صباح الخير يا زوجتي العزيزة
السبت ١٣ شباط (فبراير) ٢٠١٦
بقلم عادل سالم

يحتفل الناس في العالم الغربي بشكل خاص، ومعظم العالم بشكل عام في عيد الفالنتاين والذي يسميه المواطنون العرب بعيد الحب كونه يرمز للحب ويحتفل به العشاق والأحباب والأزواج فيما يسميه الأمريكيون والدول الغربية بيوم فالنتاين. وهذا اليوم عيد شعبي وليس عيداً رسميا للدولة الأمريكية ولا يتم فيه تعطيل الدوائر الرسمية أو البنوك بل يمارس كل مواطن عمله كالمعتاد.

وتعود شهرته أساسا في الولايات المتحدة الأمريكية ليس لما يرمز له العيد بقدر ما يمثله من مصلحة اقتصادية إذ يتم بهذا العيد شراء ملايين الهدايا لتبادلها بين الأحباب وخصوصا الورد وبطاقات المعايدة، وتشهد المطاعم حركة كبيرة جدا حيث يرتادها ملايين الناس والعشاق حتى أصبحت عادة بين الناس تشبه عادة شراء الهدايا في عيد الميلاد، وعيد الفلانتاين في الولايات المتحدة مثله مثل عيد الأم وعيد الأب وعيد صاحب العمل ... إلخ تروج له الشركات من أجل تحريك عجلة الاقتصاد الأمريكية وليس في الأمر مشكلة.

هذا العيد مشهور جداً في الولايات المتحدة وبريطانيا وأستراليا والمكسيك، وقد بدأ حديثا في الانتشار في العالم كله بما فيها العالم العربي لكنه في الوقت نفسه يلاقي معارضة شديدة وهجوما كبيرا من قبل المعارضين المسلمين تصل حد اتهام المحتفلين به بأبشع الاتهامات واعتبارهم من الشاذين والمتأمركين والكفار وغير الوطنيين، وهي اتهامات جاهزة للأسف دون تفكير. وبالطبع فإن المعارضين لهذه الفكرة يختلفون في الأسباب التي يهاجمونها بسببها. وسوف نستعرض أبرز وجهات النظر المذكورة.

أولا: أبرز وجهات النظر المعارضة هي وجهة نظر دينية متطرفة تدعي أن يوم فالنتاين هو عيد للمسيحيين والكفار وبأن المسلمين لا يجوز لهم الاحتفال به وأن من يحتفل به يعد من المرتكبين للبدع وكل من يعمل بها مصيره إلى النار، ليس هذا فحسب بل ذهب بعضهم في تفسيره أن هذا اليوم هو يوم للمسيحيين الكفار ليس فقط للمسيحيين بل المسيحيين الكفار (!!) ولا يجوز للمؤمنين ـ المسلمين ـ أن يتشبهوا بالكفار، وهذه فتاوى جاهزة لدى بعض الأئمة المسلمين الذين لا هم لهم سوى تكفيرالناس. في الوقت الذي يتسابق ممولو هؤلاء الدعاة لإقامة أفضل العلاقات مع الغرب، يل ويتسابقون للهجرة إلى الغرب مع أن أفغانستان أقرب لهم.

ثانيا: التيار الثاني ينطلق من منطلقات عدائية فقط لأن هذا اليوم أو المناسبة جاءت من الغرب ويعدون كل ما أتى من الغرب فهو مرفوض، بل يرون في المناسبة بأنها هجوم غربي علينا وعلى ثقافتنا وتقاليدنا وبأنها محاولة لتمييع شبابنا وشاباتنا رغم أن المناسبة نفسها منتشرة في بريطانيا وأمريكا منذ أكثر من 300 سنة قبل أن تبدأ الفكرة بالانتشار في دول أخرى من العالم والغرب لم يطلب منا أن نحتفل بالمناسبة.

ثالثا: تيار ثالث يعتبر أن فكرة عيد الحب تعني الانحلال وقلة الحياء وبأننا كعرب لا وقت لدينا للحب، لماذا لأننا نواجه عدوا شرسا ولأن أرضنا محتلة ولأن العراق محتل ووووووو. هذا التيار هو معظم تيار الآباء الذين توقفوا عن استخدام كلمة أحبك لأمهاتنا منذ خمسين سنة بل وربما يستغربون لو سمعوها من زوجاتهم. أعرف صديقا لي قال مرة لزوجته عندما قالت له يا حبيبي: (بلاش سئاعة) أي كفي عن أن تكوني باردة.

قبل الرد على هذه المزاعم لا بد أولا أن نوضح كيف وجد يوم فالانتاين أو القديس فالنتاين والذي يسمى في بلادنا مجازا عيد الحب ويحتفل به بعض الشباب فقط والمراهقون ويخجل منه الكبار باعتبار أن الحب كما قلنا كلام فارغ وهو يعبر في الحقيقة عن أزمة داخلية.

الأمريكيون والبريطانيون أنفسهم لا يعرفون تماما كيف بدأت المناسبة ولا لماذا، وقصة القديس فالنتاين غير معروفة على وجه الدقة وكل ما هو معروف تماما هو أن هذه المناسبة هي مناسبة رومانسية تعود جذورها إلى العهد الروماني والمسيحيين في القرن الثالث الميلادي.

الكنيسية الكاثوليكية الآن تعترف بثلاثة قديسين تعدهم شهداء اسمهم فالنتاين أو فالانتينوس، وتوجد ثلاثة روايات حول المناسبة نسرد أبرزها وأكثرها صحة، حيث تقول الرواية أن قديسا أو راهبا مسيحيا اسمه فالنتاين كان يعيش في العهد الروماني، حوالي 270 ميلادية، في عهد الامبراطور كلاوديوس الثاني وكان مسؤولا عن عقد القِران للعرسان. هذا القديس رفض قرار الامبراطور الذي حرم الزواج على الشباب لأنه كان يرى أن الجنود غير المتزوجين أكثر قوة وإخلاصا في القتال من الجنود الآباء والمتزوجين، وظل يعقد القرآن للأزواج الشباب سراً حتى علم الامبراطور بالأمر وأصدر أمرا باعتقاله ثم أعدمه فيما بعد.

وبغض النظر عن السبب الحقيقي الذي لا يعرفه حتى الذين يحتفلون به، فإن يوم الفالنتاين أو عيد الحب كما يسميه العرب ليس سوى يوم يتبادل فيه الأزواج والعشاق الهدايا ويلتقون في اليوم نفسه على مائدة الغذاء أو العشاء أو يتراسلون إن كانوا بعيدين عن بعضهم أو يتهاتفون وقد تكون الحبيبة زوجة في الغالب أو خطيبة أو محبوبة أو حبيبا، وليس في الموضوع تآمرا على الدين الإسلامي أو الهندوسي أو خطة لتخريب ثقافتنا أو عاداتنا كما يروج لذلك بعض الناس.

لست أدعو الناس للاحتفال بعيد الفالانتاين ولا مقاطعته، فكل مواطن حر برأيه وقناعاته، وأنا أرى كل يوم عندنا هو يوم للحب وكل ما أردت قوله هو أن المناسبة أبعد ما تكون عن مؤامرة وبدعة وكفار إلخ، والمطلوب من المعارضين أن يعترضوا بأسلوب أكثر حضارية، وأكثر عقلانية للجيل الجديد من الشباب. عليهم ألا يعملوا من الحبة قبة فما أحوجنا للحب والمحبة .

 ما أحوجنا للقلوب الطيبة.
 ما أحوجنا لأن نفتح قلوبنا لمن حولنا.
 ما أحوجنا للعطف والحنان.
 ما أحوجنا للتسامح والتخلي عن الحقد.

كم امرأة عربية تتمنى أن يدخل عليها زوجها بباقة ورد ويقول لها والابتسامة تعلو وجهه كل عام وأنت بخير يا حبيبتي؟؟

كم امرأة عربية لم تعد تسمع كلمة يا حبيبتي من زوجها بعد الزواج بعدة سنوات وبعضهن حتى قبل الزواج؟.

كم امرأة عربية تحتاج ليوم تشعر فيه بحبيبها وهو يقلدها هدية جميلة بالمناسبة يجدد فيها محبته ووفاءه؟

كم رجل يتمنى أن تستقبله زوجتة بثياب الفرح مرة بالسنة على الأقل لتقول له أحبك من جديد؟؟

ما الجريمة بالموضوع؟؟ وأين هي المؤامرة؟؟ وكيف تتكاثر الشعوب العربية والاسلامية؟؟ ولماذا يتزوج الشبان إن لم يكن الحب هو الأساس؟ وأين الغلط في المناسبة؟؟ ألأن أساسها قديس مسيحي؟؟ إن كان هذا القديس فالنتاين قد تحدى الامبراطور واستمر بتزويج الشبان فهو بالفعل شهيد، شهيد إصراره على تطبيق الدين وشهيد دفاعه عن مبادئه في وقت يخشى علماء مسلمون من الاعتراض على قرارات حكامهم الآن خوفا من الاعتقال وخسارة الامتيازات وحرصا على مصالحهم .

ثم ألا يحتفل العرب في عيد الأول من أيار وعيد المرأة العالمي وعيد الأم وكلها أعياد بدأت بالغرب وخصوصا من أمريكا مع أن الولايات المتحدة نفسها لا تعترف بالأول من أيار عيدا للعمال وتحتفل بخلاف كل العالم بأول يوم اثنين من شهر أيلول، سبتمبر كعيد للعمال الأمريكيين.

إن هذه المناسبة غير الرسمية أصلا لا تحتاج لهجوم رجال الدين المسلمين وكأنه لم يبق لديهم من مهمات سوى عيد الفالانتاين ليهاجموه، وكون المناسبة غير مذكورة في الدين الاسلامي فلا يعني ذلك أنها أصبحت كفرا فهي مناسبة غير ملزمة لأحد، وكيف يصبح كفرا تقديم بطاقة ورد من زوج لزوجته أو العكس؟؟

ألا تعلن الدولة أية دولة عربية الحداد على أميرها أو ملكها أو حتى وزيرها لمدة طويلة وصلت لدى بعضهم إلى أربعين يوما تعطل فيها أجهزة الدولة؟؟ فأين ذلك من الإسلام؟ من هو العالم الإسلامي الذي قرر أن الحداد أربعين يوما ولماذا لم نسمع عالما جليلاً أو مفتيا مثل مفتي الديار السعودية أو المصرية أو الفلسطينية أو الأردنية الخ يعلن أن الحداد أكثر من يوم مثلا أو 3 أيام حرام ولا مبرر له وإنه بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة الى النار؟

ألم يبق لعلماء المسلمين غير مناسبة كهذه حتى يضيعوا وقتهم بها؟؟ ألم تجد لجان الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في السعودية غير منع بيع التحف التي ترمز ليوم الفلانتاين في الرياض؟؟ ألأن ذلك يتعارض مع الإسلام؟؟ وهل بث الفضائيات السعودية مثل الإي آر تي وال ام بي سي للفتيات وبأشكال تغري الكبار قبل الشباب وبث بعض الفيديو كليب المليء بالخلاعة يتماشى مع لجان الأمر بالمعروف؟ شاهدوا قناة الحريري في لبنان ستجدونها تتباكى على أهل السنة في لبنان في الوقت الذي تعرض للناس نسوان آخر طراز وبلباس أقل ما يقال عنه أنه لا يتلاءم مع كل علماء السنة التي تدعي القناة أنها تدافع عنهم.

فلماذا لا يتم محاكمة أصحابها وهم كلهم من كبار القوم في السعودية؟؟

ألم يشاهد أعضاء هذه اللجان الشباب السعوديين الذين ينتقلون أسبوعيا للبحرين وقطر والإمارات لشرب الخمور ومضاجعة المومسات هناك، فلماذا لم تحاكمهم على ذلك عند عودتهم؟ واذا كان الجواب إن ذلك يتم خارج السعودية فلماذا لا تراقبهم لجان الأمر بالمعروف كما يراقبون المعارضين السياسيين ويعدون عليهم خطواتهم؟ ولماذا لا يصدرون فتاواهم ضد خمارات العالم العربي التي أكثر روادها من المسؤولين والحكوميين؟؟

أما الذين يدعون أن هذه المناسبة هي دعوة للفجور والإباحية فهو كلام فارغ لأن الفجور يملأ العالم العربي سرا وعلنا قبل أن يغزونا الفالانتاين وخمارات العرب ما شاء الله فأنت لست بحاجة لدليل حتى تجدها وبائعات الهوى تملأ كل الدول ويسافر لها الأغنياء من بلد إلى بلد بذرائع مختلفة والذين يقيمون العلاقات الجنسية بطريقة غير شرعية لا يحتاجون للفالانتاين ليمارسوها.

لذلك إن تَصَرّفَ بعض شبابنا بطريقة ماجنة فليس بسبب المناسبة نفسها ولكن بسببنا نحن لا أكثر وعلينا أن نصلح أنفسنا.

الذين ينتقدون شبابنا المحتفلين بهذا اليوم ينتقدون كل دعوة لهم للاحتفال، والسعادة. نلاحظ ذلك من خلال التعليقات الكثيرة التي تكتب عند نشر فيديو لشباب يحتفلون بأي مناسبة، حيث يسخرون منهم، ويسخفون من احتفالهم بأن ذلك حرام وضد الدين حتى مل الشباب من هذه الأفكار، وذلك الكبت، وهذا التخلف.

فالغربيون أنفسهم عندما بدأوا يحتفلون بهذا العيد لم تكن قد انتشرت بينهم أصلا الصداقة بين الإناث والذكور أو ما يسمى ب جيرل فرند فهذه الصداقة بدأت في القرن الماضي لتغيير في مفاهيم الحياة الغربية وليس لأن الفالانتاين تعني إقامة علاقات من وراء الأهل وبطريقة غير شرعية. فقد أعدم القديس فالانتاين لأنه كان يعقد قرآن الأزواج لا ليبارك مجونهم.

فإن احتفلتم فاحتفلوا بهدوء وإن عارضتم فعارضوا بمنطق ولا تقيموا الدنيا ولا تعطوا الموضوع أبعادا أكبر من حجم المناسبة واتقوا الله في فتاواكم، واسمحوا لي أن أعترض على هذه الضجة غير المبررة وأقدم نكاية بكم وردة جميلة لزوجتي وأقول لها كل صباح الخير يا زوجتي الحبيبة.

التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة