عادل سالم في حوار مع حديث الناس في فلسطين:
الكتاب العرب في الولايات المتحدة يعيشون أزمة انتماء ثقافي
القدس عندي كل فلسطين
السبت ٢٦ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٨

نص حوار أجرته الصحافية لطيفة اغبارية من مجلة حديث الناس في فلسطين مع عادل سالم، نعيد نشره هنا.

 لماذا قررت الابتعاد عن أرض الوطن هل هو بعد قسري أم اختياري؟

 أول مرة غادرت فيها الوطن إلى الولايات المتحدة كان عام 1976 للالتحاق بالجامعة هناك. وقد سافر معي جميع اخوتي وأخواتي وأمي للالتحاق بوالدي الذي سبقنا قبلها بعام، لكني عدت بعد ذلك بأشهر، فلم أستطع التأقلم مع الحياة في الولايات المتحدة، وظلت زياراتي إلى هناك متقطعة حتى نهاية الثمانينات حيث استقريت بشكل متواصل، حالما بوضع اقتصادي أفضل لأعود بعدها إلى الوطن، لكن ليس كل ما يتمنى المرء يدركه، فقد سارت الأمور بعكس ما تشتهيه سفينتي، فطالت غربتي، وتشابكت الأمور، وأصبح بالإمكان القول إن الهجرة عن الوطن كانت سرابا، قد يسميه بعضنا بعدا قسريا بسبب الظروف الاقتصادية، والسياسية في الوطن المحتل، لكنه في المحصلة النهائية قرار اختياري أعترف أنني أخطأت باتخاذه، وليتني لم أفعل.

  [*أنت تعرف نفسك بمفهوم مسلم ثقافي حضاري ما المقصود بذلك؟*]

 لقد نقلتِ على ما يبدو ذلك من النص التالي في السيرة الذاتية المنشور في موقعي:

[*(لكنه عربي مسلم بمفهوم ثقافي حضاري قائم على التعددية واحترام الآخر وخصوصاً الشعوب غير العربية التي نعيش معها في هذا الوطن الكبير. يعتبر نفسه جزءاً من الثقافة العربية والوطن العربي رغم أنه يعيش في الغربة التي لن تطول كثيراً. يؤمن بتعايش الحضارات والأديان رغم أن قادة الحروب يروجون لصراعها).*]

هناك من يفهمون العروبة بأنها انتماء عرقي، ويرون في الإسلام مجرد شعائر دينية وعبادات، فيما آخرون وأنا منهم يرونها انتماءً ثقافيا وحضاريا، وإنسانيا ويرى في الإسلام رسالة حضارية إنسانية قائمة على المحبة، والتآخي، والتسامح، لذلك ترى كثيرين يعيشون في أوروبا مثلا معتبرين أنفسهم عربا ينتمون إلى العالم العربي، ومسلمين يناضلون ضد الحروب، والعنصرية، فيما آخرون يعيشون في العواصم العربية وانتماؤهم لأمريكا والغرب بشكل عام، يروجون لعولمتها، ويتنافسون لشراء بضائعها.

 [*ما هي الدوافع التي كانت وراء تأسيس مجلة "ديوان العرب"؟*]

 انطلقت ديوان العرب في أواسط 1998 لتكون منبرا حرا للثقافة، والأدب، والفكر العربي بعيدا عن سلطة الحكومات التي كانت تهيمن على الجزء الأبرز من الحركة الثقافية في الدول العربية، وبعيدا عن الأحزاب التي كانت تهيمن على الشق الآخر من الحركة الثقافية، وتعيق حسب وجهة نظري الإبداع وتحد منه، وتمارس نفس الدور الذي تمارسه الحكومات العربية في تحويل كتابها لمطبلين لسياستها الفئوية الضيقة. كنا نرى في الشباب أمل هذه الأمة الذي لم يلق الرعاية التي يستحق، فأحببنا أن نكون عونا له في التعبير عن نفسه. لذلك كانت مسابقاتنا الأدبية كلها موجهة نحو الشباب العنصر الأكثر تهميشا في المجتمع.

تأسست ديوان العرب في شهر تموز (يوليو) عام ١٩٩٨، وأصدرت أول موقع ألكتروني لها في أيلول (سبتمبر) عام ١٩٩٨. ثم انضم إلى أسرة التحرير، والمجلس الاستشاري، والمراسلين، والمحررين، والمساهمين نخبة من الكتاب والمفكرين، والأدباء الذين أثروا موقع ديوان العرب بإبداعاتهم وساهموا في تصويب مسيرتها الفتية وتثبيت أهدافها في تجميع الجهود الثقافية والأدبية والفكرية العربية وتشجيع جيل الشباب لكي يأخذ دوره في المشاركة والإبداع. ولعل الكاتب والمؤرخ الفلسطيني عبد القادر ياسين المقيم في القاهرة أكثر من عبر بصدق عن ديوان العرب حين قال في كلمة له في احتفالنا عام 2005 :

[*(إذا كانت فرقتنا السياسة فقد وحدتنا الثقافة
وهو ما فعلته ديوان العرب)*]

ديوان العرب، أكبر من موقع ألكتروني وأبعد من مجرد مجلة ثقافية، أدبية، فكرية. إنها حلم المثقفين العرب في زمن نكون فيه في طليعة حاملي شعلة الفكر، والعلم، والأدب، والثقافة لننير لأجيالنا القادمة طريقها الممتد طويلاً في أفق الزمان.
ديوان العرب مؤسسة مستقلة، غير مرتبطة بأية حكومة أو حزب أو أي اتجاه سياسي أو ديني. حرية الرأي فيها مكفولة للجميع بما لا يتناقض مع حرية الآخرين

 [*هل يوجد لديك حنين للعودة إلى الخليل والقدس وأزقتها فأنت لا زلت تكتب واصفا الأحياء والشخصيات رغم بعدك الجغرافي عن أرض الوطن؟*]

 بداية أنا من عائلة أصلها من الخليل، لكنها توزعت في مطلع القرن الماضي (القرن العشرين) بين الخليل، والقدس، وعمان، وأنا من الجزء الذي ولد وعاش في القدس، وكذلك والدي لذلك فأنا ابن القدس أعرف كل أزقتها القديمة، ولي في كل منها ذكريات طويلة. حدود القدس عندي لا تمتد إلى العيزرية شرقا أو بيت لحم جنوبا فكل فلسطين عندي هي القدس، من رأس الناقورة حتى أم الرشراش. الحنين إلى القدس ليس حنينا إلى المكان فقط بل حنين إلى الانتماء، إلى الناس، إلى الوطن بكل تناقضاته، حنين إلى الماضي، بأبنائه الذين جعلتهم بنادق المحتلين شهداء يعيشون في جناتهم، وفي ذاكرتي التي قررت أن تمنحهم أماكن يطلون علي منها كل صباح، وإلى مستقبل لم ير النور بعد.

  [*كيف تصف وضع العرب الثقافي في أمريكا مقارنة مع الدول العربية الأخرى؟*]

 الكتاب العرب في الولايات المتحدة الذين يكتبون بالعربية يعيشون حالة تناقض كبير، وأزمة انتماء فكري ثقافي، لذلك فهم في أغلبهم عاجزون عن تقديم أي دعم للثقافة العربية.
يتوهمون أو يتوهم بعضهم أنهم أمريكيون من أصل عربي، لكن المجتمع الأمريكي لا يعتبرهم كتابه ولا مثقفيه، ولا يقرأ لهم أصلا، فكل إبداعاتهم موجهة إلى العالم العربي الذي يحملون في قلوبهم الحنين إليه، وفي عقولهم كل أزماته الفكرية، ومشاكله، وتناقضاته، وصراعاته الدينية، والسياسية، والإقليمية، والعشائرية. قراءهم من العرب، وكتبهم تطبع في بلاد العرب، ويسمون أنفسهم زهوا بكتاب أمريكيين من أصل عربي، مع أننا بكل أمانة كتاب عرب نقيم في الولايات المتحدة. تأثيرنا في الساحة الثقافية الأمريكية غير ملموس، وغير فاعل، لأننا حقيقة لا نتوجه فيما نكتبه للأمريكيين.

هذا النمط من الكتاب موجود في بلادنا أصلا، فهناك كتاب عرب في الدول العربية، يتوهم أنه عندما يترجم مقالا له أو كتابا إلى اللغة الانكليزية فإن المواطنين الأمريكيين سيقفون طوابير بحثا عن كتابه، أو لقراءة مقاله. بعضهم يضيع وقته بحثا عن شركة أمريكية لينضم إليها ليقول إنه أصبح كاتبا عالميا لأنه عضو في مؤسسة كذا وكذا، وكلما كتب مقالا كتب أسفله بقلم الكاتب العالمي فلان الفلاني ... واااااااااو .
علينا الخروج من هذا الوهم، وتوجيه إبداعاتنا إلى جماهيرنا وقرائنا رغم قلتهم، فنحن لا نبحث عن عدد قراء بل عن جمهور نعيش مشاكله، وأحلامه، نحن نكتب لأبنائنا أولا فإن عجزنا عن الوصول لأبنائنا وأحفادنا فكيف سنصل إلى أبناء الآخرين؟

على أنني أنوه هنا أنه لدينا في الولايات المتحدة قلة لا بأس بها من المثقفين، والأكاديميين العرب الذين نستحق أن نفخر بهم، ونقول إنهم يقدمون للأمة في أماكن اغترابهم الوجه المشرق للمثقف العربي، الطامح نحو التقدم، والتحرر، كما كان الراحلون إدوارد سعيد، هشام شرابي، وإبراهيم أبو لغد.

 [*بحكم اطلاعك المستمر على الوضع الثقافي وعلاقتك المتشعبة مع الأدباء أي من الدول العربية تتصدر لائحة الإبداع والإصدارات؟*]

 مصر بلا منازع، فهي الدولة الأكبر، والتي سبقتنا في الكثير من الأمور. لكن المشكلة ليس أي الدول تتصدر لائحة الإبداع والإصدارات، بل أيها تتصدر لائحة القراء وانتشار الكتاب، وهم كلهم في هذا المجال متشابهون، فلا زال المواطن العربي قليل القراءة، يصرف على متعه اليومية أكثر بعشرات المرات ما يصرفه على القراءة، والثقافة. أليس غريبا أن دولة مثل تركيا عدد سكانها تقريبا ربع الدول العربية وتطبع من الكتب سنويا أكثر من الدول العربية مجتمعة.

مليارات الدولارات تصرف على الفنادق في بعض الدول العربية، ولو صرفت هذه المليارات على برامج الأطفال، والثقافة، والأدب، وتحديث المدارس والجامعات لأنتجنا جيلا سنفخر به على مر التاريخ.

 [*نلمس في أشعارك أنك من مناصري قضايا المرأة وتتهم الرجال بالكذب والتلون ؟
*]

 المسألة حسب وجهة نظري ليست أن أكون مع المرأة أو ضدها، فهناك نساء أصلا ضد النساء، ولكن المسألة حسبما أراها مترابطة بين عضوي المجتمع، وأنا أرى أن الظلم الواقع على المرأة في مجتمعنا سببه الرجال، وأنا أتكلم هنا عن الوضع في الإطار العام، وليس عن امرأة هنا وأخرى هناك. فالرجل هو الذي يحكم عليها البقاء في البيت، وهو الذي يخرجها من المدرسة، وهو الذي يقرر إن أراد الزواج بها، وهو الذي يقرر الطلاق، وهو الذي يسافر من بلد إلى بلد بحثا عن الراقصات، وال ...وهو الذي يغريهن بالفلوس، وهو الذي يتحرش بهن في العمل، وفي الشارع، وفي المدارس. وهو الذي يقتل بعضهن دفاعا عن الشرف.

 [*هناك ألم داخلي يتحدث دائما عن الموت والغربة والرحيل في وجدان سالم ،هل هناك أسباب أخرى لذلك غير الغربة ؟*]

 الكاتب لا يعيش في فراغ، فهو جزء من وطن، ومن أمة، ومن حركة ثقافية، وفكرية، له أحلامه، وأمانيه، سواء على الصعيد الشخصي، أو المجتمعي، أو على صعيد الوطن كله، عندما يشعر الكاتب أن بعض أحلامه تتحق فهو سيسعد بالتأكيد لكن عندما يرى أن أحلامه الصغيرة أصبحت صعبة المنال فهو بالتأكيد سيتألم، ووضعنا العربي فيه الكثير من الإحباطات، وهل هناك أكبر من أن نرى أوطانا عربية تمزقها الجيوش الغازية، ونحن عاجزون عن القيام بشيء؟ هل هناك أسوأ من أن نرى طليعة مثقفينا تغادر أوطاننا بحثا عن لقمة العيش في بلاد الآخرين؟ هل هناك أسوأ من أن نرى أبناء فلسطين يتصارعون، وطائرات الاحتلال تقتل أبناءنا بدم بارد؟
هل هناك أسوأ من أن نرى جدار العنصرية في فلسطين يقطع تراب الوطن ويحيل حياة الملايين إلى جحيم؟

  [*أخيرا ما جديد عادل سالم؟*]

 صدر لي في تشرين ثاني الماضي مجموعة قصصية جديدة بعنوان (ليش ليش يا جارة؟) عن المؤسسة العربية للدراسات في بيروت، وسيصدر في العام القادم لي مجموعة قصصية مستوحاة من واقع الأسرى الفلسطينيين في سجون الاحتلال بعنوان (يحكون في بلادنا)، والعنوان مأخوذ عن قصيدة للشاعر محمود درويش يقول فيها:

يحكون في بلادنا
يحكون في شجن
عن صاحبي الذي مضى
وعاد في كفن

وهناك مشروع رواية سينتهي في نهاية العام الحالي، ستكون أول رواية أكتبها إن شاء الله.

[*ختاما شكرا للأخت لطيفة على هذا اللقاء الشيق.*]

ملاحظة :

نص الحوار كما جاء في المجلة في ملف بي دي إف أدناه

التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة