العنكبوت
الخميس ٢٤ حزيران (يونيو) ٢٠١٠
بقلم عادل سالم

الطقس حار جدا، إنه صيف ولاية كانزاس الأمريكية التي هي أقرب إلى الجنوب منها إلى الشمال، كل بيت لديه مكيفات تبريد لكي يستطيع تحمل درجة الحرارة العالية، إلا نزلاء سجن «ليفنوورث» الواقع على بعد خمسين ميلا من المدينة كانزاس الواقعة على الحدود بين كانزاس وولاية ميسوري فهي مدينة مشتركة أو مدينتان باسم واحد إحداهما تابعة إلى ولاية ميسوري والثانية في الشارع المقابل تابعة لولاية كانزاس.

في سجن «ليفنوورث» الفدرالي يعاني السجناء من شدة الحرارة، التي تكون أكثر ارتفاعا في الطابق الثاني منه لأن سقفه من الزينكو والزفتة، فقد تتجاوز درجة الحراة 55 مئوية، خلال أشهر الصيف، يكون بعضهم بملابسهم الداخلية فقط، بل يذهب بعضهم إلى حد النوم بالكلسون وحده.

حرارة الطقس مشكلة، فما بالك بحرارة السجن، وجود المشاحنات اليومية، والبعد عن الأهل، وسوء التغذية، كلها تزيد من حرارة السجين، فيكون بين الموت والحياة، غير قادر على استيعاب أي شيء.

كان «جاك» مستلقيا على سريره السفلي لا يستطيع الحركة بسبب حرارة الطقس رغم وجود 14 مروحة كبيرة الحجم في الغرفة، أصوات مزعجة أكثر من حرارة الطقس نفسه.

في الغرفة 64 سجينا، بعضهم خارج الغرفة لأن الطقس أقل سخونة، لكن «جاك» اختار أن يستلقي على سريره يراقب السجناء الداخلين والخارجين. فجأة لمح سربا من الحشرات والصراصير الزاحفة تخرج كسرب طويل من تحت السرير، نظر يراقب حركتها فلمح عنكبوتا يطاردها. عنكبوت كبير أسود، أثار انتباهه. لطالما حذرت إدارة السجن السجناء من العنكبوت، إنه قارص ويؤدي إلى إتلاف الجلد في المكان الذي يقرص فيه، أراد أن يقتله لكنه تكاسل فالطقس حار جدا ورأسه أثقل من جسمه.

لحظات، هب من سريره بسرعة كأنه تحول من رجل شبه ميت إلى رجل دبت فيه الحياة.
بحث بجانبه عن مرتبان القهوة البلاستيكي الفارغ الذي يستخدمه لشرب القهوة، فتحه ولحق بالعنكبوت، فوضعه داخل المرتبان وأغلق عليه ثم اخفاه بين أغراضه وعاد إلى سريره.

في الليل كان السجناء نائمون أو يحاولون النوم فالحرارة المرتفعة تمنعهم رغم أن بعضهم لديه مروحة صغيرة يشتريها من كانتين السجن ويسلطها على جسمه أثناء النوم رغم ما لذلك من أضرار.
كان جاك صاحيا يخطط لأمر ما.

الساعة الثالثة والنصف صباحا استيقظ حسام وهو سجين عربي مسلم لصلاة الفجر.
الغرفة معتمة ليس فيها سوى بعض الضوء القادم من خارج الغرفة، من كشافات السجن نفسه.
بعد أن توضأ حسام وهيأ سجادته للصلاة، كان جاك قد حضر المرتبان الذي يخبئ به العنكبوت. انتظر جاك حتى سجد حسام في الركعة الأولى، وما أن وضع رأسه على الأرض حتى اقترب جاك بسرعة ورمى العنكبوت أمام رأس حسام.
  سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، سبحان ربي الأعلى، الله أكبر.

كان العنكبوت يسير من اتجاه إلى آخر، لا يدري أين يتجه.
لم ينتبه حسام إليه، فوقف يصلي الركعة الثانية، فيما كان جاك يتابع العنكبوت الذي خذله وقرر الهرب تحت السرير ثم اختفى من الساحة.

أنهى حسام صلاته وعاد للنوم، فيما غط جاك في نوم عميق فقد كان صاحيا طوال الليل.
في الصباح استيقظ حسام ليحضر نفسه إلى العمل.

الساعة السادسة صباحا،
استيقظ جاك فجأة فقد شعر أن شيئا يسير على فخده الأيمن، وعندما حرك نفسه كان العنكبوت قد شد إبرته فيه، فصرخ من الألم، اقترب حسام منه بسرعة لاحظ العنكبوت على فخده فرفعه بسرعة بالبشكير الذي كان بيده ثم ضغط عليه بحذائه فقتله، تقدم من جاك وساعده في الوقوف ونقله إلى العيادة للعلاج الطارئ. بعد ساعة كان جاك قد استعاد قوته بعد أن تعرض للإسعافات اللازمة، نظر إلى حسام الذي يكرهه لأنه مسلم، وقال له:
  شكرا حسام
صمت لحظة ثم تابع:
 لأول مرة أكون فيها مدينا لعربي.
فقال له حسام:
 لا تقلق لن نطالبك برد الجميل
سكت وبعد أن تركه حسام ليذهب للعمل، بدأ يتمتم:
ـ يبدو أنني يجب أن أغير رأيي في هؤلاء الإرهابيين.

التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة