أبو أنور قتلته الغربة
الاثنين ١٩ حزيران (يونيو) ٢٠٠٦
بقلم عادل سالم

كان الوقت مساء في مطلع العام 1990 ، جلس الأولاد أنور وعمر وسامية يشاهدون مسلسلا سوريا في التلفزيون ببيتهم في عمان، فجأة قرع الباب ، نادت الأم أحد الأولاد.
 عمر ، افتح الباب يما، شوف مين بيدق .
 مش قايم ، خلي أنور يقوم.
قرع الباب مرة أخرى ، فنادت الأم مرة أخرى.
 قوم يا حمار شوف مين ع الباب.
نهض عمر وهو يلعن الباب ومن على الباب، صرخ قائلا:
 كل مرة لازم عمر يفتح الباب ، يعني علشان أنا صغير لازم دايما أنا اللي أفتح الباب ؟ روح يا عمر، تعال يا عمر، .. طز فى عمر.
وصل عمر إلى الباب ، فتحه فإذا بالباب رجل لم يتعرف عليه عمر بعد..
 مين حضرتك؟ ابتسم الرجل وقال:
 شو مش عارفني يا عمر؟
لا مش عارف ، وكيف عرفت أسمي؟
 معقول الواحد يغلط بابنه؟ إوعى يا ولد خليني أدخل.
 يعني أنت أبوي، صاح عمر وهم عليه يقبل يديه.
وقال له:
 تفضل يابا تفضل ،نورت الدار، ثم صاح بأعلى صوته.
 يما ، أنور، سامية، أبي رجع من أمريكا.
ضحك الأولاد ولم يتحركوا فهذا آخر ما يتوقعونه أصلاً، أما أم أنور فقد ردت عليه قائلة:
 بس يا ولد بلاش مسخرة، مين ع الباب؟
 أبوي يما تعالي شوفي.
خرجت أم أنور لترى من الطارق ، فهي لم تتوقع أن يكون عمر صادقاً ، فأبو أنور غادر البلد منذ 16 سنة، لم يرسل فيها سوى رسالتين وألف دولار ثم انقطعت أخباره وبالعربي الفصيح لم يعد يتصل. كانت أم أنور تسمع من أهل البلد المغتربين أنه حي يرزق لكنه لم يكن يتصل أو يسأل عن الأولاد ولا الزوجة.
فجأة رأته أمامها، أبو أنور بشحمه ولحمه.
 أبو أنور ؟ معقول ؟ لا حس ولا خبر؟
معقول راجع بعد غياب 16 سنة ما كلفت حالك تسأل كيف البسس (القطط) اللي خلفتهم وراك؟
 شو ها الاستقبال يا أم أنور؟ هلأ وقت معاتبات؟.
والله كنت أبعث لك سلامات مع أولاد البلد.
 سلام الاصبع ، لا بيضر ولا بينفع.

خرج أنور وسامية على صوت الأم ليفاجأا بأبيهما، عرفاه من صورته، رغم أن ملامحه تغيرت. سلمت سامية بفتور وسلم أنور من دون أن ينبس ببنت شفه . وقال أبو أنور:
 ول ول شو ها الاستقبال؟ أنا أبوكم.
 شو جاي تزورنا ولا تودعنا ؟. سألته سامية
 له يا أولاد، طبعا أنا كلي شوق ليكم، اشتقت لكم ولأم أنور، والله الحياة بدونكم ما تسوى سنت واحد.
حمل عمر حقيبة أبيه الصغيرة ، وسأله عن بقية الحقائب. فقال له هذا كل ما أحضره معه.
 شنطة صغيرة بس؟.
 بس يا عمر ، ليش أجيب شنط كبيرة وكثيرة؟
هيك أسهل يا ابني.
لم يكن أبو عمر ،يحمل لأولاده أية هدايا ، قال لهم ولأمهم، لا تقلقوا سأشتري لكم هدايا من البلد دعما للصناعة الوطنية!

بدأ أبو أنور يتفحص البيت، والصور المعلقة على كل جدار دخل غرفة النوم، نفس السرير القديم الذى اشتراه منذ 25 سنة ، نفس الصور على الحيطان ، ها هي صورته يوم زفافه كما هى كأنه تركها قبل قليل ،علاقة الملابس لم تتغير. كل شيء على حاله إلا أم أنور فقد ازدادت جمالاً.

أخت الشلن حلوت رغم انها كبرت، وصدرها صار كبير ، شو القصة ، معقول بتلف من ورا ظهرى ؟ الأولاد كبروا صاروا شباب، بس مش عاجبني غير عمر، كلهم مبوزين علشان كنت مشغول وما اتصلت فيهم.

16 سنة ياه، معقول هذي السنين ، راحت زي شربة (مي) ماء؟.
جلس مع الأولاد ،يستعيد معهم سنوات طفولتهم ، وحبه الكبير لهم.
بعد ساعات ذهب الأولاد كلهم للنوم بينما انتقل أبو أنور وزوجته لغرفة النوم

 اشتقنالك يا أم أنور.
 اشتقت لي ؟ غايب 16 سنة ما بتسأل وبتقول اشتقت لي، كيف هذا الحكي بدو يركب الدماغ فهمني؟.
ولا الشقرا التي تزوجتها خلتك تنسانا؟
 له يا أم أنور العين ما بتعلى على الحاجب.
الأمريكية التى تجوزتها كان علشان الإقامة بس.
 يا سلام إقامة؟ ليش كانت حارس عليك مابتبعث ولا مليم؟ من 15 سنة ما بتسأل على أولادك.
 خلينا يا أم أنور من المعاتبات .بكره بشرح لك كل شيء.
 وفيها شرح كمان ؟ وإلك عين تقول بدك تشرح ولا بدك تدور على قصة تضحك فيها علينا؟ أكيد جاي وحابك القصة حبك.
 هلا تعالي قربي عندي، ترى مشتاق لك كثير.
ثم بدأ يلامس جسدها وهى تحاول الابتعاد عنه. قال لها
  شو يا حبيبتي ، كل ها المدة وما اشتقت لشيء.
  شو قصدك يعني؟.
  أنت فاهمة قصدي، ضمها لصدره من الخلف وأحاطها بذراعيه وبدأ يهمس في أذنها، مش قادر أصبر.
كانت همساته ودغدغاته قديما تثير فيها رغبة لا تقاوم، لكنها اليوم كالبليدة ، رؤيته وهمساته ودغدغاته لا تثير فيها أى شيء . ربما تثير فيها القرف من هذا الرجل الذي لم يسأل عنها منذ 15 عاما وجاء الآن يريد تفريغ هيجانه الجنسي. كأنني ملك له يستخدمني متى أراد. قالت له:
 عندي العادة الشهرية.
 بسيطة في طرق ثانية كثيرة، وبدأ يسحب فيها للسرير تعالي بس خلي الباقي علي.
بدأ يفرك بجسمها ، يقبلها ... حتى استسلمت على مضض .

استيقظ أبو أنور صبيحة اليوم التالى مبكراً ، شرب القهوة مع أم أنور بعد أن استحم ولبس ثيابه ثم خرج من البيت لتفقد مدينته التى غاب عنها منذ 16 عاما.
فجأة التقى بأحد الأصدقاء القدامى.
  أهلا أبو أنور .
وهات يا بوس
 يا زلمة (رجل) طولت الغيبة ، شو القصة
 هلا بأبو زيد هلا، صدق طول الوقت سيرتك على بالي .
يا أبو زيد ، انت اللي بيعرفك عمره ما ينساك!
 طمني شو جاي تعمل؟ راجع على طول ولا زي أهل البلد بيرجعوا يشتروا قطعة أرض ويبنوا عليها عمارة كبيرة أو فيلا وبعدين يرجعوا ؟ ترى الأولاد عندك وأمهم بستحقوا دار كبيرة يا أخي زي أبو حسن قبل سنة بنى عمارة ،القعدة فيها أحسن من ألف أمريكا ، أقول لك ، فى قطعة أرض مناسبة فى الطريق للمطار وسعرها مناسب، إذا بدك قبل ما حدا يشتريها ، ترى إنت أنسب واحد للأرض.
 والله ما تقصر يا أبوزيد .امهلني كم يوم وأنا برد عليك إن شاء الله.

تجول أبو أنور فى البلد ، فانبهر ،بحركة العمران الكبيرة فى البلد ، هذه عمارة أبو فلاح وهذه عمارة أبو السعيد وتلك فيلا لابن الصويص... بدأ يفكر وهو ينتقل بسيارة الأجرة.
لكن هؤلاء كلهم أغنياء فى أمريكا، أنا فين وهم فين؟.
قال ابني عمارة قال ! طيب أنا راجع تذكرتي اشتريتها دين حتى هدايا الأولاد لم أشتريها . الناس بتفكر أنه كل واحد فى أمريكا مليونير، بس يا أبو أنور إنت في أمريكا من 16 سنة ولم توفر دولارا واحدا.
آخ لو لم يبلوني الله بالقمار لكنت أنا فوق الريح، ملعون أبو الكاسينو واليوم اللي بديت فيه أروح عليه. كله من صحبة الناس الغلط، لعنة الله عليك يا حسام إنت اللي شجعتني وعلمتني القمار! .
برضه يا أبو أنور أنت السبب ، كان بإمكانك ترفض ، كيف أبو فلاح، بشتغل ليل نهار ولا بروح على كاسينو ولا غيره.

لم يتوقع أبو أنور ما طرأ على البلد من تغيير وما طرأ على الناس يبدو أن العالم يتغير أسرع مما توقع، بعض الناس تغيرت ملامح وجوههم . بعض الأصدقاء ابيضت شعورهم بعدما كانت سوداء، بعضهم انتقل للعالم الآخر منذ سنين، أطفال الأمس أصبحوا شبابا ، يسرحون ويمرحون حاملين على عاتقهم هموم الوطن والشعب والمستقبل الغامض.

عاد أبو أنور للبيت ليتناول مع زوجته والأولاد طعام العشاء ويقضي معهم عدة ساعات . قال لهم قبل النوم أنه سيأخذهم بعد غد ليشتري لهم بعض الهدايا ، ثم ذهب لينام فقد شعر بالارهاق من كثرة اللف فى البلد.

استيقظ مبكراً صبيحة اليوم الثالث، شرب فنجان القهوة ثم قال لأم أنور:
 سأذهب اليوم لشراء بعض الحاجيات، ذهب لشنطته حمل منها بعض الأوراق وغادر البيت.

تأخر أبو أنور مساء ذلك اليوم ولم يعد حتى منتصف الليل قلق عليه الأولاد ، واقترحوا تبليغ الشرطة التي بدأت بالبحث عنه. ذهبت أم أنور لتنام فلم يعد يقلقها غيابه قالت في سرها:
 بقص شعري إذا ما عملها مرة ثانية؟.

اتصلت الشرطة بهم صباحا وقالت لأنور :

  احنا آسفين بس معلوماتنا بتقول إنه خرج من المطار قبل ساعات متوجها للولايات المتحدة .
  شو أبوي سافر؟
لم يعرف ماذا يقول شكرهم وأغلق الخط .
سألته أمه ما الخبر؟ قال لها:
  عملها يما
بدأت الأم تتمتم : " يا رب ما أكون حامل من الليلة المشئومة" .
سألها أنور ماذا تقول، قالت له :
  لا شيء ، لاشيء.

التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة