الصفحة الرئيسيةبقايا ذاكرة
ماتت حنان
الاثنين ١٤ آذار (مارس) ٢٠١٦
بقلم عادل سالم

أبرز ما أتذكره صغيرا هو وفاة أختي الأولى والتي جاءت بعدي، لأنني البكر، وكان اسمها رحمها الله حنان وقد توفيت وعمري لم يصل الرابعة بعد، وعمرها لم يصل السنتين، في العام ١٩٦١.

حنان كانت كل ما لي في تلك الأيام فهي التي كنت ألعب معها، لهذا ظلت صورتها محفورة في ذهني حتى اليوم، ربما لو عاشت لما كان لها هذه الحظوة في قلبي. فلدي الآن خمس أخوات وأربعة إخوة، وذكرياتها تثير في الشعور بالبكاء باستمرار.

ماتت حنان

ذهبت أمي مع أختي حنان لزيارة مدينة الخليل التي تبعد عن القدس مسافة 37 كيلو مترا حسب طريق الخليل القديمة أي حوالي 22 ميلا لزيارة أهلها وتركتني في القدس عند والدي، ولكنها عندما عادت بعد أسبوع لم تكن حنان معها فلما سألتها عنها قالت: حنان ماتت.

مرضت حنان في الخليل وبسبب الفقر وقلة المستشفيات الحديثة لم يستطع أحد علاجها فماتت وتم دفنها هناك في مقبرة الخليل الموجودة وسط البلد، في قبر جماعي يدفن فيه الأطفال يسمى «فستقية»، ولا أدري سبب تسميته بهذا الإسم.

لم أكن أعرف معنى الموت في تلك السن المبكرة إلا أنني كنت أبكي يوميا ربما لأنني فقدت من كنت ألعب معها وكانت تسليني في وحدتي، عندما تنشغل أمي عني.

كنت أختبأ خلف سجادة معلقة على الحائط لأذرف الدموع دون أن يراني أحد، فقد كان الأهل يضحكون علي لأنني كنت أسأل عن حنان، لم أكن أجد عندهم جوابا شافيا.

كان أحد أخوالي الذي يسكن معنا في نفس المكان يحاول أن يلاعبني أو يستفزني بقوله: (ماتت حنان، حنان مفيش، حنان بح راحت)، لم يكن يدرك أنه بذلك كان يدمي قلبي وما زلت أذكر تلك الحادثة كأنها حدثت قبل قليل ويرتسم في ذهني ذلك المشهد وصورة المكان، وأين كان يجلس خالي على الدرج وأنا أقف أمامه في مردوان البيت في سلوان (بئر أيوب).

كنا بسبب الفقر نسكن في بيت واحد أربعة عائلات، والدي وثلاث عائلات أخرى وكل عائلة لها غرفة واحدة، أما المراحيض فهي مشتركة وكذلك المطابخ. وهذه العائلات كانت عائلات أخوالي شعبان وعثمان وعبد الله انتقلوا جميعا إلى رحمة الله منذ سنوات، رحمهم الله.

ماتت حنان لكن ذكرياتي معها لم تمت وكل ما تقدم بي السن تقدمت تلك الذكرى للأمام وأصبحت تعيش في الصف الأول من الذاكرة.


تعقيبك على الموضوع
في هذا القسم أيضاً