الصفحة الرئيسيةقصص وسرد
الأرض وما عليها
الأحد ١٧ تموز (يوليو) ٢٠١١
بقلم عادل سالم

بعد غياب طويل عدت إلى أرض الوطن لزيارة الأهل والأقارب. عشرون سنة مرت منذ زيارتي الأخيرة لرام الله، كنت كلما عزمت على الزيارة تراجعت بسبب الأحداث التي تمر بها بلادنا. بعد وصولي بأيام حيث استقبلني الأقارب بحفاوة بالغة ركبت سيارة الأجرة التي استأجرتها خلال إقامتي القصيرة وخرجت أتابع التغييرات التي حصلت في شوارع الوطن.

تغير كل شيء فيها، عشرون سنة قلبت كل شيء رأسا على عقب. ارتفعت البنايات الضخمة، وازدادت الشوارع ازدحاما ولأول مرة صرت أشاهد رجال أمن فلسطينيين يجولون الشوارع. شعرت بالسعادة رغم معرفتي أنهم لا يستطيعون منع دورية إسرائيلية من دخول المدينة بسبب الاتفاقيات السياسية التي وقعها قادتهم.

بعد تجوالي الطويل في كل شوارع رام الله ومناطقها، قررت زيارة منطقة تل الهوى لأتفقد أرضي هناك، تلك الأرض التي ورثتها عن والدي رحمه الله الذي توفي منذ خمسينات القرن العشرين دون أن يخلف أحدا سواي.

عندما وصلت تل الهوى فوجئت بالتغييرات التي حصلت هناك، فبعدما كانت تضم عددا متناثرا من الدور، أصبحت تشكل مدينة صغيرة، بشوارع تصل إلى كل بقعة في المنطقة. لم أميز أين قطعة الأرض التي أملكها فالبنايات الكثيرة غيرت معالم المنطقة.

سرت بسيارتي من شارع إلى شارع وسألت بعض المارة حتى اهتديت إلى مكانها. وقفت أمامها مبهوتا، هل هذه أرضي؟ أم أني أخطأت العنوان؟ ما الذي حصل؟ ما هذه البناية التي ترتفع عليها؟

قلت لنفسي لعل أحد أقاربي استغل غيابي وبنى عليها بناية يسكن فيها، لكنها بناية كبيرة، أربعة طوابق لم يكتمل بناؤها بعد. اقتربت من أحد العمال هناك وسألته، لمن هذه العمارة لو سمحت؟
فقال لي:
  هذه ملك سمير ....
 سمير …؟ من يكون؟
فقال لي أنه أحد التجار.

تركت العامل وركبت السيارة وعدت إلى البيت لأجمع بعض أقاربي وأخبرهم بما رأيت.
سألني أحدهم مستغربا:
 هل أنت متأكد؟ مستحيل؟ كيف يمكن لأحد أن يبني عمارة على أرضك؟
قال آخر:
 لا بد أنك لم تتعرف على الأرض بعد التغييرات التي طرأت على رام الله.
سألتهم:
 منذ متى زرتم الأرض آخر مرة؟
سكتوا جميعا. قال أحدهم:
 في الحقيقة نحن لا نزورها بشكل متواصل لأنها قطعة أرض لا تنقل ولا تسرق.
 هل تذكر آخر مرة زرتها؟
 منذ سنة تقريبا. كنت أمر من المنطقة.
 حسنا ما رأيكم أن تأتوا معي الآن؟

ذهبنا جميعا، وعندما وصلنا إلى المكان، بهتوا جميعا وتساءلوا:
 ما الذي يحدث هنا؟
قال أحدهم:
 سنجمع الشباب ونهاجم الذي يدعى ملكيتها، سنكسر رأسه.
قال آخر:
 سنقتله.
 سنشرب من دمه.
كثر الحديث دون فائدة. قلت لهم بهدوء:
 حسنا كل هذا ممكن ومشكورون عليه، لكن نريد ضمان ملكية الأرض بشكل قانوني حتى لا تضيع حقوقنا.

هذه الأرض من رحمة والدي لن أبيعها بكل فلوس الدنيا. وكنت أفكر بالعودة إلى أرض الوطن لأبني عليها بيتا حديثا أعيش فيه مع أولادي.

قال أحد أقاربي:
 لدي صديق مسؤول في السلطة، دعنا نزوره ونعرض عليه الأمر.
لم أتردد في الموافقة، وبالفعل حددنا موعدا مع المسؤول، وشرحنا له القصة، فاستغرب ما سمع لكنه أكد أن لا حق يضيع. وطالبنا بتحضير كل أوراق ملكية الأرض لكنه ذكرنا في نهاية اللقاء معه أن علينا إكرامه ودفع أتعابه.

توجهت في اليوم التالي وجمعت كل الأوراق والمستندات والشهود التي تثبت ملكيتي لقطعة الأرض فيما استدعى مسؤول الأمن السيد سمير الذي قدم له كل الأوراق الرسمية والقانونية التي تثبت أنه اشترى قطعة الأرض من رجل يدعى سميح من القدس بمبلغ مئتي ألف دولار.
فحول المسؤول القضية إلى المحكمة لتبت في الموضوع واستدعى السيد سميح الذي ادعى أنه اشتراها مني مع أنني لم أعرف ذلك الرجل ولم ألتق به في حياتي، كما أنني لم أزر فلسطين منذ اندلاع الانتفاضة الأولى عام 1987.

قدمت كل أوراقي صحيحة لا يشوبها أي غبار فحكم القاضي بعودة الأرض إلى مالكها الأصلي أي لي ولم يعترف بادعاءات الخصوم، وأجبر سميح على إعادة المبلغ إلى السيد سمير، وحكم عليه القاضي بالسجن سته أشهر، لكنه هرب من رام الله ولم يعد إليها واستغل سيطرة إسرائيل على القدس وعدم قدرة السلطة على الوصول إليها حسب اتفاقيات أوسلو.

ثارت ثائرة سمير، فمبلغ ٢٠٠ ألف دولار يعرف كيف يستردها من سميح بالقوة، لكن ماذا عن عمارته التي بناها؟

بدأ سمير يطالبني أن أعوضه عن البناية التي بناها على أرضي، لكنني رفضت ذلك لأنني لم أطلب من أحد البناء على أرضي. فقررنا الاحتكام إلى القاضي من جديد الذي قال قولته المشهورة لهم:
 الأرض وما عليها وما تحتها ملك صاحبها.


تعقيبك على الموضوع
في هذا القسم أيضاً