/B_rub>
شاعر عربي حمل لواء المقاومة فوق حروفه منذ أن ذاق طعم التشرد والحرمان، فأصبح الشعر رايته التي يرفعها في المقدمة موجها أبناء الأمة نحو طريقها المنشود. ولد في فلسطين قبل النكبة، وشرد مع عائلته منها عام ١٩٤٨ من قبل الكيان الصهيوني الغاصب، أصدر أكثر من عشر دواوين شعرية تفوح منها رائحة برتقال الجليل، وعنب الخليل، وزيتون جنين، قال يوما لابنته بيسان «للقصيدة مخاض طويل فلا تتعجلي ميلاد خيل بدون صهيل».
وإذا كان شعراء آخرون قد حلموا في فلسطين، والعودة لها فالشاعر خالد أبو خالد ناضل مع أبناء شعبه لتجسيد ذلك الحلم على أرض الواقع ولا يزال. استمد تعابيره الشعرية من المشردين والمنتفضين ضد الاحتلال عن أرض الوطن وهو القائل:
[*أنا حجر ومن لغتي الجميلة يبدع الشعراء زلزالا*]
شاعر هادئ الطباع، ثائر في وجه الظلم والقهر، لا يساوم حول قضية يؤمن بها.
قلمه غير قابل للكسر، ولا للإغراء، وحروفه لها لون واحد هو لون الوطن المغتصب.
شاعر حينما تنظر إليه تقرأ عبر تقاطيع وجهه نكبة شعب، وجرح أمة، وحين تقرأ كلماته تجد نفسك منحازا دون تردد لشعب منكوب يناضل من أجل استرداد حقوقه المغتصبة.
قالت عنه ابنته بيسان:
[(لوالدي الشاعر الكبير خالد أبو خالد بصمته الشعرية في وجودي التي بدأت بتسميتي باسم مدينة
طالما حلم بزيارتها ثم لم يشأ التاريخ أن يطأها .
حملها حلما منقوشا على خشب بندقيته ونجمة أضاءت أيلولنا الأسود، عاد من جبال فلسطين يوم ولدت حملني اسما وحزنا وحبرا ينز دمي في الكثير من الشعر.
أورثني منذ بدء الكتابة جرأة البوح ، وجرأة الصمت حين تخذلنا معظم المفردات )]
ديوان العرب استطاعت أن تجري هذا الحوار الفريد مع الشاعر خالد أبو خالد، فأهلا وسهلا
- [** أستاذ خالد، بعد هذا العمر الطويل والعيش في المنفى بعيدا عن فلسطين، ألا تزال تحلم بالعودة؟*]
– بالتأكيد أنا لا أحلم بالعودة فقط، ولكنني أعمل مع شعبنا لتحقيقها فالعودة هي الحالة الطبيعية لمن شرد من أرضه بفعل الغزو كما حدث معنا في فلسطين ولكنني عندما أتحدث عن هذا كعمل لا أتحدث عنه كعمل فردي ولكن في سياق النضال الذي يخوضه شعبنا منذ مايزيد على ستين عاما هي عمر النكبة ، إن عودة الفلسطيني غلى وطنه فلسطين هي وضع للأمور في نصابها الصحيح وتصويب لحدث استثنائي وشاذ إن وجود العربي الفلسطيني على كامل أرضه هو وضع المسألة على قاعدتها الصحيحة إنني هنا لا أتحدث بالطبع عن القرار 194 ولكنني أتحدث عن قرار شعبي بالعودة إلى وطنه.
- [** عاصر الشاعر خالد أبو خالد شعراء كثيرين منذ طفولته حتى اليوم، من تراه أو تراهم رسموا خارطة الشعر الفلسطيني بأشعارهم؟*]
– ثلاثة من شعراء فلسطين كانوا روادا في هذا الإطار [**إبراهيم طوقان*] و[*عبد الرحيم محمود*] و[**أبو سلمى*] أضيف إليهم الشاعر الرومانسي [*مطلق عبد الخالق*] ففيما يتعلق بطوقان مثلا هذا الشاعر كونه حارسا للارض أما عبد الرحيم محمود فكان شهيدها وفاديها يظل أبو سلمى الذي رحل وغبار الطريق على قدميه مغني فلسطين الذي واكب جيله والأجيال التي أعقبته ولعلي أتذكر أن مطلق عبد الخالق كان هو على محمود طه فلسطين . تلا ذلك شعراء الأرض المحتلة من حنا أبو حنا وصولا إلى توفيق زياد ورفاقه درويش والقاسم واحمد حسين وراشد حسين وآخرين كلهم رسموا خريطة فلسطين في وجه من وجوهها أما في الوجه الآخر فكان يوسف الخطيب وعدد آخر من الشعراء الذين جايلوه وجاؤوا من بعده ومازال الشعر الفلسطيني يرفد من قبل أجيال جديدة تدعوا إلى الاعتقاد بأنه في حالة عافية واضحة .
– [**كيف ترى مستقبل الشعر العربي بعد انتشار ثورة المعلومات على الشبكة؟ أما زالت مقولة «الشعر ديوان العرب صحيحة» *]
– بالتأكيد أن شبكة الحاسوب ومتعلقاتها ومنتجاتها قد خدمت الشعر بأن جعلته أكثر تعميما مما هو عليه في المجلات والدواوين صحيح أن سنوات الستينات قد شهدت انتقال القصيدة من شاعرها إلى قارئها على امتداد الوطن العربي خلال أيام لكنها تشهد الآن انتقال القصيدة خلال برهة إلى الوطن العربي وإلى العالم ومن هنا أميل أن الحاسوب قد اثر إيجابا على القصيدة ومن هنا فقد ظل الشعر هو ديوان العرب بامتياز دون أن نسقط في القول بأن الشعر انتهى وأن الرواية هي ديوان العرب فالرواية شكل آخر من الإبداع وليست بديلا للشعر لكنها الإبداع الذي يستوعب في إطاره الشعرية والأخبار والقصص وما إلى ذلك من حالات إبداعية كالمسرح والتقرير الصحفي والسرد عموما
– [** الشعراء الفلسطينيون منقسمون سياسيا، وحزبيا وكل فئة تهاجم الأخرى، هل أثر ذلك على إبداعهم الفني؟ *]
– الشعراء الفلسطينيون لاينقسمون شعريا حول قضيتهم قضية فلسطين فلم نقرا لشاعر قصيدة حول نصف فلسطين أو ربع فلسطين أو قصيدة خارجة على ثوابت النضال العربي الفلسطيني لكن الشعراء سياسيون أيضا ولكل انتماؤه إلى فصيل أو حزب وبالتالي فهو يصدر نثريا عن هذا الحزب أو ذاك الفصيل وإذا كان أحدهم يهاجم آخر فهذه حالة عابرة وليست أصيلة فالهجوم هو ضمن الجيل الواحد والهجوم من جيل على جيل هو سلوك طفيلي وقصير النظر ولا يستقيم مع القصيدة ولأن الأمر كذلك وقد كان كذلك عبر تاريخ الشعر العربي كله فهو وكما نرى لا يؤثر سلبا على بنية القصيدة وتطورها فكل هذا سجال يقع غالبا خارج الشعر .
– [**بعض الشعراء الشباب يتهمون رواد جيل الشيوخ بأنه يضع العراقيل أمامهم. هل أنت مع هذا الاتهام؟ (إن كان الجواب نعم) هل يمكن أن توضح لنا بعض تلك العراقيل.*]
– بداية ارغب في التاكيد على أنني مع تواصل الأجيال وليس مع صراع الأجيال وإذا اردت أن أكون واقعيا فإنني أقول إن الشعراء الشيوخ ليسوا ولم يكونوا ناشرين لكي يضعوا العراقيل في وجه الأجيال الجديدة من الشعراء لكن مساحة الشعر شاسعة وواسعة وتحتمل الاختلافات في وجهات النظر الشعرية والأدبية دون أن أنفي أن ثمة من استلم المنابر الشعرية والأدبية من الشيوخ والشباب وبعضهم قد اساء توظيف هذه المنابر لكن هذه الحالة ليست عامة بالتاكيد وقابلة للتغير مشروطة بمتغيرات وتطورات الوقائع والواقع في حياتنا الثقافية
– [**في الساحة الفلسطينية أكثر من اتحاد أدبي للكتاب، وكل طرف يتهم الآخر بإعاقة الوحدة والهيمنة، ألا يؤكد ذلك أن السياسة تهيمن على الثقافة؟ *]
– لقد حاولت السياسة دائما لا أن تهيمن على الثقافة فحسب ولكنها حاولت أن تهمش المثقفين وقد نجحت في ذلك إلى حد بعيد باستثناءات قليلة حاول أصحابها أن لايكونوا تابعين للسياسي وقد نجحوا في ذلك لكن المسألة هي في المثقف الرديء والسياسي الرديء تلك هي الحالة المرضية المواكبة دائما للعمل السياسي وهي حالة ممتدة وموجودة في تاريخنا الثقافي كله علينا إذن أن نصعد من استقلال السياسي كما من استقلال الثقافي بحيث يصبحان جسما واحدا يواجه انحطاط التهميش والهيمنة.
– [** يقال إن السياسة تفرق والثقافة توحد، لكن ما نراه على الساحة الأدبية الفلسطينية أن الثقافة يهيمن عليها السياسيون، فلماذا لا يتحرر المثقفون والكتاب من الساسة والأحزاب ويوحدون صفوفهم؟*]
– لقد أجبت على هذه الأسئلة ضمن إجابتي على السؤال السابق وارجوا أن نتمكن جميعا من تجاوز كل ذلك غلى بناء جبهة ثقافية سياسية تكون قادرة على مواجهة تحديات السياسة والثقافة فيما يتعلق بنضالنا لتحرير كامل وطننا فلسطين فإما فلسطين في الواقع والثقافة والسياسة وإما فلسطين في الواقع والثقافة والسياسة .ولاحل وسط لهذه القضية فإما أن نكون وإما أن نكون .
– [**في الماضي لعب الشعر الفلسطيني دوره في المقاومة، فأنتج لنا شعراء المقاومة، اليوم تغير الواقع ولم يعد للشعراء ذلك البريق الذي كان، هل ولى زمن المقاومة بالشعر؟ أم فقد الشعر بريقه؟ أم أصبح شعراء الحاضر بلا تأثير؟*]
– يجب أن نقرأ جيدا حركة الواقع بموازاة قرائتنا لحركة الشعر ذلك لأن الشعر ليس بديلا للواقع وبالتالي فإن الشعر في دوره لايكون أكثر من رافع من روافع الواقع ولأن الأمر كذلك ندرك أن الشعر يتجاوز حالته لكي يكون بريقا في أزمنة المد الثوري وفاعلا فيها ولكن عندما يكون الحال زمنا للجزر الثوري يبقى الشاعر في إطار دوره فاعلا كرافعة تراكم من أجل استنهاض الواقع والذي دفعك إلى السؤال هو هذا الذي نرى من حالة الجزر فللشعر تأثير تراكمي وليس تأثيرا آنيا فإذا فهمنا الأمر على هذا النحو لن نتوهم بأن الشعر قد انتهى .
– [**معظم الكتاب الشبان لغتهم العربية ركيكة. هل يتحملون مسؤولية ذلك؟ أم أن أساليب التدريس المدرسية هي السبب؟ *]
– إنهم يتحملون المسؤولية كاملة ذلك لأن الكتابة مسؤولولية ومن أراد أن كون كاتبا عليه أن يعمل على لغته لكي يكون ذلك بالفعل وليس ثمة مشاجب نعلق عليها تقصيرنا .
– [** شعر النثر يملأ الصحف هذه الأيام، من الكبار والشباب، حتى يمكن القول أن عدد الشعراء أصبح أكثر من عدد القراء، ماذا تفسر هذه الظاهرة؟*]
– لا يمكن القول بأن عدد شعراء قصيدة النثر هم أكبر من عدد القراء ذلك لأن هؤلاء الشعراء حقيقة إذا استثنيناهم من المستسهلين والواقعين تحت تأثير المترجم فهم قلة وهذه القلة تتابع ماقدمته نصوص النثرية الفنية منذ أحمد حسن الزيات وجبران وأمين الريحاني وهم يجتهدون في أن تكون قصيدتهم متميزة إنما الناجحون منهم ايضا قلة بما يعني أن مانصطلح عليه بأنه قصيدة نثر هو في الحقيقة إبداع مواز لقصيدة التفعلية وليس تطورا لها وهؤلاء الشعراء أعني الأقلية غير مسؤولين عن اختلاط الحابل بالنابل فيما نصطلح عليه بأنه قصيدة نثر .
– [**هل وصلت المرأة لمستوى الرجل في مجالات الشعر؟ وهل يمكن أن تشير لنا لشاعرة في مستوى محمود درويش مثلا أو أحمد شوقي؟*]
– حقيقة يجب القول بأن الرجل بما أتيح له من آفاق واسعة كونه يعيش في مجتمع ذكوري قد جعل منه حالة متقدمة اجتماعيا وثقافيا على المرأة وهذا بالتأكيد ليس ذنبها فهذه مسالة موضوعية وماينطبق على الرجل والمرأة بالمطلق ينسحب على الشاعر والشاعرة أيضا وبالتالي يمكن القول بأن فدوى طوقان على سبيل المثال لا الحصر متفوقة في إطار المرأة الشاعرة وأن درويش متفوق في إطار الرجل الشاعر والمقارنة تعسفية بين الشاعر والشاعرة وغير مفيدة .
- [** الشعراء يحبون إطلاق العنان لأحلامهم وخيالهم، في حين للسياسة قوانين، وقرارات مركزية وأغلبية وأقلية، كيف يمكن لشاعر أن يكون عضوا في حزب؟ *]
– لقد تعلمنا عبر تاريخنا المعاصر ان الشعراء يحملون ولاء لقضيتهم أكثر مما يحملون ولاء لأحزابهم ومن هنا نجدهم لايرتقون داخل هذه الأحزاب يغادرونها أو يبعدون عنها أو يهمشون فيها الشعرية هي نتاج إبداع خيالي بالتاكيد ولكن مؤسسة على رؤية الواقع كما هو الحال بالنسبة للعلماء المخترعين لقد كانوا دائما خياليين ولكنمهم كانوا دائما يرون الواقع واحتياجاته ومتطلباته فيصلون إلى ما وصلوا إلى إليه دون أن يضعوا في اعتبارهم أن القوانين الوضعية قادرة على تعويقهم والحد من نتاجاتهم التي توصلوا إليها هنا يغدوا الشاعر والعالم أولاد مخيلة وممارساتن للتخييل وصولا إلى تحقيق الانجاز .
– [**مشروعك الأدبي القادم؟*]
– أن أواصل الكتابة في ثلاثة حقول الشعر والرواية والسيرة الذاتية وأن أحقق على الأقل معرضا خاصا في الفن التشكيل بعد أن شاركت في العدد من المعارض عبر مايزيد على أربعين عاما مذكرا أنني أقمت معرضا سنة 1957 حول القضية الفلسطينية في الكويت .
– [**المرأة في حياتك؟ هل تركت المرأة تأثيرها على مسيرتك الأدبية؟ *]
– بالتأكيد كان للمراة تاثير بالغ وعميق في مسيرتي الشعرية عبر كل أدوارها من الأم إلى الحبيبة والزوجة والأخت والزميلة .
– [**حدث بارز في حياتك يعد نقلة في نشاطك الثقافي؟*]
– أعد وضعي الثقافي الحالي من حيث هو محصلة لأداء طويل هو الحدث البارز في حياتي
– [**نصيحتك للشعراء الناشئين؟*]
– لا أنصحهم بشيء ولكنني اقدم لهم مشورة من موقع يقاربهم بالقول إن الشاعر يرتكز على قائمتين: الحياة بغناها والثقافة بأفاقها وجوهرها . فإذا استطاع الشاعر الناشء أو غير الناشئ أن يقف على هذين المرتكزين فقد نجح .
– [**أحب بيت شعر قرأته وتأثرت به؟*]
– هو للشاعر عبد الرحيم محمود
يقول فيه :
سأحمل روحي على راحتيوالقي بها في مهاوي الرديفإما حياة تسر الصديقوإما ممات يغيظ العدى
– [**هل تؤيد ترجمة الأدب العبري إلى العربية وبالعكس؟ أم تعد ذلك نوعا من التطبيع مع العدو؟*]
– أنا أؤيد دراسة الأدب العبري لاترجمته، أما بعد تحرير فلسطين فلابأس من الترجمة
– [**لو عينوك محكما لاختيار أفضل شاعر لهذا العام فمن تختار دون تحيز؟*]
– لكي أختار شاعرا محددا لا بد من أن يضع المتسابقون على هذه الأفضلية أسماؤهم ونتاجاتهم على الطاولة لكي يتسنى لي الاختيار
– [**عندما يتقدم إليك كاتب ناشئ ويطلب نصيحتك فماذا تقول له؟ هل تقدم له رأيك بصدق، أم تجامله خشية أن يحمل عليك؟*]
– بعد أن أطلع على نتاجه أقد له مشورة صادقة وليس نصيحة
– [**متى تفكر بالتقاعد عن الكتابة؟*]
– الكاتب لا يتقاعد
– [**كلمة أخيرة لمحبيك وقرائك؟*]
– أحبكم واكتب لكم شهداء ومحاصرين وثوار الغد الآتي
السيرة الشخصية للشاعر خالد أبو خالد