الصفحة الرئيسيةقصص وسرد
نملات تدخل إلى زنزاتي
الجمعة ٢٧ آذار (مارس) ٢٠٠٩
بقلم عادل سالم

كان وحيدا في زنزانته التي نقلوه إلها في سجن (وسيكا) في ولاية (منسوتا) الأمريكية، عقاباً له لأنه كان نائما عندما جاء السجانون لعدّ السجناء الساعة الرابعة بعد الظهر حيث يجب أن يكون واقفا.

أسبوع كامل مر على وجوده في الزنزانة، لا يعرف متى ينتهي عقابه، لا راديو، ولا تلفزيون، ولا كتاب، ولا جريدة، ولا حتى ورقة، أو قلم، كل ما حصل عليها بطانيتان، واحدة ينام عليها وأخرى يتغطى بها، كان تعبا لكنه لم يكن يعرف كيف ينام، فالنوم على الأرض أتعبه، كسر أطلاعة، لا يرى الشمس، ولا يعرف متى يبدأ النهار، ولا متى ينتهي إلا عندما يأتون إليه بوجبات الأكل.

بعد فترة لم يعد يميز بين الصباح والمساء، فأحياناً يأتون له بالفطور مساء وطعام العشاء بالصباح، لم يعد يعرف متى نام ، ولا متى استيقظ، فكل الأوقات لدية متشابهة، وعندما يسمع أصوات مفاتيح تضرب بأبواب الزنازين يستيقظ مذعورا.

تأمل الزنزانة بعينه، حفظ كل ثقوبها، والخطوط المرسومة على جدرانها، كان يخاطب نفسه بصوت عالٍ.

ما أصعب أن تكون وحيداً لا تجد شيئاً تسلي نفسك فيه! تهاجمك الأفكار، وشماتة الأصحاب، وسخرية الأعداء.

أخذ يسلي نفسه بالغناء، بدأ يغني حتى لم يبق لديه أغنية لم يكررها، استراح قليلا، ثم بدأ يتلو ما بقي عالقا في ذهنه من سور وآيات من القرآن الكريم، كان يكرر السور واحدة إثر أخرى، وقف يصلي، لا يعرف اتجاه القبلة، وكلما سأل السجان عن شيء، نظر إليه باحتقار، وقال له:

 لا أعرف.

كان يصلي كل يوم باتجاه مختلف، ويدعو، لعل دعاءه يصل إلى الله فيستجيب له.

في أحد الأيام، لا يدري متى، فقد اختلطت عليه الأيام، ولم يعد يعرف التواريخ، اقتحم عليه خلوته نملة تسللت من أسفل باب زنزانته، مع أن الباب محكم الإغلاق، يبدو أن السجان عاجز عن منع النمل من التسلل إلى الزنازين، رحب بها مبتسما، كأن الله أرسلها إليه لتنقذه من وحدته القاتلة.

 لا إله إلا الله.

سحب بطانيته ليفسح لها المجال بالحركة، إنها ضيفته وعليه أن يكرمها، كانت لدية قطعة خبز ناشفة، قطعها بيده حتى تفتفتت قطعا صغيرة، ورماها أمام النملة، توقفت النملة قليلا كأنها تومىء برأسها شاكرة له، تقدمت إلى الخبز، حملت قعطة تكاد لا تُرى وجرّتها إلى خارج الزنزانة، وبعد قليل عادت مع مجموعة من النمل.

يا لهذه النملة! كيف استطاعت أن تقنع جماعتها بهذه السرعة؟

فرك يديه فرحاً، وبدأ يحدث النمل، كأنه يحث أصدقاءه، هجم النمل على قطعة الخبز ينقلها إلى خارج الزنزانة.

لوعرف السجانون بيت النمل لأغلقوه بالتأكيد، لكن لا، لن أخبر السجان عنه، هذا النمل أنيسي الوحيد في هذه الزنزانة، خرج النمل منسحبا من الزنزانة بعد أن سحب آخر قطعة على الأرض، وسمير يراقب ذلك بسرور.

انتظر قليلا فإذا بنملة عادت وحيدة، دارت دورة كاملة، تبحث عن طعام جديد فلم تجد شيئا، فعادت من حيث أتت ولم يعد يراها بعد ذلك.

انتظر ساعة، ساعتين، يوماً، لم يعد يرى النمل مرة أخرى.

غضب من النمل، وقال لنفسه: لعل النمل وجد غذاء أفضل في زنزانة أخرى، لقد أخطأت، كان يجب أن أُبقي بعض النملات رهائن عندي، حتى النمل تركني وحيدا ولم يعد.

فجأة بدأ يضحك بصوت عالٍ، ويقول لنفسه: يبدو أن النمل مثل بعض الأصحاب والأهل، عندما لم يعد لهم مصلحة عندي، تخلوا عني.

ها ها ها، ظل يضحك بصوت عال حتى سمع صوت المفاتيح تضرب الباب، فتح الزنزانة سجان طويل، ضخم الجثة، قال له:

 الحقني

خرج سمير سعيداً لأول مرة بعد شهر داخل تلك الزنزانة، فقد انتهت مدة عقابه، وحان الوقت لعودته إلى غرفة السجناء.


تعقيبك على الموضوع
مشاركة منتدى:
نملات تدخل إلى زنزاتي
الخميس ٣٠ نيسان (أبريل) ٢٠٠٩
بقلم يوسف

تحياتي عادل

تجولت في حديقة أزهارك
وجدت فيك الفلسطيني العربي الإنساني
ذو الفكر التنويري الأممي

قصتك جد معبرة عن عمق القهر
لك مني
التقدير والحب
يوسف




الرد على هذه المشاركة

في هذا القسم أيضاً