تغير لون وجهها حتى أصبح كالدم القاني، اهتز جسمها ، اقشعر بدنها وكأنها أحست أن شعر رأسها قد وقف على رجليه، كادت تسقط على الأرض بعد أن أحست بدوار شديد ،لم تتمالك أعصابها وهي تستمع لما حل بأختها على يديه.
كانت عفاف كالمجنونة ، قطبت حاجبيها وقالت لأختها باسمة بعد أن ضمتها إلى صدرها وبدأت تجفف دموعها عن خدودها الجميلة.
– اهدئي يا باسمة وحدثيني كيف حدث ذلك؟
قالت باسمة:
– اتصل بي على الهاتف الخلوي وقال دعي أمك في السوق وتعالي لتحضري لي طعام الغذاء فأنا جائع، قلت له يا والدي غدا فرحي وأنا سأشتري بعض الحاجيات بسرعة، فصار يصرخ بي على الهاتف الخلوي، فقالت لي أمي اذهبي وأنا سأشتري لك ما تريدين وأعود .
ذهبت للبيت لأعد له طعام الغذاء .. وعندما دخلت المطبخ ، هجم علي وفعل فعلته .. لا تذكريني لا أريد أن أتذكر..
الحيوان اغتصبني كأنني لا أعني له شيئا ، كأنني لم أكن ابنته.
ثارت ثائرة أختها عفاف..
– ألم تستطيعي الإفلات منه؟.
– انهزمتُ يا عفاف، فقدت كل قدرة على المقاومة لم أتوقع أن تأتيني الضربة من الخلف، من الجهة التي أثق بها، كنت مثل الجندى الواقف على الجبهة فيفاجأ بالقصف من الحلف من رفيق سلاحه فلا يعرف ماذا يفعل وعلى من يطلق النار.
عندما يكون المجرم أبي الذي عشت معه عشرين سنة فماذا عساي أن أقاوم؟!.
هول الجريمة فأجاني ، قتلني، قتل كل ذرة مقاومة عندي، إحساس المناعة فى عقلي تفتت مثل المصاب بمرض الإيدز.
الوحش المجرم قال لي:
– غداً سوف تتزوجين ولن يشعر أحد بالجريمة.
انتهيت يا عفاف ،لم أعد أحب الحياة. أتمنى الموت ، أتمنى الموت الآن.
صمتت ثم قالت ودموعها لم تتوقف..
– ذهبت إليه ، لعدنان خطيبي أو زوجي الذي كنت سأزف عليه غداً، كنت أتوقع أن يضمني لصدره يحميني، يخفف عني، كنت بحاجة إليه في تلك الفترة، فكم قال لي أنه يحبني، وكم غنى لي أغاني الحب والهيام.
أتدرين ماذا قال لي..؟
– أنت طالق يا باسمة ، أريد كل ما اشتريته لك.
ردت عليها عفاف على الفور
– الحيوان النذل ، هؤلاء الرجال مجرمون، هم القتلة دائما ونحن الضحية، ما الفرق بينه وبين أبيك؟ ثم ضربت الطاولة بيديها فوقعت الكأس على الأرض لا فرق بين أبيك المجرم وزوجك الذي كافأ أباك بدلا من حمايتك والدفاع عنك وتعويضك الحنان. جريمتان بشعتان فى يوم واحد؟ والضحية نفسها لماذا يا رب؟ لماذا كل هذا الظلم يا رب؟.
صمتت ثم أكملت حديثها
– عشرون عاما وأن أدعوك أن تعاقبه بداء السرطان فلم أر شيئا، عشرون عاما وأنا أعاني مثل أختي الآن، عشرون عاما وأنا أبكي من الداخل وأقول يارب انتقامك فلم أر شيئا، وها هو نفس الأب المجرم يغتصب ابنته الثانية، بعد أن اغتصبني قبلها ودمر حياتي ولم يزل.
كلما أتذكر صورة هذا الوحش يلقي بجثته النتنة فوقي أحس بزلزال كبير يصيب كل ذرة في جسمي، لا أعرف كيف أصف لك مقدار الألم النفسي الذي أعيشه وأنا أقارن بين أب كان يحملني صغيرة يلعب معي وأب ارتكب جريمته البشعة معي.
لا أستطيع أن أرى صورتين لنفس الشخص، هي صورة لا غير ، صورة حيوان متوحش يكشر عن أنيابه وهي نفس الانياب التى كان صاحبها يلعب معي بها وأنا صغيرة.
نظرت في عيني باسمة وقالت بعد تفكير:
– اهدئي يا حبيبتي، تعالي أغسلي وجهك واستريحي قليلا لابد من عمل ما.
دخلت عفاف غرفة نومها ،وأخرجت مسدس زوجها المخبأ في مكان سري، عبأته بالرصاص ووضعته فى حقيبتها الصغيرة ثم خرجت لتقول لأختها: انتظري هنا فىالبيت وعندما يعود الأولاد بعد المدرسة تظاهري بأن كل شيء عادي .
– وصلت عفاف بيت والديها،قرعت الجرس، ففتح الأب الباب ، لم تكن أمها قد وصلت بعد.
استقبلها أبوها قائلا:
– أهلا عفاف ، منذ مدة طويلة لم تزورينا ، تفضلي جئت في الوقت المناسب.
بعد أن دخلت بدأ أبوها يتمتم بينه وبين نفسه
جاءت برجليها ، يبدو أنه فرح كبير فعلاً ، لقد امتلأت عفاف بعكس أختها، لكنها لا زالت تحتفظ بشبابها، ليس مثل أمها الخرفانة.
هذه ابنتي وهذا حقي ، لماذا أربي البنت عشرين عاما لينعم بها غيرى؟
– تفضلي يا عفاف اجلسي .
عرفت عفاف ما يدور بخلد أبيها، فهي تعرفه جيداً الآن، جاءت لتصفية الحساب معه.
قالت له بغضب:
– ماذا فعلت بباسمة.
ضحك..
– لاشيء غريب ، مثلما يفعل كل الرجال .. ها ها ها..
– أترتكب جريمة وتضحك؟.
– اخرسي، أية جريمة، أنا أبوك ،وأنت جئت مني ، من هنا، وأشار بيده..
استشاطت غضباً..
– أنت لست أبا ، أنت أحقر رجل في التاريخ، حتى هتلر كان أكثر رحمة منك.
– وماذا يهمك أنت؟ هل جئت لتحلي محلها؟.
– يا كلب، لقد جئت لأصفي حسابي معك
– معي كيف ستغتصبينني؟.
وقف وبدء يخلع بنطلونه رويداً رويداً كأنه في فيلم سينمائي..
فتحت الشنطة ، وضعت يدها اليمنى فيها، رمى بنطلونه على الكرسى واستدار نحوها. أخرجت مسدسها من حقيبتها.. وصوبت المسدس إليه.
ارتعب ، غابت الضحكة عن وجهه ، تغير لونه قال لها:
– ما هذا أتقتلين أباك لأنه يمزح معك؟.
– هل خفت أيها الحقير الكلب؟.
– أخرسي ، هذا المسدس هو الذي يحميك مني الآن لكن ستدفعين الثمن غالياً.
– ليس قبل أن تدفعه أنت؟.
– كيف من يجبرني ؟! أأنت؟.
– ألم يهتز لك ضمير وأنت تقتل ابنتك بيديك؟ ألم تعرف أن زفافها غداً؟.
– ضعي المسدس جانبا وسوف نتفاهم.
– نتفاهم على ماذا ؟ هل بقي شيء لنتفاهم عليه؟.
من يعيد البسمة لباسمة؟ من يعيد لها شرفها من يغسل عارها أيها الحقير؟.
قال لها بعد أن رأى الشرر بعينها.
– إن الله غفور رحيم. ثم يمكن إصلاح ذلك أعرف طبيبا يمكنه أن يعيد غشاء البكارة كما كان.
ضحكت بأعلى صوتها..
– غفور رحيم؟.
– منذ متى اكتشفت ذلك؟.
– الآن، أعلن توبتي ، سامحيني، اتركيني لله ليعاقبني؟.
– ليس قبل أن أعاقبك في الأرض.
– ستدخلين السجن يا عفاف..
– السجن أهون من الجروح التى خلقتها فى نفسي وفى نفس أختي باسمة.
– خذيني للشرطة ،دعيهم يعاقبونني ، سأعترف أمامهم بما فعلت.
– وماذا سيحكمون عليك، عشر سنوات، عشرين سنة، ثم يخصمون نصفها بعد ذلك بسبب حسن السلوك و.. و.. و..
– هذا لا يكفي ليداوي جرحنا الذي سيعيش معنا كل ثانية، كل يوم وكل لحظة، إنه كابوس أبدي لن يموت إلا بموتنا.
– وماذا ستفعلين بي ؟.
– سأعاقبك على قدر جريمتك؟
– وبماذا حكمت علي؟
– الإعدام؟
صرخ بأعلى صوته
– ماذا تقولين؟أولادك بحاجة لك؟.
– أيهمك أمري ياحيوان.
– طبعا يهمني.
– ولماذا فعلتها؟ لماذا ارتكبت جرائمك؟. لماذا اغتصبت ابنتيك؟.
أهذا كل ما كان يمكنك تقديمه لنا ، أختي خسرت زوجها الكلب مثلك وأنا أضطررت أن أتزوج رجلا كان محسوبا على الزعران وتجار المخدرات .
قالت له وهي ترمقه بنظرات أخيرة
– هل تعلم أن قتلك لن يشفي غليلي؟ أريد أن أمزق لحمك وأشويه على النار وأنت حي لترى كيف تحرق في الأرض قبل أن تحرق غدا في نار جهنم.
أيها الأب المجرم، أيها القاتل لن أتركك تنعم بالحياة بعد الآن.
رفعت يدها للأعلى وصوبت مسدسها نحو صدره وضغطت على الزناد.
– طلقة ، اثنتان..
سقط على الأرض، ثم تابعت الثالثة في رأسه والرابعة بين رجله. ..
لفظ أبوها أنفاسه الأخيرة ، بقيت طلقة صوبتها باتجاه رأسه مرة أخرى وأطلقتها ففجرت بها رأسه.
كانت عفاف تفرغ مع الطلقات آلامها وعذابها طيلة عشرين سنة مضت، اغتصبها وعمرها 15 سنة، كانت تنتقم ليس فقط لنفسها ولباسمة وإنما لكل الضحايا المعذبات فى هذا العالم.
كانت تفرغ فيه كرهها لكل الرجال مثل عدنان زوج أختها الذي تخلى عنها عندما كانت بحاجة له، نسي عدنان كل حبه لباسمة ، نسي عندما كان يطاردها أيام المدرسة ويرسل لها رسائل الغرام، نسي عندما كان سيقتل أحد الطلاب لأنه تجرأ وحاول مغازلتها.
الرجال يمارسون جرائمهم مرتين مرة حين يغتصبون المرأة ومرة حين يتخلون عنها بعد اغتصابها.
أعادت عفاف المسدس إلى حقيبة يدها، خرجت من الشقة وأغلقت الباب،سألها الجيران هل حصل شىء عندكم؟
– لا ،لقد كان هذا صوت التلفزيون كنا نحضر فلما بوليسيا.
–
لم يصدق سكان العمارة القصة لكنهم لم يشكوا بأن ابنة صاحب البيت قد قتلت أباها. ذهبت عفاف للبيت، كانت باسمة والأولاد بانتظارها .
– هل تناولتم الغذاء؟ سألت عفاف أولادها الثلاثة؟.
– نعم
– أذهبوا الآن لبيت عمكم وسألحق بكم بعد قليل؟.
– حسنا، هل سنسهر عندهم؟.
– طبعا سهرة طويلة ، قبلتهم جميعا، ضمتهم لصدرها ،كأنها تودعهم.
بعدما غادروا البيت قالت لباسمة.
– عزيزتي ، لقد انتقمت لك، انتقمت لنفسي لما فعله بي أبوك منذ عشرين سنة، لقد قتلته.
فغرت باسمة فاها وقالت
– وهل مات؟.
– طبعا قلت لك قتلته وليس جرحته.
فبكت باسمة
– وهل سيسجنوك الآن؟.
– لا تخافي علي سأكون بخير، حافظي على أولادي بغيابي وبلغي زوجي عندما يعود، لا تقلقي فزوجي المحسوب على الزعران لديه رحمة أكثر من كثيرين يدعون أنهم أهل الشرف والكرامة، سوف يقف معي ومعك ولن يتركنا فريسة لأحد أما أنت فبإمكانك أن تعيشي مع أمي فلم يعد يعيش معها ذلك الحقير.
أعرف ما يعنيه لك ذلك البيت، انتقلوا للعيش فى شقة أخرى، قبلي أمي عني، سأذهب لكي أسلم نفسي للشرطة.
– لماذا لطخت يديك بدم وسخ؟ كان عليك أن تتركيه لربه ليحاسبه، فأولادك بحاجة لك.
ثم ألقت برأسها على كتف أختها، تعانقتا طويلا وقالت لها قبل أن تغادر البيت يا باسمة؟؟
– عشرون سنة وأنا أدعو الله أن ينتقم لي!
عشرون عاما وأنا أتألم كلما تذكرت الجريمة.
عشرون عاما وأنا أقول يا رب خذ حقي منه
- إن الله يمهل ولا يهمل قالت باسمة
- لا يهمل أكثر من عشرين سنة ، اليوم عرفت لماذا لم يستجب الله لنا، هل تعرفين يا باسمة لماذا؟
– هزت باسمة رأسها نافية علمها بالجواب.
فقالت عفاف:
– لقد اقتنعت اليوم أن الله كان يصرخ فينا ويقول دافعوا عن أنفسكن ، انتقمن من القتلة
صمتت ثم قالت:
– أنه يقول لنا: قبل أن أعاقب المجرم في السماء عاقبنه في الأرض . لو عاقبته قبل عشرين سنة لما حل بك ما حل من ظلم واضطهاد ..
وداعا .. ثم بكت..
– وداعا قالت باسمة، الله معك يا عفاف.
حكمت المحكمة حضوريا على المتهمة عفاف، المتهمة بقتل أبيها إبراهيم العريان بالسجن لمدة 8 سنوات.
– يحيا العدل ، صاحت إحدى الجالسات بالمحكمة فصرخت عفاف.
– أين العدل ؟
فرد عليها المحامي
– يا عفاف أنت متهمة بجريمة قتل عقوبتها السجن المؤبد.
فردت عليه
– ألا يستحق الإعدام؟.
– لا يستحق الإعدام حسب القانون ولو استحق الإعدام فهذه مهمة الدولة وليس الضحية .
– وماذا ستحكم عليه الدولة؟ عدة سنوات يعود بعدها طليقاً وماذا عن الضحية؟ كم سنة ستظل ساهرة لا تغفو لها عين؟
كم إمرأة اغتصبت تركها زوجها أو خطيبها أو حبيبها وحتى أهلها؟.
كم فرد في المجتمع سيجعلها حديثه اليومي ويتهامس عليها المجرمون؟.
لا هذا ليس عدلاً.
ثم صرخت كلماتها الأخيرة قبل أن يسحبوها من المحكمة:
على حكومات العالم أن تغير قوانينها لنصبح المرأة الضحية التي تغتصب هي القاضي الذي يحاكم المجرم ويصدر العقاب المناسب عليه وينفذه بالطريقة التي تشفي غليلها.
التاريخ | الاسم | مواقع النسيج | مشاركة |