عاد شوقي من «شيكاغو» إلى «سنسناتي» في ولاية «أوهايو» الأمريكية حيث يقيم بعد أن أمضى فيها عدة أيام لحضور مؤتمر خاص بالشركة التي يعمل بها، وكان متعبا جدا، تواقا للوصول إلى البيت لرؤية زوجته التي اشتاق إليها كثيرا هذه المرة حتى أنه تمنى لو أنه أخذها معه.
كان طوال الطريق أثناء عودته مشغولا بسؤالها المتكرر له على الهاتف:
– أين كنت ليلة أول أمس؟
رغم تأكيده لها أنه كان في الفندق نائما بعد أن تعب من كثرة الاجتماعات وتحضير الأوراق إلا أنها يبدو لم تصدقه، خصوصا أنها أعادت عليه السؤال بطرق ملتوية:
– كيف كانت سهرتك ليلة أمس الأول؟
– ألم أقل لك أنني لم أسهر ونمت مبكرا؟
– آسف حبيبي، نعم قلت لي لكنني نسيت، فقد قلقت عليك كثيرا لأنني كنت متشوقة لسماع صوتك.
دخل شوقي البيت فاستقبلته زوجته بفتور باد على وجهها رغم محاولتها الظهور بمظهر المشتاق إليه. كيف يجهل ذلك وهو الذي تعود على ردات فعلها، وعرف معنى كل حركة من حركات وجهها، كيف يجهل ذلك وقد أصبح خبيرا بمشاعر زوجته، يعرف متى تكون باردة، ومتى تكون في قمة تأججها.
ضمها إلى صدره، قبلها بحرارة، نظر في عينيها طويلا مرسلا لها رسالة صامتة لعلها تفهمها دون الحاجة للكلام.
لم يفتح الموضوع معها لعلها تعود لفتحه مرة أخرى عندما تهدأ أعصابها.
كانت هيام تغلي في داخلها، حاولت أن تكتم مشاعرها ولا تفصح عنها، تظاهرت بالسعادة، فهي لا تريده أن يعرف ما عرفته عنه، لا تريد أن تكشف سره إليه حتى لا يأخذ حذره في المرة القادمة، من يعرف لعلها تضبطه متلبسا!!
كانت تسأل نفسها طوال الوقت:
– هل حقا يفعلها؟ ألا يمكن أن يكون بريئا؟ لكن لماذا لا يريد الاعتراف بما فعله تلك الليلة؟ لو كان بريئا لاعترف أين كان.
ما زال يعتقد أنه ذكي وباستطاعته خداعي كما كان يفعل من قبل لكن هيهات فأنا اليوم امرأة تجيد ربط الخيوط ببعضها.
توقفت عن التفكير للحظات، سألته إن كان يريد أن تحضر له العشاء الآن، فقال لها:
– شكرا حبيبتي لقد تعشيت قبل عودتي، أنا الآن متعب أريد أن أستريح قليلا ما رأيك بكوب من الشاي؟
هزت رأسها وقالت:
– تكرم عينك يا أحلى شوقي.
بعد دقائق أحضرت كوبين من الشاي وجلست مقابله، دققت في عينيه، وابتسمت، فسألها:
– ما الذي زرع البسمة على شفتيك؟
– وهل هذا يحتاج لسؤال؟
– أهو أنا؟
– طبعا حبيبي.
– لكنني ألمح بعض الغضب في عينيك!
– وكيف عرفت؟
– هيام لا أحتاج لتفسير فأنا أعرفك جيدا وأعرف كل حركاتك، قولي ما الذي يزعجك؟
أرادت الهروب من الجواب لكن شيئا بداخلها دفعها لتخرج ما في جعبتها:
– ألا تريد أن تقول لي أين سهرت ليلة أول أمس؟
– ألا تزالين غير مصدقة؟
– أريد أن أصدقك لكن معلومات وصلتني غير ذلك.
– وماذا وصلك؟ هل تتجسسين علي؟
– كلا ولكن حصلت صدفة.
– وما الذي حصل؟
– في تلك الليلة اتصلت بك على هاتفك فلم ترد بل كان الهاتف مغلقا للأسف فثارت مخاوفي واعتقدت أن مكروها أصابك.
– شكرا لمشاعرك تجاهي وماذا بعد؟
– اتصلت بالفندق حيث تقيم فقالوا لي أنك غير موجود بالغرفة.
– نسيت أن أقول لك لقد كنت نائما في غرفة زميلي في الشركة.
ضحكت بخبث:
– زميلك بالشركة؟ ولكني اتصلت بعد منتصف الليل فسمعت نفس الجواب.
– قلت لك لقد نمت في غرفة زميلي، كنا مجموعة من الزملاء في غرفة سامي فاستلقيت على السرير للاستراحة وعلى ما يبدو أنني ذهبت في نوم عميق وقرر زميلي عدم إيقاظي وتركني نائما في غرفته.
– وأين نام هو؟
– بقي ساهرا مع الأصدقاء حتى الصباح.
– وأنت نائم؟ وهاتفك مقفل؟
– نعم نائم، وما الغرابة في ذلك، لكن لا أعرف لم كان الهاتف مغلقا.
– هل كانت بطاريته منتهية الشحن؟
– لا أعتقد لكن هلا تأكدت أنك اتصلت على الرقم الصحيح؟
- هل تستغبيني؟ أنسيت أنني أنا التي اشترت لك الهاتف كهدية في عيد ميلادك؟ وعلمتك كيفية استخدامه؟
– يا إلهي، وهل هذا كله مدعاة للغضب؟ لقد اتصلت بك في الصباح وانتهى الأمر.
ضحكت بصوت عال ثم قالت:
– لا طبعا هنا بدأت المشكلة.
– كيف؟ وماذا بعد؟
– ذهبت للشبكة وتابعت موقع هاتفك فأنا التي اشترته ومسجل باسمي فعرفت حسب المعلومات من الشركة أن هاتفك كان في ولاية إنديانا.
– إنديانا؟ ما هذا الهذيان يا زوجتي؟ حتى لو كنت أريد الذهاب لإنديانا فهل كنت ستمانعين؟
– لا.
– إذن ما مبرر أن أخفي عنك الخبر؟
– لا أعرف لكن إنكارك هو الذي أقلقني.
– لكني فعلا لم أكن إلا نائما في الفندق.
– وكيف أصدق كلامك وأكذب الشركة؟ أنت تعلم أن هناك خدمة للآيفون تستطيع أن تعرف في أي مكان هاتفك إن ضاع منك؟؟
– حتى لو كان ذلك صحيحا فهذا لا يغير من كوني كنت في الفندق.
– ربما، لكني لست متأكدة.
– ألا تصدقيني؟ كفي عن وساوسك، وحدثيني كيف أنت الآن؟
– بخير ما دمت أنت بخير.
بعد أيام شابت علاقته مع زوجته الفتور قرر أن يزور صديقه سامي مع زوجته، حيث كان في استقبالهما هو وزوجته وأولاده، كانت سهرة شيقة عرج فيها الصديقان للحديث عن مؤتمر الشركة الذي عقد في شيكاغو والسهرات الحلوة التي قضوها معا مع بقية الأصدقاء. قال سامي لصديقه شوقي:
– لكنك خسرت سهرة واحدة عندما نمت في غرفتي.
هزت هيام رأسها، وهي تستمع لسامي وقالت في سرها:
– يبدو أنه اتفق مع صديقه للحديث أمامي عن هذا الموضوع.
فرد شوقي على سامي قائلا:
– هل تقصد أنكم ذهبتم للسهر وتركتموني نائما؟
– بالتأكيد.
– ولماذا لم توقظوني لأذهب معكم؟
– كان شخيرك يملأ الغرفة، فتركناك في غرفتي وخرجنا.
– وإلى أين ذهبتم؟
– إلى مطعم في إنديانا على الحدود مع ولاية «إلينويس».
– ولكنه بعيد من هناك.
– ساعة بالسيارة، كنا مسرورين بذلك.
تذكر شوقي اتهام زوجته له بأنه كان في إنديانا. فسأله:
– لكنك لم تخبرني في اليوم التالي.
– هل تذكر عندما استيقظنا متأخرين وذهبنا فورا للمؤتمر، لم يكن لدينا وقت للحديث عن ذلك.
فقالت هيام مازحة:
– لا أصدق أن شوقي لم يذهب معكم. فقد كانت الشركة تشير أن هاتفه كان في حدود إنديانا.
ضحك سامي، وقال:
– يبدو أنني نسيت أن أقول لكم، قبل ذهابنا للسهرة، كان هاتفي الآيفون قد فرغ من الشحن، ولم يكن لدي وقت لشحنه، ولأنني لم أحمل _ معي شاحنا للسيارة فقد أخذت هاتفك معي.
– لكني اتصلت بشوقي وكان الهاتف مغلقا.
– هذا لأنني استبدلت الشريحة في الهاتف، فقد وضعت شريحتي في هاتفه وشريحته في هاتفي غير المشحون فكان مغلقا لا يستقبل أية مكالمات.
فعلق شوقي لتسمع زوجته مع أنه كان يتحدث لسامي:
– لقد أقلقت هيام يا سامي، فقد اتصلت بي أكثر من مرة فلم أرد.
– آسف جدا أعترف بذنبي لكن لم يكن لدى طريقة أخرى، وكان نائما. لكن لماذا لم تتصلي بي يا هيام وتسأليني لماذا زوجك لا يرد على الهاتف، فأنت تعرفين أننا معا، وسبق لك واتصلت تسألينني عنه في مناسبات كثيرة؟
– لم يخطر ببالي أن يكون نائما في غرفتك وهاتفه مغلق.
في الطريق إلى البيت قالت هيام لزوجها:
– آسفة جدا، لكن ما حصل كان يثير الشك في قلبي، لو كنت مكاني ماذا ستفعل؟
قال لها بعد أن شعر بنشوة الانتصار:
– لن أنام الليل حتى أسمع صوتك.
– إذن هل تلومني عما فعلت؟
– أكنت تخشين أن أكون مع إحداهن؟
ابتسمت وقالت:
– الشيطان لعب برأسي.
– أتغارين علي يا هيام؟
ابتسمت وقالت:
– بلى ولم لا أغار عليك؟
ضحك ثم قال:
– أرجو أن يستمر الشيطان باللعب برأسك.
قرصته في جنبه الأيمن، وقالت له:
– لماذا تحب ذلك؟
– لأنني أحيانا أحب غيرتك علي حتى لو كانت بدون سبب.
التاريخ | الاسم | مواقع النسيج | مشاركة |