تعرض العمال العرب العاملون في المشاريع الإسرائيلية خلال السنوات الأخيرة بشكل خاص الى ظاهرتين أساسيتين تستحقان هنا وقفة جدية.
لا شك أن الإضطهادين القومي والطبقي اللذين تعاني منهما جماهير عمالنا العاملة في المشاريع الإسرائيلية ليسا جديدين، فالعاملون في المشاريع الإسرائيلية يعانون منها منذ بدء الاحتلال الإسرائيلي، إلا أن ما يميز السنوات الأخيرة هو اشتداد الاضطهاد الذي يتعرض له العاملون في المشاريع الإسرائيلية، فإضافة الى زيادة نسبة الاعتداءات العنصرية على العمال العرب سواء بشكل فردي أو جماعي فقد زادت أيضاً ظاهرة الفصل التعسفي الجماعي وانخفض الطلب الإسرائيلي على الأيدي العاملة العربية من الضفة والقطاع. فقد أشار وزير العمل الإسرائيلي موشيه كساب أمام الكنيست في حزيران الماضي الى أن الطلب الإسرائيلي على الأيدي العاملة العربية من الضفة والقطاع قد انخفض الى 27% خلال الثلاث سنوات الأخيرة. وقال أن ضغط البطالة للعمل اليدوي في قطاعات كان ينظر لها باحتقار فيما مضى ويقتصر العمل فيها على العرب، قد أصبح يعمل فيها اليهود أنفسهم، إلا أن الوزير الإسرائيلي كساب لم يشر الى كيفية انخفاض الطلب الإسرائيلي على الأيدي العاملة العربية والى ظاهرة الفصل التعسفي الجماعي الناتجة ليس فقط عن الأزمة الاقتصادية الإسرائيلية وإنما بسبب اشتداد الفاشية في إسرائيل، ونمو الاتجاهات العنصرية التحريضية في الوسط الإسرائيلي ليس من قبل أشخاص عاديين لكن من قبل أعضاء في المؤسسات الرسمية الإسرائيلية فقد أعلن (نسيم باروخ) مدير مؤسسة التأمين الإسرائيلي عن رأيه بصراحة عندما دعا الى طرد العمال العرب العاملين في الفنادق والمطاعم في طبريا وتشغيل اليهود بدلاً منهم.
هذا عدا عن التصريحات العديدة الأخرى التي تدعو الى طرد السكان العرب من البلاد وليس فقط العاملين في المشاريع الإسرائيلية والطرق التي يتعرض فيها العمال العرب في المشاريع الإسرائيلية للفصل الجماعي هي طرق ملتوية يقصد بها عدم دفع التعويضات المستحقة لهم. وهناك العشرات من القضايا العمالية لعاملين عرب فصلوا من العمل في المصانع الإسرائيلية ويرفض فيها أصحاب العمل دفع الأتعاب المستحقة لهم وتقوم النقابات العمالية بمتابعتها من خلال المحاكم.
ومن أبرز القضايا التي يستخدمها أصحاب العمل الإسرائيليون لطرد العمال العرب هي الاعتداءات القومية واستفزاز العامل العربي أو اتهامه بأنه شتم اليهود كمبرر لطرده. وكثيراً ما يتم استدعاء الشرطة للعمال العرب لتزيد من إهانتهم وضربهم بدلاً من العمل على تخليص حقوقهم من أصحاب العمل الإسرائيليين. وكثيراً ما خاض العمال العرب في المشاريع الإسرائيلية نضالات وإضرابات واسعة من أجل وقف الإهانات التي يتعرضون لها من قبل أصحاب العمل اليهود. فقد أضرب في أحد المصانع الإسرائيلية في (عتروت) عشرون عاملاً عربياً احتجاجاً على المعاملة اللاإنسانية ضدهم إلا أن إدارة المصنع قامت بفصلهم!! والعمال العرب الذين يفصلون من عملهم يواجهون ظروفاً صعبة في ظل البطالة المنتشرة تدفعهم الى الهجرة بحثاً عن لقمة العيش وهذا ما تهدف إليه السلطة الإسرائيلية فهي تدرك تماماً من خلال تجربة السنين الماضية أن بعض العمال خصوصاً المهاجرين الى أوروبا وأميركا يغيبون أكثر من سنة فتسحب منهم حق العودة للبلاد لأنهم يصبحون حسب قوانين مكتب الداخلية غير مواطنين!! في حين تكسب اليهودي حق المواطنة متى أراد!!
القضية الثانية التي يواجهها العمال العرب العاملون في المشاريع الإسرائيلية بشكل متزايد هي ظاهرة الاعتداءات العنصرية المتكررة والتي لم تقف عند قيام المتطرفين اليهود بممارستها، بل أصبحت تشارك فيها أجهزة رسمية مثل الشرطة الإسرائيلية المكلفة بحماية الأمن في البلاد من قبل الحكومة الإسرائيلية والاعتداءات على العمال العرب تهدف الى مسألتين هما:
الأولى: المساهمة في دفع العمال العرب لترك عملهم وبالتالي فقدان تعويضاتهم القانونية وغالباً ما يقوم بها أصحاب العمل أو أشخاص مدفوعون من قبلهم.
والثانية: يقوم بها إسرائيليون بهدف الاعتداء العنصري لكون العمال عرباً ليس إلا.
ولم تقف الاعتداءات على العمال العرب عند حد الضرب والشتم بل تجاوزته لتصل الى القتل، فقد وجد العديد من العمال العرب في العام الماضي مقتولين بطعنات سكين من قبل (مجهولين) في مناطق عملهم في وسط المدن اليهودية. فقد أشارت على سبيل المثال صحيفة القدس في 25/12/1985 أن إسرائيليين اعتديا على عامل من غزة يدعى رجب عبد الله خميس وأصابه بجراح. أما صحيفة الميثاق فقد أشارت في 12/9/85 بأن حرس الحدود اعتدوا على عامل عربي في مستشفى هداسا.
وذكرت أيضاً جريدة الشعب في 12/9/85 بأن اعتداءات واسعة تمت على عمال عرب في منطقة القدس. وقد أشارت نفس الصحيفة في 15/12 من العام الماضي أن عمالاً عرباً يعملون في بيارات ريشون لتسيون يرفضون الذهاب الى عملهم خوفاً من التعرض لهم من قبل مجهولين يهود!! ولا يقف الأمر عن هذا الحد فقد شاركت الشرطة أيضاً في الاعتداء على العمال العرب في حوادث كثيرة كان أبرزها ما ذكرته صحيفتا القدس والاتحاد.
كما أشارت صحيفة القدس الصادرة في 9/4/1986 الى تعرض عمال عرب في إيلات الى اعتداء بوليسي عنصري (شتائم، ضرب) وهم نيام حيث أيقظتهم الشرطة بالضرب والركل واعتقلت ثلاثة عمال منهم هم إبراهيم حجيرات، محمود حجيرات و خضر حجاج وقد أفرجت عنهم الشرطة دون أي اتهام. أما صحيفة الاتحاد الصادرة في 8/10/1985 فقد تطرقت الى ما هو أبشع من ذلك حينما أشارت بأن ممارسات مهينة تمارس ضد العمال من الضفة والقطاع العاملين في إسرائيل أثناء توجههم صباحاً للعمل حيث تقوم الشرطة الإسرائيلية بإيقافهم وإهانتهم والطلب منهم القيام بممارسات بهلوانية مهينة مثل الرقص، أو شتم كل منهم زميله الآخر..الخ كما تساهم في تأخيرهم عن العمل مما يدفع صاحب العمل الإسرائيلي بخصم ساعات التأخير. وربما يكون ذلك مبرراً لفصل العامل عن العمل والتخلص من أتعابه.
العمال العرب طبعاً لا يتقاضون مخصصات بطالة، كما يتقاضى العامل اليهودي، وهي أي مخصصات البطالة رغم ضآلتها أفضل من لا شيء، ورغم أنه يجوز للعامل العربي الذي يحمل هوية إسرائيلية أن يتقاضى مخصصاً للبطالة إذا كان عاطلاً عن العمل، إلا أن المكاتب الإسرائيلية المخصصة لذلك في الوسط العربي تماطل في دفع المخصصات وتمارس سياسة ملتوية (اللف والدوران) كي تدفع بأعداد كبيرة من العمال العرب مغادرة المكتب وعدم المطالبة بحقوقهم، هذه الحقوق التي هي أصلاً من الأموال الهائلة التي تأخذها الدولة من الحسومات العالية التي تفرض على العمال في الوقت الذي لا يستفيد منها العمال العرب كما يستفيد اليهود. ولهذا تطالب النقابات العربية أصلاً أن يتم تحويل هذه الحسومات التي تستقطع من أجر العامل العربي الى صناديقها لكي تستطيع توفير الضمانات الاجتماعية والصحية للعمل.
في السطور السابقة أشرنا الى تزايد ظاهرة الاعتداءات على العمال العرب التي وصلت حد القتل وقد استطعنا من خلال الصحف المحلية منذ حزيران الماضي حتى اليوم رصد أبرز حالات الاعتداء التي أدت الى وفاة العامل العربي والحالات التي استطعت رصدها هي:
1) خليل عليان عبد المجيد من غزة وجد ميتاً في مدينة باتيام وكان يعمل حارساً وطبعاً أسباب الوفاة مجهولة (جريدة القدس 4/9/1985).
2) حسن الحطاب من الشجاعية وجد ميتاً في غرفة نومه في تل أبيب والأسباب مجهولة (الاتحاد 8/9/85)
3) توفي العامل الحارس جمال محمود خير الدين من جباليا في إحدى ورش البناء في حولون وقد عثر عليه ميتاً وآثار الدماء عليه !! (القدس 14/9/85)
4) عثر على عامل بناء في غزة مقتولاً في باتيام (القدس 18/9/85) ويدعى خليل رجب مطاوع.
5) وفاة عامل عربي في ظروف غامضة وهو من غزة وقد توفي في مدينة حولون (القدس 4/6/1985)
6) وفاة عامل البناء رسمي بشير من غزة أثناء العمل في تل أبيب حيث سقط من الطابق السابع ولم يعرف سبب سقوطه (الشعب 8/6/85)
7) الاعتداء على العامل العربي محمد يونس أبو لافي 43 عاماً من سكان مخيم الشاطئ حيث نقل الى مستشفى تل هشومير بعد إصابته بطعنة في الكتف وكسر في الجمجمة أثر اعتداء عليه أثناء عمله في باتيام من قبل يهود (القدس آذار 86)
[*المطلوب وحدة صلبة لمواجهة الموقف*]
إن الظروف الصعبة التي سبق الإشارة اليها والتي يتعرض لها العمال العرب العاملون في المشاريع الإسرائيلية، تتطلب جهوداً أكبر من الحركة النقابية من أجل مواجهة الهجمة المتزايدة على عمالنا، إن هذا يتطلب أن ترتقي الحركة النقابية بنضالاتها وتتوجه لهؤلاء العمال بغية تأطيرهم وتنظيمهم وقيادة نضالاتهم بشكل عملي. وليس فقط من خلال وسائل الإعلام كما أن المرحلة تتطلب من النقابات العمالية في غزة وهي تلمس ما يتعرض له عمالنا من اعتداءات وإهانات واضطهاد أن تتخلى عن مظاهر الانعزالية في صفوفها وتفتح الباب واسعاً أمام آلاف العمال لتناضل وإياهم من أجل مجابهة كافة الإجراءات العنصرية التي تمارس ضدهم.
التاريخ | الاسم | مواقع النسيج | مشاركة |