صديقي الذي اختفى
الثلاثاء ٣ أيار (مايو) ٢٠١١
بقلم عادل سالم

لم تسعفني تطورات التكنولوجيا الحديثة، ولا ثورة المعلومات، وسرعة الشبكة العنكبوتية في معرفة مصير صديقي العزيز الذي يسكن في الدنمارك، واختفى فجأة دون سابق إنذار.

كتبت له أكثر من رسالة إلكترونية أستفسر فيها عن أخباره كعادتي، وأطمئن عليه خصوصا وأنني أعيش بعيدا عنه في الولايات المتحدة، ولا التقي به إلا في المناسبات ربما مرة كل سنوات طويلة، لكنه لم يرد على رسائلي، هل بدأ يهمل رسائلي؟ أم أنه مشغول في أمر ما؟ أتراه يعد لرواية أم جاءه الإلهام الشعري لإبداع ملحمة تشبه ملحمة (هوميروس)؟

لم أصل إلى جواب لكل تساؤلاتي، فحاولت مراقبة دخوله إلى الشبكة العنكبوتية من خلال الماسنجر وبرنامج سكايبي الذي يجمعني به لكنه لم يظهر بتاتا.

قلت لنفسي لعل رسائلي لا تظهر أمامه وترسل إلى (المهملات) لخلل في بريده، فقمت بانشاء بريد إلكتروني جديد وراسلته من خلاله، لكن النتيجة واحدة، ولم أستلم أي رد على رسائلي.

لالا، لن أصبر أكثر من ذلك، لماذا كل هذه الحيرة أصلا؟ أخيرا قررت الاتصال به هاتفيا، هيأت نفسي لمكالمة طويلة، مليئة بالعتاب، بل بالتوبيخ، توبيخ؟! ربما لديه أسبابه التي لم أسمعها بعد، لا أعرف ماذا سأقول له، لكني على الأقل سأفش خلقي به وكفى.

اتصلت على هاتف بيته فلم يرد، ظل جرس الهاتف يرن عدة مرات ثم فوجئت برسالة آلية بالدنماركية لم أفهم محتوياتها اعتقدت أنها تطلب مني أن أترك رسالة صوتية، لكن الصوت انقطع فور انتهاء التسجيل.

كررت المحاولة والنتيجة نفسها، بحثت في دفاتري القديمة عن رقم آخر له فوجدت رقم هاتفه الخلوي الذي كنت من النادر ما أتصل به عليه، فقد منحتنا الشبكة العنكبوتية وبرامج الهاتف الشبكية مثل سكايبي فرصة الاتصال المجاني عبر الهاتف الأرضي. اتصلت على هاتفه الخلوي فردت علي على الفور آلة التسجيل يبدو أنها إشارة بأن الخط مقطوع، إذن الخط مقطوع، صديقي لا يرد على رسائله الإلكترونية ما الحل؟
هل أصابه مكروه؟ أين اختفى؟!

لم يبق أمامي سوى السفر إلى الدنمارك، لكن إلى أين؟

لا أعرف له عنوانا، فثورة المعلومات عبر الشبكة أضاعت العناوين البريدية لأنها أحلت العناوين الإلكترونية محلها والتي ما أسرع أن تتغير. بحثت في كل عناويني عن أحد المعارف في الدنمارك يعرف صديقي المذكور فلم أوفق. ترى أين ذهبت زوجته وأولاده؟ ما حالهم؟

لا بد أنه أصيب بمكروه، نعم ربما... لا أريد أن أقولها... لا لا يمكن فهو لا يزال في متوسط عمر الإنسان.
آه لو أعرف السبب الذي انقطع عن مراسلتي بسببه.

عجزت عن الوصول إلى حل، فاستسلمت ولو مؤقتا إلى قدري وقلت لا بد أن يفتقدني كعادته ويتصل بي.
شهور مرت، لم أسمع عنه شيئا، هل أسأت له بشيء فقرر مقاطعتي؟! أخيرا خطرت على بالي فكرة أن أبحث خلال الشبكة عن مقالاته لعل عنوانا جديدا له منشورا مع إحدى تلك المقالات.

استعنت بآلات بحث كثيرة من جوجل إلى الياهو، إلى مايكروسوفت إلى .... وحصلت على روابط لمنشوراته في مواقع كثيرة على الشبكة، راجعت كل هذه المقالات فلم أجد نصا جديدا، كلها مقالات قديمة تحمل نفس عنوانه المسجل لدي. إذن ما الذي حصل؟!

جلست وحيدا في أحد الأيام أستعرض صوره أمامي، كانت بسمته لا تفارقه إحدى الصور جمعتني به ومع الصديقين جورج، وأشرف في القاهرة.

آخ لو كنا في بلد واحد لكنت أستطيع البحث عنه، لكنها الغربة، إنه المنفى، بل المنافي التي تشتتنا بها وأصبحنا فيها غرباء، نستعين بأجهزة إرسال تكنولوجية لتبحث عنا، ما أصعب أن تعيش في المنفى، كل صديق لك أو قريب في بلد بعيد عنك، وربما في قارة أخرى، كل أصدقائي الذين يعرفونه أكدوا لي أنهم لم يستلموا منه أية رسالة خلال شهور طويلة.

هل فقدت الأمل؟! الآن فقط أشعر بأبناء شعبنا الذين فقدوا أولادهم خلال نكبة ١٩٤٨، او حرب حزيران عام ١٩٦٧ وما زالوا يبحثون عنهم لأنهم لم يعثروا على أي أثر لهم. كأن القدر قد كتب لي أن أخسر صديقا أحببته كما خسرت أصدقاء الدراسة حيث فرقتنا الأيام، ولم أعد أعرف عنوانا لأي منهم.

بعد أكثر من عام كامل اتصلت بي مديرة تحرير ديوان العرب تخبرني أن صديقي الذي أبحث عنه أرسل قصيدة شعر للنشر في موقع ديوان العرب.
 معقول؟
 نعم معقول.

وحولت لي رسالته، فأرسلت له رسالة سريعا مستفسرا عن أحواله وسبب انقطاعه الطويل...
فرد علي معتذرا بأنه عاد إلى لبنان وانقطع عن الشبكة العنكبوتية لفترة طويلة لأنه كان مريضا.
  سلامتك يا صديقي ألف سلامة. ألم تجد ولو فرصة واحدة تطمئننا عن أخبارك؟ ألم تفتقدنا؟!

اعتذر صديقي عن تقصيره، لكن هل يكفي اعتذاره بعد كل ما سببه لي من قلق؟
اتصلت بصديقي جورج وأخبرته أن صديقنا المفقود عاد من جديد.
 الحمد لله على السلامة، أين كان؟
فأخبرته بما علمت.
فرح جورج للخبر، لكنه قال لي مازحا:
 كيف يجد وقتا لكتابة قصيدة وإرسالها للنشر قبل أن يفكر بالاتصال بنا بعد هذا الانقطاع الطويل؟ أتمنى أن أراه ولو مرة واحدة.
 وماذا ستفعل؟ (قلت له ضاحكا)
 سـأهجم عليه وأضربه عدة لكمات.
 ولماذا؟
 حتى يعلم أن لأصدقائه عليه حقا، وأن قلقنا عليه كان أكبر من المرض الذي ألم به.

التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة