في أحد المطاعم اليونانية فى مدينة شيكاغو الأمريكية، جلسنا أنا وصديقي لتناول طعام العشاء والحديث في أمر الرحلة المشتركة التى قررنا أنا وإياه القيام بها مع زوجتينا وأولادنا في صيف عام 1999.
سأَلَنا السفرجي إن كنا نفضل السلطة أم الشوربة فاخترنا شوربة الخضار لأهميتها للمعدة،حيث تسهل عملية الهضم.
لحظات حضرت الشوربة. كانت رائحتها لذيذة، تفتح الشهية للأكل فهجمنا عليها كنهمين جائعين. ما إن تناولت الملعقة الأولى حتى قفز صديقي صارخاً:
– توقف لا تأكل وأمسك يدى قبل أن تصل الملعقة إلى فمي.
توقعت أن الأكل مسموم وأننا كنا ضحية مؤامرة، أو ربما اكتشف صديقي جمال فأراً أو صرصوراً في الشوربة.
بدأ جمال بالصراخ مناديا السفرجي، فاتجهت إلينا أنظار كل الزبائن مشمئزين من طريقة صياح صديقي، خصوصاً وأنه عربي غير مقبول حتى لو لم يصرخ أبداً.
الحق أن صديقي فقد توازنه، سألته ما الأمر؟ لكنه كان مشغولا في مناداة السفرجي حتى حسبت أنه سيهجم عليه عندما يحضر، فهيأت نفسي لإيقافه لو حاول ذلك.
جاءنا السفرجي مسرعا ومذهولاً.
– ما الأمر؟ هل تحتاجون شيئاً؟
– كيف يا غبي تحضر لنا شوربة فيها لحم خنزير؟ ألا تعرف أننا مسلمون ولا نأكل لحم الخنزير وأن أكله حرام يعرضنا للعقاب الإلهي؟ لماذا لم _ تقل لنا أن شوربة الخضار عندكم بخلاف كل المطاعم فيها لحم خنزير؟
لم يترك صديقي للسفرجي فرصة للرد، وكان صوته مزعجاً ومنفعلاً فحاول السفرجي تهدئته:
– آسف لما حصل، لا أعرف أنكم لا تأكلون الخنزير، ولم تسألوني إن كان بالشوربة لحم خنزير، سأخصم ثمن الشوربة من الفاتورة.
- أريد مدير المطعم الآن، قاطعه صديقي.
– حسنا سأدعوه لك.
ذهب السفرجي لإحضار المدير من مكتبه فقلت لصديقي:
- طول بالك، ليس هكذا تحل الأمور، ولم يرتكب السفرجي جريمة، كان علينا أن نسأله قبل ذلك.
- في كل المطاعم التي دخلتها فإن شوربة الخضار ليس فيها لحم خنزير.
– كل مطعم له طريقته في تحضير الأكل، توكل على الله وهدئ من غضبك.
حضر المدير وكان بشوشا والأهم من ذلك كان حليماً في معالجة الأمر، امتص غضب صديقي ببسمته وسماعه لشكواه، في الختام قال لنا:
– أعتذر عما بدر منا وقررنا أن تكون وجبتكما على حساب المطعم.
وقبل أن يتفوه صديقي بكلمة قلت له:
– شكراً قبلنا اعتذاركم.
بعد دقائق كنا نلتهم بقية الأكل الذي أحضرته سفرجية أخرى. وكنت خلال تناول العشاء أحاول أن أقنع صديقي بغلطته حتى اقتنع أخيراً، ثم انتقلنا للحديث عن الرحلة المحددة بعد يومين فاخترنا بعد تفكير الذهاب إلى "وسكانسن دلز" وهي منطقة تبعد عنا 3 ساعات بالسيارة، ولكنها منطقة جميلة تكثر فيها الألعاب المائية لمختلف الأعمار، وهو ما يريده أطفالنا. قبل أن ننهي الحديث عن الرحلة فجأة دخل إلى المطعم فتاتان الأولى رفيعة وطويلة والثانية أقل طولا لكنها ممتلئة الجسم ونهداها بارزان بشكل ملفت للنظر. ما إن وقعت عينا صديقي عليهما حتى هب واقفا ملوحاً بيديه.
– ساندي، وتس أب (كيف الحال يا ساندي)
– نَت متش (لا جديد يا جمال)، لنج تايم نوسي (لم أرك منذ مدة طويلة)، ردت عليه الفتاة الممتلئة وهجمت عليه تعانقه كأنهما عاشقان التقيا بعد فراق طويل.
– هذا صديقي كامل (قال لها جمال معرفا بي)
– وهذه صديقتي جنفر (قالت ساندي لتعرف بصديقتها). دعاهما جمال للانضمام لنا واعتبرهما ضيوفه.
أكلنا وشربنا وما إن حانت لحظة الوداع حتى طلب صديقي منها أن يسهرا معا فوافقت بشرط أن يكون ذلك بعد يومين لأنها قبل وبعد ذلك ستكون مشغولة جداً.
– موافق ،قال لها جمال، وأكمل حديثه:
– وهل ستشاركنا جنفر السهرة؟.
– لم لا. قالت جنفر، سأكون سعيدة بالمشاركة ثم استدارت لي وسألت:
– وماذا عن كامل هل ستأتي؟.
– أنا أعتذر ،قلت لها، سأكون مع زوجتي وأولادي فى رحلة إلى وسكنس دلز.
- أوه، يبدو إنني نسيت الرحلة -قال جمال- لا تؤاخذني يا كامل سنذهب في المرة القادمة، فالسهرة مع ساندي لا تعوض أبداً، وأعتقد إنك ستتفهم ذلك.
هززت رأسي موهما كمال إنني أتفهم عذره خرجنا من المطعم بعد أن دفع جمال الحساب، ودعتهم وذهبت لسيارتي، وضعت الحزام وأشعلت المحرك، وقبل أن أغادر شاهدت صديقي يسلم على جنفر التى ذهبت مثلي لسيارتها، وبقي مع ساندي وحدهما يسيران إلى سيارته. جلس هو بالمقعد الخاص بالسائق وجلست بجانبه في المقعد الآخر.
كانت سيارة جمال تقف أمامي مباشرة لا يفصل بيننا سوى الشارع الفرعي لذا كنت أراه وهو يقبلها في سيارته كالمجنون.
وضعت قدمي على فرامل السيارة وحركت محرك السيارة إلى إشارة الانطلاق، بينما كان جمال يضع يده اليسرى على نهدها الناهض ويضغط عليه بقوة، رفعت قدمي عن الفرامل وضغطت على البنزين منطلقاً بسرعة قبل أن أرى الخطوة التالية.
امتدت يدي للهاتف الخلوي، ضغطت على رقم البيت فردت زوجتي
- آلو يا كيمو
- آلو حبيبتي، جهزي نفسك والأولاد سنذهب إلى وسكانسن دلز بعد غد إن شاء الله.
– هل سيذهب جمال وزوجته معنا؟
– لا لن يذهبا فجمال مشغول جداً..!!
أرى إنها فرصة لنا لقضاء يومين رائعين مع الأولاد علنا نستعيد فيهما بعض شهر العسل الذي لم نره حتى الآن.
التاريخ | الاسم | مواقع النسيج | مشاركة |