كل مواطن عربي عاقل أصبح يدرك الآن وبدون الغوص في تحليلات عميقة وتكهنات وحسابات سياسية أن الولايات المتحدة الأميركية بقيادة الرئيس جورج بوش ليست معنية ولا تريد تجريد العراق من أسلحة الدمار الشامل بأية طريقة، بل هي الآن تبحث عن ذرائع ومبررات تقنع بها حلفاءها وأصدقاءها لضرب العراق حتى لو امتثل لكل القرارات الدولية وتخلى عن كل الأسلحة المسماة بأسلحة الدمار الشامل وحتى أسلحته التقليدية.
ولم يعد – كما هو واضح الآن – أن تنازل صدام حسين عن الحكم كافياً لتخلي الولايات المتحدة التي أصبحت تمارس دور الشرطي في العالم عن تأجيجها للصراع مع العراق ودفع المنطقة للحرب التي ترعاها أمريكا من خلال تكريس وجودها العسكري لسنوات طويلة قادمة ليس فقط للسيطرة على ينابيع الخليج النفطية، ولكن للهيمنة على المنطقة العربية كلها وإرهاب العالم العربي بالالتزام بقرارات البيت الأبيض المذلة حتى لا يعرضوا أنفسهم لعقاب كعقاب العراق المنتظر.
الشعب العربي في العراق أمام عدوان أمريكي مجرم تحت ذرائع ومبررات لا علاقة له فيها، وشعوبنا العربية، تواجه الوضع الصعب بكل برودة أعصاب تماماً كما يواجهون يومياً قمع العدو الإسرائيلي للشعب الفلسطيني وهدم منازلهم وقتل أبنائهم.
صدام حسين مجرم بحق شعبه، وأنا من الذين يحملونه مسؤولية ما يجري للشعب العراقي، ولكن الحملة الأميركية الآن لا علاقة لها بما قام ويقوم به صدام حسين ضد شعبه، بل لحسابات سياسية تريد واشنطن تحقيقها على حساب شعب العراق البطل.
المعارضة العراقية بكل أطيافها ليست ملومة في عدائها الشديد لنظام القمع في العراق وهي ليست الوحيدة التي تتعاون مع نظام غربي لتغيير النظام، فالكويتييون تحالفوا سابقاً مع أمريكا لضرب العراق من أجل تحرير الكويت ولقبوا جورج بوش الأب بـ محرر الكويت وقرروا صرف مكافأة له مليون دولار سنوياً حتى وفاته.
معظم الحكام العرب تحالفوا مع واشنطن لحماية عروشهم وها هي غالبية شعوبنا العربية تصفق لهم وتدافع عنهم.
إيلي حبيقة وحزب الكتائب والقوات اللبنانية تحالفوا مع إسرائيل لقتل الفلسطينيين وبعد اتفاق الطائف أصبح إيلي حبيقة وزيراً في الحكومة اللبنانية برعاية دولة عربية شقيقة.
المعارضة العراقية التي تعمل الآن بأمرة الولايات المتحدة كل منهم يبحث عن منصب في حكومة مستقبلية ليست أسوأ من دول عربية تبيع أراضيها وموانئها لاستخدام الجيش الأمريكي لضرب العراق، وإخضاع المنطقة كل المنطقة للهيمنة الامريكية، تلك الهيمنة التي لم تعد بعد أحداث 11 أيلول 2001 هيمنة شكلية بقدر ما هي اليوم هيمنة تحت الشمس ورغم كل محاولات الرفض العربية الهزيلة.
عراق العرب الذي كان رمز النهوض العربي يحتاج من شعوبنا لوقفة أكثر جدية وقفة تحميه من خطر الحرب، لا وقفة نفرغ فيها غضبنا بشعارات ومظاهرات لا تسمن ولا تغني من جوع.
نعم نموذج المقاومة العربية في لبنان قد نجح ولكن هذا النموذج لا زال أغنية يتغنى فيها الناس لا منهجاً يمارسونه بشكل يومي.
لا يمكن أن ينجح تحرك شعبي لا زال غير مستعد للتخلي عن الكوكاكولا والمكدانولدز والكنتاكي.
فمتى تصحوا شعوبنا وترتفع في تصديها للهيمنة الغربية عليها وعلى ثرواتها من مستوى الإدانة والاستنكار إلى مستوى الفعل والمقاومة؟ متى يدرك الناس العاديون البسطاء أن بإمكانهم بل وعليهم واجب التحرك بدلاً من التفرج على ما يجري؟
في الوقت الذي ندعو شعوبنا للتحرك ضد الحرب فنحن غير متفائلين كثيراً لأن إسرائيل فعلت بالفلسطينيين أكثر مما ستفعله واشنطن، ولم يتحرك العرب ولا المسلمون، شعوباً وحكومات بمستوى الهجمة، فهل تخطئ ظنوني وتقلب شعوبنا الطاولة رأساً على عقب أم سنتفرج على ضرب العراق ونحن ندعو الله بصلاتنا أن ينصرنا على القوم الكافرين متوهمين أننا نحن المؤمنون في هذه الارض ؟ ؟ !
هذا المقال كتب قبل الغزو الأمريكي على العراق عام 2003
التاريخ | الاسم | مواقع النسيج | مشاركة |