخر، أنه تقبلها لا ليقرأها ولكن لكي يزين بها بيته الجديد الواسع، وخصوصا مكتبه الخاص.

وإذا كان شعراء العرب قديما يبكون الديار وينشدونها شعرا، فأي بيت أحزن لفقده؟ وأيهم أتذكر؟

أكل البيوت لها ذكريات جميلة في الذاكرة؟ أم أن بعضها يحمل معه ذكرياته الأليمة، فقر مدقع، طفولة معذبة، لكنني بت أحن إليها لأن تذكرها يعيدني ثلاثين أو أربعين سنة إلى الوراء، أعود تاركا شعري الأبيض ورائي وكأنني سأعيش الماضي من جديد بعقل رجل كبير لم يعد طفلا ولن يعود. أتذكر الماضي هربا من الحاضر بل ربما خوفا من المستقبل، أتقبل الماضي بفقره وآلامه على المستقبل المليء بالغموض والمفاجآت والذي يقف فيه الموت مختبأ في إحدى السنين القادمة دون أن نعرفها.

نعم أكره السفر رغم حبي للتنقل لزيارة بلدان كثيرة أحتاج لزيارتها لأموال بل غيتس، لكنني حينما أقرر السفر لأمر ما أتشاءم لا أحب ركوب الطائرة وأكون سعيدا عندما أعود إلى البيت فهناك أشعر براحة كبيرة. ترى في أي بيت سأعيش في العام 2015 إن بقيت حيا؟؟؟

التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة