في حوار مع الشاعر الفلسطيني عبد الكريم عبد الرحيم:
بحاجة إلى نقاد مثل العقاد الذي أعاد ابن الرومي إلى الحياة الثقافية
الخميس ١٠ أيلول (سبتمبر) ٢٠٠٩
بقلم عادل سالم

شاعر عاصر نكبة فلسطين عام 1948، وأجبرته العصابات الصهيونية على الرحيل عن وطنه طفلا صغيرا. لكنه ظل يحمل فلسطين في الذاكرة أينما رحل وترجمها في أشعاره إلى قصائد حب جميلة، فتناثرت على الورق وفي حدائق الشبكة الكثيرة فملأتها ورودا يصعب على أعداء عشاق فلسطين أن يقطعوها.

 الشاعر عبدالكريم، حدثنا عن أثر نكبة فلسطين عام 1948 على أشعارك؟
 النكبة مشروع موت على وسادة الحزن، تهليلة الفناء، حين تقرفص أمام رأس الميت وتقرأ له، هكذا كانتْ بدايتك، وستنتهي إلى . . . ، ياسيدي أشعاري مشروع رثاء لرؤوس تسقط على النطع ، حينما يتلذذ الجلادون، برذاذ الدم، ويمسحونه بأكفاننا، أعطتني النكبة سمة لاجئ، مفقوء العينين في لوحة سريالية، مستنسخة من الشتات والمخيم والجوع.

[(النكبة إذن رمتنا في نفق، يمتد من فلسطين إلى قارات العالم كلها، الحروف التي كتبت حياتنا بعدها كانت قصيدة مبتورة الرأس والسياف هو نفسه النكبة. لم تكن سريراً تريح عظامك عليه، كانت مقبرة لفمك، وفماً لموتك الجديد، على قارعة القهر.)]

لذا كان الفراغ بين شعري والمرأة شاهدة منتصبة على سرير شاغر من الحب لكنه قريب من فلسطين.

شعري اللهفة إلى الحياة ، بمعنى الشهادة، وشعري التابوت بمعنى الاحتلال، شعري امرأة جميلة لا تجيد الرقص في جنازة، بل جنازة تستطلع بعينين حمراوين قناديل الفجر.
تغريني حين تسألني عن شعري وفلسطين، لأنك بهذا السؤال تشعل أصابعي بمشكاة فيها مصباح، المصباح قلب ينبض أمام سرير أبيض تزغرد أنثى في ولادتها لتلهم الفم الكلام، ولتشعل الكلام بالحب والشهداء و الأدباء المساكين.

 أما زلت تحلم بالعودة؟ أم أن العودة أصبحت مجرد ذكريات في قصائد الشعراء؟
 في كل يوم أعود،وإذا لم أعد أفقد وجهي أو ذراعي أو قلمي، أغمض عينيك، واستسلمْ للفراشة، تخطفك ألوانها، من مقابر الشتات، إلى صفد.
[*عندما تحجز مقعد العودة معي، لاتخرج من جسد الوطن، كن جنيناً مستعصياً على الولادة حتى ولو في الماء.*]
 أنجبت فلسطين منذ أربعينات القرن الماضي العشرات من الشعراء المشهود لهم بشاعريتهم. من تراه يستحق لقب شاعر فلسطين، أو شاعر القضية؟
 لماذا يا عادل ؟ هل هناك شهيد واحد على سرير هذه القضية ؟ ألم يكتبوا للقضيةقبل النكبة وبعدها ولماذا أقول إبراهيم طوقان أو يوسف الخطيب أو عبد الكريم عبد الرحيم، إذن أين أترك صالح هواري ومعين بسيسو؟
 كثر الجدل حول الشاعر الراحل محمود درويش فقد قيمه كثير من الكتاب حسب موقفه السياسي وليس حسب موقعه في الإبداع الشعري، أين تقف أنت من ذك؟
 لأنه نجم سياسياً لا ألتقي معه، فنياً قامة نادرة في الشعر العربي المعاصر.

 الشعراء الشباب في الدول العربية يشقون طريقهم بصعوبة. من تتنبأ له بمستقبل واعد في مجال الشعر؟
 في الدول العربية شعراء شباب مهمون وسيكون لهم مستقبل مدو، بعضهم يساهم الإعلام بصنعهم، وبعضهم الآخر ما زال في الظل، وكثير منهم أهم من كثير من النجوم ، في سورية عدد كبير منهم وفي الإمارات العربية وفي السعودية ومصر ولبنان والسودان ، وما ذكرت هم من اطلعت على تجاربهم واسمح لي أن أضيف البحرين أيضاً وربما هنالك تجارب، لم يُتح لي التعرف إلى أصحابها.

 الجيل الجديد من الشعراء يتهم الجيل القديم بأنه يضع العراقيل أمامهم. ما ردك على تلك الاتهامات؟
 الحقيقة غير ذلك تماماً !

نجوم السوق هم الذين يضعون العراقيل أمام الشباب.وليس الجيل القديم.
 الصحافة الورقية ما زالت تمارس دكتاتوريتها في مجال نشر النصوص الأدبية، فتنتقي من تريد نشره وتهمل الباقي، ماذا تقول لها؟
 الصحافة الورقية تخضع لمرجعيات فكرية و سياسية.
وهي تخضع إلى شللية معينة.
والموهبة تشق طريقها صحيح هنالك صعوبة، لكن الماء يشق مجراه.
 أشكال الكتابة الأدبية تغيرت من الماضي إلى الحاضر هل تتنبأ بأشكال جديدة ستطفو على السطح؟
 تتغير الأجناس ، لكن يبقى المهم الإبداع.
 كيف يمكن استغلال الشبكة في خدمة الأدب والثقافية بشكل عام؟
 الشبكة مثلها مثل الصحافة الورقية.

 بوجود الشبكة العنكبوتية، هل تعتقد أن عصر التخلف والتجهيل قد انتهى، أم بدأ عصر جديد من إخفاء الحقائق؟
 [*بدأ عصر أكثر خطورة على المعرفة،لأسبا ب كثيرة،منها عدم قدرة المتلقي على التمييز بين الغث والسمين،جهل القائمين على المواقع كأن تجدفي أحدها معلومة : أن فدوى طوقان رحمها الله ابنة إبراهيم طوقان الشاعر العظيم!*]
عودة الملكية إلى جهة معينة تتحكم بما يقال و ما لايقال، وهي أشد بشاعة من رقابة الديكتاتورية على النشر.
 المواقع الأدبية على الشبكة زادت بشكل ملفت هل حققت تلك المواقع ما يطمح إليه أدباؤنا أم ما زالت في بدايتها؟
 بعضها نعم، وبعضها يعود إلى لصوص يسرقون إبداعات الكتاب، ثم عندما تصبح الكتابة فيها مأجورة، وتفتح أبوابها للمبدعين دون تمييز لاعتبارات غير منطقية. والحديث هنا ذو شجون.

** شاعر المليون.

 البرنامج التلفزيوني(شاعر المليون) الذي تنته قناة أبو ظبي الفضائية، هل يخدم الشعر والأدب؟ أم يحوله إلى أداة تجارية لتحقيق الأرباح؟

لنبدأ من الإسم، هل وفقت قناةأبوظبي باطلاق تسمية(شاعر المليون) على المسابقة؟ وماذا لو أقامت إحدى المؤسسات مسابقة في الشعر ومنحت الفائز ما قيمته الف جنية(150دولارا). هل يكون الفائز في جائزة المليون أرفع منزلة أدبية لأن قيمة الجائزة أعلى؟
 أنا أفرح عندما يبدأ أي عمل، من شأنه أن يعيد الشعر العربي إلى الواجهة، قديعجبنا جزء منه ولا يعجبنا الجزء الآخر، المهم يا صديقي الأديب و المبدع عادل سالم أن يتسابق الجميع في هذا الميدان، فشاعر المليون مشروع وجائزة إحدى المؤسسات مشروع آخر ،و ياليت يصبح هنالك عشرات المشروعات، إن جائزة صغيرة مادياً تلقيتُها من تجمع الكتاب والأدباء الفلسطينيين أعتبرها بوابة الجنة.

 أحيانا نقرأ أسماء شخصيات أدبية وغير أدبية تشارك في لجان تحكيم مسابقات أدبية عريقة دون أن يكونوا نقادا حقيقيين أو أصحاب خبرة واطلاع واسعين. وكثيرا ما تكون لغتهم العربية ركيكية. ماذا تقول للمشرفين عن تلك المسابقات؟ ولماذا هذا الإهمال في اختيار الكفاءات المناسبة لاداء عملها؟
 يا صديقي (القرد في عين أمه غزال)!
 نشاهد في معظم الفضائيات العربية التهافت على المسابقات الغنائية أو الترفيهية التي تطلب من المشاهدين التصويت عبر الهاتف، وهو تصويت غير مجاني كما تعرف ولا يشارك به الجميع لتكلفته الباهظة. هل تعبر تلك الطريقة في التصويت عن راي الشارع (الناس)؟
 إنها تعبر عن رأي شريحة، لا غير ،
 وكيف لنا أن نعرف أن نتائج التصويت صحيحة ولا يجري التلاعب بها؟
 إن ذلك منوط بأخلاقيات القائمين على التصويت، ألا ترى معي أن انتخابات تقرر مصير شعوب وأمم تزور !
 لو كنت وزيرا للثقافة، ماذا ستكون خطة عمل وزارتك للسنوات المقبلة؟
 أولاً أشكل مؤسسة حقيقية في الوزارة تحصي المبدعين.
ثانياً مؤسسة وَقف كوزارة الأوقاف من أجل ضخ المال.
ثالثاً أخصص راتباً لكل مبدع أعلى من راتب رئيس الوزراء.
رابعاً أشكل مؤسسة للترجمة تبدأ بترجمة مبدعي بلدي و بالعدل إلى لغات العالم الحية.
خامساً أفتح أبواب المساءلة القانونية لكل مدع في هذا المجال.
سادساً أقيم مؤسسة علاقات عامة دولية لتقديم أدباء بلدي إلى العالم.

 ثمة أدباء مغمورون في دولنا العربية. كيف نساهم في وضعهم في مكانهم المناسب؟
 أولاً بأن يشعر القائمون على المؤسسات الثقافية بأن عليهم مسؤولية حقيقية بهذا الاتجاه.
أن ننشط الاتحادات و الروابط الأدبية في دولنا العربية.
 بعض المؤتمرات الأدبية التي تعقد ليست أكثر من مؤتمرات إعلامية يدعى إليها المقربون من اللجان المشرفة كيف تفسر ذلك؟
 هذه حقيقة قائمة، وهي مؤلمة ومرة، وبخاصة عندما يكون القائمون على تلك المهرجات من أبناء وطنك، ويتجاهلون أسماء معينة ، لأسباب . . . . ! ! ! !.
 معظم الكتاب الشبان لغتهم العربية ركيكة. هل يتحملون مسؤولية ذلك؟ أم أن أساليب التدريس المدرسية هي السبب؟
طبعاً، للمبع لغته التي لا تستطيع مدرسة إنتاجها.
 وأنت تعرف أن كثيراً من مبدعينا على مر العصور لم يكونوا أكاديميين
 هل ما زالت مقولة( الشعر ديوان العرب) صحيحة حتى اليوم؟
 آمل ذلك، مع تأكيد أن الشعراء الشباب هم الذين سيضعون الشمس عند بوابة مشرقها.

 لمصر دور أكبر في الحركة الأدبية العربية في القرن الماضي. خصوصا في خمسينات وستينات القرن العشرين . هل تراجع دور مصر الأدبي؟ أم أن دور الدول الأخرى قد برز بشكل أفضل؟

[(- ما زالت مصر أم الدنيا، وما زالت بيروت عجلة الثقافة وما زالت دمشق، لكننا بحاجة إلى مؤسسات ثقافية أهلية في جميع الدول العربية، تفتح أبواب اللقاءات، وتحمي المبدعين من السلطة ومن الجوع .)]

 ما أبرز المشاكل التي تواجه الأدب العربي، والحركة الأدبية والثقافية في الدول العربية؟ وكيف نتغلب عليها؟
 المشكلات التي تواجه الأدب العربي . . . الحرية حرية التعبير. . حرية التنقل بين الدول العربية. . حياة الأدباء . .والكل يعرف كيف يعيش الأديب العربي وكيف يعيش المماثل في العالم كله!

 لماذا يعاني معظم الأدباء العرب من سوء الوضع الاقتصادي ويعتمدون في معيشتهم على أعمال إدارية أخرى وليس على ريع إبدعاتهم؟ من المسؤول؟
 لأن المؤسسات الثقافية القائمة للزينة، ومن مستحضرات تجميل الأنظمة.

 كيف ترى الساحة الشعرية اليوم أمام ازدياد الشبان الذين يركبون موجة شعر النثر؟
 دع ذلك للتاريخ، فهو خير غربال.
 دور المبدعات العربيات في الساحة الأدبية هل وصل إلى ما نطمح إليه أم أن مشاركتهن لا زالت في بدايتها؟
 قدمت لنا الجزائر أحلام مستغاني، وروائية أخرى يغيب اسمها عن ذاكرتي الآن.
وفي سورية شاعرة مهمة جداً وأديبة و روائيةو نائبة السيد الرئيس ومستشارته للشؤون الثقافية.
في لبنان في مصر في السعودية في البحرين، المرأة موجودة اسأل الأديبة جمانةطه، والشاعرة مناة الخير، وفي فلسطين الشاعرات اللواتي لا يرضى عنهن بيت الشعر ! !
حالهن حال من امتهن في العالم الثالث الأدب .

 لماذا تقل الكتابات الموجهة للأطفال، من شعر ونثر وحتى أفلام الأطفال في العالم العربي قليلة جدا وأغلبها مدبلج ومستورد من الغرب؟
في وطننا العربي يكتب للأطفال من يخيب في الكتابة للكبار.
وندرة هم من يكتبون لهم،
أدب الأطفال بحاجة إلى دراسة علم نفس الطفل والنظريات التربوية الحديثة، بالإضافة إلى موهبة وخبرةفي هذا المجال.
ما نقرؤه في بلادنا ،مأخوذ من التراث العربي والإنساني دون أن يقوم الكاتب،بأي جهد إبداعي حقيقي. أقرب إلى الترجمة أحياناً، وسطو على الموروث الشعبي أحياناً أخرى.

 حركة النقد في الساحة العربية ضعيفة. الكتاب بهاجمون النقاد إذا تعرضوا لهم. والنقاد فريقان في الغالب أحدهما يهاجم الكاتب ويقلل من قيمة إبداعة، والثاني يمدح الكاتب وينزلق إليه؟ أين نحن من حركة نقد فاعلة؟
 ماتقوله هو الصحيح، النقد التطبيقي غائب، ما يكتب غالباً هو في نظرية الشعر أو الأدب، أو في الأدب المقارن.
وإذا وجد بعض الأدب التطبيقي فهو لا يتعدى نزار قباني ومحمود درويش وأمل دنقل وبدر شاكر السياب ،أو الهرولة نحو أعلام الأدب في العصور الماضية الذين غربلهم الزمن.
نحن بحاجة إلى نقاد مثل العقاد الذي أعاد ابن الرومي إلى الحياة الثقافية.
نحن بحاجة إلى نقاد لا يتزلفون النجوم، ولا يمارسون الفوقية على النصوص،

 مشروعك الأدبي القادم؟
 أعمل على مجموعة شعرية جديدة
وكتاب أدب الحياة الذي ظلمتُه بمرضي.

 هل ساهم الحاسوب في زيادة نتاجك الأدبي؟
 نعم

 ماذا أضافت لك الشبكة العنكبوتية كشاعر؟
 الاطلاع على أدب المغرب العربي المعاصر.
التعرف إلى أدباء وشعراء مثل أحمد بنميمون من المغرب وعبد الله بيلا من السعودية، وسليمان دغش من فلسطين.

 لمن أهديت أول عمل أدبي لك؟
 إلى قرائي
 متى كتبت أول محاولتك الأدبية؟ كم كان عمرك؟
 1956 أنا من مواليد 22 تموز 1942

 هل أنت راض عن عطائك الأدبي?
 إلى حد ما ، أنا راض لأنني أعتقد بأنني سأكتب ما هو أهم.

 كيف ترى ديوان العرب على الساحة الأدبية هل تؤدي رسالتها بشكل سليم أم تحتاج إلى تطوير؟ وماذا تقترح عليها؟
 أعتقد بأن الدكتور فاروق مواسي قال لي : إنه قرأ لي في ديوان العرب.
وهذا مؤشر مهم، لدور ديوان العرب.
ثم هنالك استقرار في سياسة الديوان والإشراف .
هنالك تنوع وغنى ومتابعة جادة كنتُ أستقي منها الأخبار الفنية والثقافيةوالإصدارات للدوريات التي عملت بها.

في الختام ديوان العرب تشكر الشاعر المعطاء عبد الكريم عبد الرحيم على إتاحته الفرصة لنا لنعرف قرائنا وأجيالنا الشابة بواحد من الشعراء الذين ساهموا في بناء الحركة الشعرية في فلسطين وبلاد العرب.
ندعو له بطول العمر وبالصحة والعافية.

السيرة الذاتية للشاعر في الرابط التالي

ملاحظة :

توفي الشاعر عبد الكريم عبد الرحيم في الثامن من نيسان ٢٠١١
في دمشق، سوريا ودفن في مقبرة الصالحية.

التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة