كل شيء جائز من أجل مصلحة الأحزاب والحركات السياسية
أعلام الأحزاب أكثر من أعلام فلسطين
الخميس ٢٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠٠٤
بقلم عادل سالم

يعتقد الناس العاديون البعيدون عن السياسة بأن كل السياسيين والحزبيين إناس شرفاء يعملون من أجل الوطن ويسهرون على راحته وينظرون لهم نظرة احترام وتبجيل غير مدركين أنهم يضحكون على أنفسهم لأنهم أمام مجموعة من الناس يهمها مصالحها ومراكزها مثلها مثل أي شركة تجارية تريد أن تحتكر السوق وحدها . التجار أيضا وطنيون ويهمهم مصلحة الوطن ويعملون دائما لتحسين اقتصاد البلد وتطوير وضع الناس الاقتصادي لكن على أن لا يتضارب ذلك مع مصالحهم الاقتصادية، يحاربون البضائع الاسرائيلية إن كانت تعطل بضائعهم الوطنية والا فاستيراد البضائع من إسرائيل يصبح شرعا حتى لو كانت اغذية فاسدة من مخلفات المستوطنات الاسرائيلية كما فعل أحد وزراء السلطة في حينه ابوعلي شاهين من غزة قبل عدة اعوام دون ان نسمع عن قيام السلطة بمحاسبته أو عزله من منصبه .

هذا الوزير كان في السجن الصهيوني في سبعينات وثمانينات القرن الماضي وأحد أبرز قادة الأسرى الفلسطينيين في السجون الصهيونية، يقود نضالهم ضد إدارة السجون وعندما أصبحت مصلحته تتطلب أن يبيع بضائع صلاحيتها منتهية للشعب الذي دخل السجن لأجله لم يتوان عن ذلك أبدا .

فالسياسيون والحزبيون لا يختلفون عن تجار الوطن في شيء اللهم في أن بضاعتهم تختلف عن بضاعة منافسيهم، من تجار الملابس أو الاغذية مع أن بعضهم يمارس المهنتين وخصوصا الوزراء ومسؤولي الأجهزة الأمنية الذين يبررون ذلك بأنهم يعملون على توفير الأموال لأجهزتهم الأمنية لكي تقوم بدورها في حماية الشعب من اللصوص والجيش الاسرائيلي مع أنها اي الأموال تذهب لحساباتهم في سويسرا وغيرها من البلدان .

كل حزب مهما كان حبه للوطن يهمه موقعه في خارطة الوطن وفيما بعد في الحكم، وهو لذلك يمارس كل أنواع الزيف والخداع تحت مسمى التكتيكات من أجل بيع شعاراته للناس لكي يلتفوا حوله لتحقيق مكاسب حزبية ضيقة .

ومثلما يتصارع التجار ويتضاربون والكبير يبلع الصغير كذلك في العمل الحزبي والسياسي، حتى أعضاء الحزب الواحد من الممكن أن يتصارعوا وينقسموا ويصبح كل منهم عدوا للاخر من أجل تفاهات شكلية لا علاقة لها بالشعب ولا بالوطن الذي يعملون من أجله .

كل حزب مستعد أن يتحالف مع أي حزب يحقق له المزيد من المقاعد وليس فقط المزيد من خدمة الناس . وكل سياسي مستعد إقامة الولائم والتوسط لهذا وذاك عند الرئيس ليكون على قائمة المنتفعين في أول فرصة تلوح في الأفق .

إن كان صديقك لصا عاديا فحافظ عليه ، فقد يتوب يوما ما ، أما إن كان سياسيا أو حزبيا أو حركيا فاحذر منه فقد ينقلب ضدك يوما ما لان مصالحه تتطلب ذلك .

إذا خرجت مسيرة في شوارع فلسطين فانك تقرف حتى التقيؤ وأنت ترى عشرات بل مئات الأعلام الحزبية حتى يخيل لك أنك في الصين أو غواتيمالا إلى أن يساعدك الله وترى بين الجموع متظاهرا شهما أبى إلا أن يحمل علم فلسطين ليشاهد الناس في العالم الاخر أنها مظاهرة من أجل فلسطين، وليس من اجل الاحزاب ، بينما لو سارت مظاهرة في أوروبا من أجل فلسطين نرى عشرات الاعلام الفلسطينية ترفرف وحالها يقول : أنا فلسطيني أرحب بكم .كل حزب يريد أن يسجل أمام عدسات الكاميرات أنه موجود وأنه الأكبر ـ طز ـ .

في فلسطين تتبارى الأحزاب في أيهم يلتقي مع الوفود الأجنبية ليمرر من خلالها مشاريع اقتصادية وهمية لأعضائه أو أصدقائه أو أقارب أحد قياداته ، وإن سالتهم عن ذلك قالوا أنهم يساعدون الشعب في تطوير اقتصاده المتدهور .

في العمل الحزبي قد تصارع أخاك أو أباك وقد تمارس كل انواع الكذب واتهام الاخرين ، كل حزب يتهم الاخرين بأن برامجهم هي الأسوأ وأنهم هم الأفضل وأن الآخرين قادوهم للهزائم .دون أن يكون لهم أنفسهم أي دور .

إن كنت حزبيا وتركت الحزب ياويلك وسواد ليلك ، فانت :
 انتهازي ومنهار ومتساقط .
 تركت الوطن والوطن بحاجتك .
 مشبوه .
 أفكارك رجعية .
 تخليت عن رفاق وإخوة الدرب ودم الشهداء والجرحى .
 لا تستحق شرف العضوية .
 أنت صاحب نفس قصير لا يهمك الوطن
 أنت تافه لا تستحق شرف أن تكون صديقا لأحد .

وعندما تكون عضوا في تنظيم كبير أ تعرف أحدا من تنظيم عامر بالأبوات فانت حر أن تكسر القوانين وتعتدي على الناس وأن تغازل هذه وتلك ، حر في أن ترفع رأسك مغرورا ، حر في أن تسكر ليلا وتعربد وأذا أراد أحد أن يقاوم عربدتك، لا عليك بإمكانك أن تستدعي أصدقاءك في الحزب او الحركة ليلقنوه درسا لن ينساه .طبعا عليه أن يعلم أك ابن الحركة أو الحزب وأهانتك أهانة لكل شرف الحزب .

أن كنت عضوا في الحزب وشكت أختك لك أن زوجها يغلبها لا عليها فبامكانك أن ترسل له بعض الأنصار ليلقنوه درسا لن ينساه كيف يعتدي على أخت مناضل شهم ؟! يبدو أنه غبي .

على الناس أن يتعلموا كيف يحترمون أعضاء الأحزاب والحركات لأنهم يناضلون من أجل الوطن .

أما إذا ذهبت لتل أبيب وصادفت أيا من المناضلين في سوق الشراميط في تل أبيب (شراميط روسيا واوكرانيا) فلا تغضب ولا تستغرب فسيقول لك أنهن يهوديات ويضحك وكأنه هناك ينتقم من الاحتلال في نسائه، يعني نضال وطني وما يدريك فقد يكون في مهمة وطنية يتجسس على الأعداء ويتحسس مواقع ضعفهم ، واذا رأيت عضوا في حزب يسكر مع أصدقائه وزجاجات الويسكي تملا طاولته فلا تستغرب لأن النضال يتطلب إراحة الدماغ . وماذا يعني شرب الويسكي في النضال الوطني ؟! فكما يجوز للشاعر ما لا يجوز لغيره في اللغة فان عضو الحزب عندنا والسياسي يجوز له ما لا يجوز لغيره .

دفع الخاوة للحركة أو لمسؤول أمني أو شرطي أو قيادي ليس حراما لانك تدفعها لأبناء وطنك الذين يحموك من الزعران أو يتوسطون لك في منصب وإذا قررت عدم الدفع لا مانع، فسوف يسلطون الزعران عليك ليضربوك أو ليخربوا مطعمك أو محلك التجاري، أو لتتهمك أجهزتهم الأمنية أنك جاسوس. ليس بالضرورة أن تكون جاسوسا رسميا تنفذ أوامر أحد ضباط الموساد بل قد تكون جاسوسا في أفكارك التي تزرعها في رؤوس العباد .

في الانتخابات لا تسال ماذا يجري فكل التزييف مشروع من أجل مصلحة الحزب ، ولماذا نشعر بالخجل من ذلك ، مصلحة الحزب هي مصلحة الوطن .والوطن بدون حزب وطن ضايع مع أنه ضاع منذ خمسين سنة .

حتى الأغاني أصبحت معظمها للأحزاب وقادتهم وليس للوطن والناس، ليست للاشجار الشامخة ولا لكرم العنب ولا لجفرا بل لهذا الحزب او ذاك ، لهذا القائد او ذاك . فأصبح في قاموسنا القائد الرمز ، والقائد الأب والقائد المناضل ، وعلى رأسها القائد ، القائد المارشال .... الخ ، وهذا يغني لليسار وهذا يغني لليمين واخر يغني فتح وبس وغيرها خس ، اصبحنا خساً آخر الزمان لا فينا برتقال ولا بطيخ . وتسمع غيره يغني احنا حزبك يا لينين ما بنكل وما بنلين مع ان في هذا الوطن أبطال كثيرون يحق لنا أن نفتخر بهم لا في لينين ولا ستالين ، لا تسمع تعليقا على هذه الاغنيات التي غاب الوطن عنها. هذه هي الثقافة التي يعلمها أقطاب الاحزاب لناسهم ، ثقافة فئوية عفنة شربناها حتى الثمالة وانزلقنا فيها مرحلة من الزمن الضائع ، تفوه على هيك ثقافة .

حتى الشهداء تم تقسيمهم فهذا عميد الشهداء وهذا شيخهم وهذا رمزهم وهذا أولهم ، كل حزب أو حركة أو مجموعة يتغني بشهدائه ، وكل حزب ينشر صور شهدائه ويوزع البوسترات عنهم ، أما شهداء الأحزاب الاخرين فلا يجري ذكرهم إلا كخبر صغير وربما يهملون تماما .فالشهداء عند الأحزاب ورقة دعاية وليست قيمة نضالية أو وطنية ، مجرد إعلان يمجد الحزب لا الوطن ولا أبناءه .

أن تكون حزبيا أو حركيا أو سياسيا وليسمح لي بعض الناس الشرفاء في أحزابهم ، أن اقول يعني ان تكون كذابا، أن تكون منافقا وأن تكون عاهرا تمارس مهنة الدعارة واقصد الدعارة السياسية، وهي لا تختلف عن الدعارة الجنسية بشئ الا بنوع البضاعة . الذين يمارسون الدعارة الجنسية يضحكون على زبون واحد بل ربما لا يضحكون عليه لأنه يدفع مقابل ما جاء من أجله لكن الذين يمارسون الدعارة السياسية يضحكون على شعب بأكمله أو أغلبه ولا يستفيد ابن الوطن شيئا من تجارتهم ولا حتى مضاجعة مومس .

وآه يا وطن

التوقيعات: 0
التاريخ الاسم مواقع النسيج مشاركة