في بيته الجميل الكائن في منطقة أوكديل الجميلة القريبة من مدينة سانت بول عاصمة ولاية منسوتا، كان كريم يغط في نوم عميق في الخامس من أيلول عام 2005، وبجانبه زوجته التي أرهقها التعب بعد يوم حافل بالطبخ والتنظيف حيث كانت قد أعدت عشاء فاخرا لضيوفها احتفالا بعيد ميلاد زوجها الأربعين.
في الرابع من أيلول دخل كريم عامه الأربعين، وصار يردد أمام ضيوفه العرب مثله القديم الذي حفظه عن جده: (بعد الأربعين الله يعين)، لكن زوجته سهام كانت تصر أنه لا يزال شابا وترفض تلك المقولة. وكانت تكرر على مسامع الجميع أن الأربعين سن الرجولة، والنضج العقلي، وعندما اختلت به بعد مغادرة الضيوف، همست في أذنه قائلة: (والفحولة، والنضوج ال....). فهم قصدها وضحك طويلا وقرر ترجمة ذلك إلى واقع ملموس، فكان احتفالا خاصا ناما بعده – كما يقول المثل – بدون هز.
الساعة الثانية صباحا بعد منتصف الليل، الخامس من أيلول الجميع يغطون في نوم عميق. أحس كريم بشيء يداعب صدره، قال لزوجته النائمة بجانبه دون أن يفتح عينيه:
– ابعدي يدك عني أريد أن أنام.
لم تسمعه زوجته، فلم ترد عليه، ما زال الشيء يتحرك على صدره، لكنه مسطول ولا يريد أن يحرك يديه، وعندما كرر دعوته لها بأن ترفع يدها عنه ولم تستجب مد يده، على صدره ليبعد يدها عنه. أحس بشيء غريب أطار النوم من رأسه، فتح عينيه ليرى ماذا بيده فإذا بها أفعى طولها حوالي 30سم، غامقة اللون، اقشعر بدنه وتوقف شعر جسمه كله، وانتفض من الخوف وبحركة لا إرادية ألقى بالأفعى بعيدا وصرخ بصوت عال، أفعى، أفعى، ثم قفز فورا عن السرير ليضيء الأنوار ويبحث عن شيء يطارد به الأفعى اللعينة، استيقظت زوجته مرعوبة لا تدري ماذا يدور، سألته ماذا هناك.
فقال لها:
– أفعى، أفعى، انتبهي أن تلدغك.
خافت سهام وصارت تصرخ قبل أن يعود من المطبخ حاملا المكنسة الكبيرة، وبعد ثوان هب الأولاد من نومهم في الغرفة الأخرى مرعوبين، كانوا ثلاثة،8، 10، 12، سنة. ذهب ابنه الأكبر إلى الكراج وأحضر عصا (البيسبول) ووقف مع والده يبحث عن الأفعى ليقتلها فيما هربت الأم إلى المطبخ لتغسل وجهها وتهدأ من روع الأولاد الآخرين.
قال كريم لابنه:
– اذهب والبس حذاء الرياضة (البوت) كي لا تلذغك.
ذهب ابنه جمال وفعل ما أمره أبوه، بعد ذلك ذهب الأب ولبس حذاءه، وبدأت مطاردة الأفعى تحت الأسرة وخلف الخزانة، لم يعثروا على شيء.
فجأة رن جرس الباب، ذهبت سهام لترى من القادم في هذا الوقت المتأخر من الليل. وقبل أن تفتح سألت من خلف الباب باللغة الإنجليزية:
– هو إز إت (من أنت)؟
فرد عليها صوت:
– شرطة افتحوا الباب.
نظرت من الشباك فرأت ثلاث سيارات شرطة أمام البيت، شعرت بالراحة لقدومهم، فتحت الباب، وعلى الفور قالت لهم قبل أن يسألوها أي سؤال:
- لدينا أفعى، أرجوكم ساعدونا، كلنا مرعوبين.
سمع كريم حديث زوجته عن الأفعى فخرج من غرفة النوم مع ابنه ليحدث الشرطة بما حصل.
سألهم أحد أفراد الشرطة:
– ولماذا هذه العصا؟
– لقتلها؟
– لكن الذي اتصل بنا أخبرنا أنه سمع صراخا في البيت عندكم.
– هذه زوجتي خافت من الأفعى.
فقال لها الشرطي:
– هل لدغتك؟
– لا لكني خفت أن تفعل ذلك،... أنا أخاف من الأفعى.
– هل هذا كل ما هناك؟
فقال كريم غاضبا:
– وماذا أخطر من أفعى؟ لن نستطيع النوم في البيت قبل قتلها. ألا تساعدونا؟
د ضحك الشرطي وقال له:
– بالتأكيد.
دخل اثنان من الشرطة غرفة النوم فيما غادر البقية بسياراتهم عائدين.
نظر كريم إلى الشرطة وسألهم:
– هل تريدون عصا؟
– لا.
– وكيف ستقتلونها؟
– لا تقلق، لن نقتلها.
– ماذا تقولون. هل ستتركونها في البيت؟
– لا، انتظر قليلا، ها هي هناك في الزاوية.
رفع كريم المكنسة واستعد ابنه بالعصا.
فقال لهما أحد الشرطيين:
– لا تنفعلا هذه أفعى حديقة.
اقترب الشرطي الأول منها وحملها بيده، وخرج بها إلى بهو البيت الواسع، وما أن رأت سهام والأولاد الأفعى بيد الشرطي حتى هربت مع الطفلين إلى البيت الآخر. تمالك كريم نفسه، وأراد أن يظهر رباطة جأشه أمام ابنه والشرطة لكنه ظل بعيدا عنهما، قال للشرطي:
– يبدو أنك متدرب على التقاط الأفعى؟
فقال له الشرطي:
– هذه أفعى حديقة، لا تلدغ وغير سامة، الأفاعي في منسوتا والمناطق الباردة التي يكثر فيها الثلوج غير سامة إلا المتواجدة حول الأنهار، وأنتم بعيدون عن النهر.
– هل أنت متأكد مما تقول؟
– طبعا. انظر إلى رأسها الصغير، إنها تتغذى على الورود والمزروعات بشكل خاص، حتى أن الأطفال الأمريكيين هنا يلعبون بها في غرف نومهم.
– ماذا تقول؟ والآن ماذا ستفعل بها؟
– سـأرميها خارج البيت.
– ترميها، لكنها ستعود. دعني أقتلها؟
– تقتلها؟! قلت لك غير سامة، اقترب والمسها؟
- أنا المسها؟ لا يمكن!
فجأة أحس بضعف أمام ابنه والشرطة، وأراد أن يظهر بمظهر الشجاع، فاقترب من الشرطي الذي كانت الأفعى تلف حول يده، وحمل الأفعى وهو يتمتم في سره:
– (اللهم ارحمني من هذه الأفعى، بسم الله الرحمن الرحيم.......)
وبدأ يتلو آية الكرسي. تحركت الأفعى على يد كريم لثوان ثم طلب كريم من الشرطي نقلها عن يده. فحملها الشرطي وخرج مع زميله من البيت.
هدأ الجميع وعاد الأولاد إلى غرفة نومهم، فيما جلس كريم مقابل التلفزيون. قالت له سهام:
– ألا تريد أن تنام؟
– أنام؟ بعد ما حصل؟
– لم أسمع بحياتي بأفعى غير سامة.
– ولا أنا، ما زلت اذكر وأنا صغير كيف لدغت أفعى في قريتنا في فلسطين ابن الجيران فمات قبل أن يصل المستشفى. منذ ذلك اليوم وأنا مرعوب من الأفاعي. بصراحة لم أشف غليلي، كان بودي أن أقتلها.
– ما دامت غير سامة فلا خوف منها على الأولاد.
– اذهبي نامي، وسألحق بك فيما بعد.
– لن أتركك وحدك، أتشرب الشاي؟
– لا مانع، قبل أن تحضري الشاي تأكدي أن الأولاد ناموا بسلام.
التاريخ | الاسم | مواقع النسيج | مشاركة |