رسالتي إلى ولدي عمر ليقرأها بعد أن يبلغ سن الرشد
ولدي الحبيب عمر
الاثنين ١٩ أيار (مايو) ٢٠٠٣
بقلم عادل سالم

بعد انتظار دام 23 عاماً رزقني الله بك ليبدأ بك عهد جديد ومشوار طال انتظاره، ولن أخفيك سراً لو قلتُ لك إن قدومك كان مبعث فرح لم أعهده من قبل.

في اليوم الرابع

لقد عرفت تماماً مذ وعيت هذه الدنيا حنان الآباء تجاه أبنائهم ولكني أعترف لك كتابة وأنت في الأيام الأولى من عمرك أنني لم أعرف المشاعر الحقيقية للوالدين تجاه أبنائهم إلا مذ رأيتكَ تخرج من رحم أمك وأنت تبكي إيذاناً ببدء حياة جديدة وهبها الله لنا في تمام الساعة الثانية ودقيقة واحدة بتوقيت منيسوتا (العاشرة ودقيقة مساء بتوقيت فلسطين والقاهرة ولبنان وعمان )، يوم الخميس 15 أيار 2003 .

بقدومك عرفت معنى حنان الآباء تجاه أبنائهم، صحيح أنني كنت أتألم لمناظر الآباء الذين يفقدون أبناءهم في فلسطين والعراق بسبب قصف قوات الاحتلال أو بسبب الجوع وقلة الأدوية، إلا أنني الآن أموت ألماً وحسرة كل يوم لأنني عرفت كم هو غالٍ الضنى.

بوجودك زرعت بي إحساساً لم أعهده من قبل، أنت أيها الصغير الذي يملأ البيت صراخاً كل يوم لا تهدأ إلا عندما يحملك أحدنا وكأنك تكره أن تكون وحيداً، لأنك تخاف الوحدة.

عمر في اليوم الثالث

ولدي الحبيب عمر، أكتب لك هذه الرسالة الأولى بعد ولادتك بأقل من أسبوع لا أعلم إن كنت ستقرأها أمامي وأنا حيٌّ أم أنك ستقرأها وأنا في دار أخرى، آمل من الله أن أكون معك صغيراً وكبيراً كما كنت معك وأنت ترى النور لأول مرة، وتستنشق هواء هذه الدنيا المليئة بالآلام والحروب والدمار لكنها مليئة أيضاً بالمشاعر الطيبة والأطفال الحلوين مثلك أنت.

أكتب لك هذه الرسالة لا لأوصيك فأنت بعدُ صغيراً على الوصايا ولا أريد أن أحمّلكَ ما لا طاقة لك به، ولا أريدكَ أن تكون كما أريد أنا، بل كما تختار أنت بمحض إرادتك. . وإذا كان الآباء يحبون دائماً أن يكون أبناؤهم صورة عنهم شكلاً وعملاً، إلا أنني أدعو الله لك أن يوفقك لتكون على خطى جديك القدامى عمر بن عبد العزيز وعمر بن الخطاب (رضي الله عنهما)، اللذين سميتك باسمهم ليس حباً بإسمهم الثلاثي الخفيف على السمع ولكن عشقاً لسيرتهم وعدلهم وصدقهم وأمانتهم وحرصهم على مصالح الأمة، ومحاربتهم الفقر وإغاثتهم للملهوف وعدلهم الذي أصبح مثالاً في التاريخ كله. نعم أدعو الله أن تكون على خطى العمرين لا على خطى أبيك الذي تمنى هو نفسه أن يكون كذلك. حتى أباهي بك الشهداء والصدّيقين والأنبياء والصالحين يوم الحساب.

ولدي الحبيب: بعد قدومك لهذه الدنيا تغيرت حياتي كلها وأصبح لا بد من تخطيط جديد ونظرة جديدة. تغير كل شيء حتى أصبح صعبا علي النوم قبل أن أراك كل يوم، وأصبحت كلمة أحبكَ لا تكفي للتعبير عن مشاعري تجاهك، فقد أصبحت بلا جدال رئتي التي أتنفس بها وغذائي اليومي الروحي الأبدي الذي يشحنني بالطاقة الضرورية لكي أستمر بهذه الدنيا.

وإذا كان معظم الناس يريدون أبناءهم أن يكونوا أطباء أو محامين أو تجاراً كباراً أو مسؤولين سياسيين، فأنا أكثر ما يهمني أن تكون صاحب قلم صادق لا يعرف الكذب، لأن الكذب كما قال الإمام علي بن أبي طالب (رضي الله عنه) "يُشين صاحبه"، أريدك أن تكون صاحب قلم لا يستكين ولا يمدح سلطاناً ولا مسؤولاً، ويكشف الحقيقة للناس البسطاء. أريدك أن تدافع عن المظلومين بإخلاص لا لشهرة ما، ولا لكي تكون زعيماً عليهم، ولا لكي ترضي حزبا أو اتجاه سياسيا .

اعلم أنني أتمنى لك الشقاء وأتمنى لك خشونة العيش، وكان بإمكاني أن أتمنى لك العيش الرغيد في المنفى الأمريكي، لكن من قال لك أنك إن ولدتَ بعيدا عن وطنك ستظل فيه مدة طويلة؟ فأنت قريبا ستبدأ عهدا جديدا لتعيش في القدس بجوار أولى القبلتين، وقريباً من مسجد عمر بن الخطاب (رضي الله عنه )، وعلى مقربة من قبة الصخرة التي بناها الخليفة الراحل عبد الملك بن مروان. لن أتركك تعيش في بلاد الغرب لأني أريد لسانك أن يكون عربياً وأنه لأَحبَّ لي مليون مرة أن تنادينا أمي وأبي من أن تقول لي، مامي ودادي.

وإذا كان الكثير من العرب في بلادنا العربية يتباهون فخراً بين بعضهم باستخدام كلمات إنكليزية أو فرنسية كنوع من الارستقراطية المزيفة فأنا أحبك وأنت تختار أفضل الكلمات العربية وأرقّها وأحَبّها سمعاً لتخاطب بها الناس.

لن أطيل عليك وسأختم رسالتي موصياً إن قرأتها وأنا في عالم آخر أن تتذكر أمك ثم أمك ثم أبيك، نعم يا ولدي لقد صدق رسول الله عليه الصلاة والسلام عندما أوصى رجلاً بأمه ثم أمه ثم أمه ثم أبيه لأنه كان يعلم ما عَلمتُه أثناء ولادتك وما يعلمه الرجال الآباء كلهم حتى وإن أنكروه.

إن أمك التي حملتك تسعة اشهر تعذبت بك أكثر مني، وإن طلقة واحدة من أمك أثناء الولادة بك، تساوي كل ما بذلته من أجلك كل حياتي.

طبت مولودا صغيرا ، وطبت فتى يافعا ، وطبت شيخا جليلا يا ولدي الحبيب عمر .إن الذين اتصلوا بنا مباركين مهنئين من ألأهل والاصدقاء من دول عربية وغير عربية أسرونا بعطفهم وحسن اخلاقهم ونعتبر انفسنا مدينين لهم بهذه اللفتة الكريمة داعين الله ان يوفقنا لنشاركهم أفراحهم ، أما الذين تجاهلوا طلتك علينا من الأقارب والأهل، الذين ملأ الحقد قلوبهم رغم ما قدمه والدك لهم من محبة واحترام فلا نملك الا ان نسامحهم لأن تسامحنا العربي الأصيل أقوى من حقدهم وأنانيتهم .

والدك عادل سالم 19 أيار 2003 بلين ـ منسوتا ـ الولايات المتحدة الأمريكية

عمر مع العائلة
التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة