الصفحة الرئيسيةظلال الياسمين
قصيدة النثر تشبهني فهي بسيطة حينما أكون بسيطة
حوار وردي مع الشاعرة ليلى أورفه لي
الاثنين ٢٧ آب (أغسطس) ٢٠٠٧
بقلم عادل سالم

عندما التقيتها في كانون الثاني 2005 في احتفال ديوان العرب في القاهرة بدت لي كوردة زاهية الألوان تعشق جداول الماء لتعيش على جوانبها لكي تتفتح أوراقها بألوانها الجميلة، وتنتشر رائحتها الزكية في حقول الأدب والشعر العربيين، ، فقد أخذت من الصحراء العربية اسم ليلى بما تحمله من معاني الوفاء، والمشاعر الجياشة بالمحبة، والنقاء، وأخذت من شمال سوريا الرقة، والعذوبة، وسحر روحها، ورقة كلماتها، أما من مدينة [*أورفه *] التي تعود بجذورها لها والتي جعلتها الحرب العالمية جزء من تركيا فقد ورثت ذاكرة الجدات والأجداد وبصيرة ثاقبة، تشعر وأنت تجول في عينيها أنك تقرأ أفكارها حتى قبل أن تستمع إلى أشعارها وهي تقرأه بصوتها الناعم فكيف لو كانت الموسيقى تصاحبه.

بعد عامين ونصف من لقائنا الأول اقتحمت صومعتها في سوريا وأجريت معها هذا الحوار رغم انشغالها، وكثرة مشاغلها، خصوصا وأنها تعد العدة لإصدار ديوان شعر جديد بعد دواوينها السابقة.

حوار الشعراء ليس كحوار السياسيين، فهم أشبه بالورود التي تنبت وسط الأشواك، وحتى تصلهم عليك اجتياز الأشواك إما بالقفز عنها أو بالدوس عليها.
لهذا كان الموسيقار الراحل محمد عبد الوهاب يغني دائما، علشان الشوك اللي بالورد بحب الورد.
هكذا إذن العشاق يحيون الورد لأن أشواكه تجرحهم، وكأنهم أدمنوا على الجراح؟

 الشعراء يتغنون دائما بالألم المصاحب للحب، ويتلذذون بمصائب الحب، ويعشقون من طرف واحد، أين ليلى أورفه لي من كل هذا؟؟
  الألم دائما يدفع الإنسان إلى ابتكار وسائل مختلفة للتخفيف منه، فتجد المحزونين دائماً تواقين للتخلص من أحزانهم فأحدهم يرقص مذبوحاً من الألم، والآخر يسكر وهناك من يغنّي.. أو يصرخ.. أو يبكي.. أو يجري.. أو يمارس الرياضة أو اليوغا ليخفف من ألمه، أما الشاعر كإنسان فهو يبكي ويرقص ويغني ويجري في قصيدته وتجده يرسم أحزانه بكلماته، وتجد عناوين دواويني

"رسائل من أوراق الدمع "،
"محترقة بالورد "،
تأكيداً على مقولة أن الألم يصنع الإبداع، وحين تجدني أقول :

لصوتي حفيف الشوك
وأنا أتجرع جمر النوى
وأحترق بالضوء
أدخل أبدية الموت
وتلبس قبلاتي ثوب اليتم

قد تعتقد كما تقول أني أتلذذ بمصائب الحب لكن الأمر ليس كذلك،إنما هو محاولة لوصف الألم الذي يعيشه الشاعر بطريقة ربما تكون جميلة، أما الحب من طرف واحد فهو حال الكثير من الناس وليس الشعراء فحسب.

 الأفكار العامة للقصيدة اختلفت من الماضي إلى الحاضر، فقد انتشر في القرن الماضي شعر الرومانسية، ومثلته جماعة أبولو خير تمثيل ومنهم الشاعر الراحل إبراهيم ناجي، هل أنت مع شعر الرومانسية، وأين وصل هذا الشعر اليوم؟؟
  أظن أن شعر الرومانسية قد تراجع عما كان عليه في عصر الرومانسية. وبرأيي السبب يعود إلى أن نظرة الشاعر لعلاقة الحب اختلفت، فلم تعد الحبيبة ذاك القمر البعيد الصعب المنال، ولم يعد الحبيب ذاك القادم على فرسه الأبيض... لكن روح الرومانسية في الشعر لم تختف.. وهي تظهر أكثر ما يكون في قصائد الحب.. والأمثلة كثيرة لا مجال لها الآن.
 ليلى أورفه لي تكتب شعر النثر، لماذا ابتعدت عن الشعر الحر؟
 لأن قصيدة النثر تشبهني فهي بسيطة حينما أكون بسيطة.. وغامضة حينما يكتنفني الغموض، وتلفني الأسرار، وهي سريعة كالومضة حينما تكون لحظاتي نزقة، أما الشعر الحر الذي تقول عنه فهو ليس حراً لأنه بقي مقيداً بالأوزان رغم تحرره من البحور لأنه بقي أسير التفعيلة وحريته كامنة في اختيار أكثر من تفعيلة في القصيدة الواحدة، أما قصيدة النثر فهي القصيدة الحرة الحقيقية لأنها تحوي كل نزق الشاعر وجميع انفعالاته وحالاته دون قيد أو شرط...

 أين وصلنا في الساحة الثقافية العربية في مسيرة النهوض بالحركة الثقافية؟ هل قطعنا خطوات متقدمة أم لا زلنا نراوح مكاننا؟
 أجد أننا في الساحة الثقافية العربية لم نستطع التأسيس لثقافة عربية معاصرة تسهم في جعل المواطن العربي يؤمن بوطنه، وينظر لمستقبله بإشراق رغم اتباع الأساليب الحديثة في الكتابة بمختلف الأجناس الأدبية، لأن الثقافة غير الكتابة كما تعلم، لذلك أقول أننا للأسف في موقع أسوأ من مراوحة المكان، إننا في موقع نسير فيه ثقافياً إلى الخلف لأننا نندفع في دروب تؤدي بنا إلى مزيد من الهزائم والفتن والحروب... ولو قرأنا تاريخنا الثقافي جيداً لوجدنا أننا نعود ثقافياً إلى عصر الانحطاط، بحيث تذهب جهود المبدعين الذين يقرعون أجراس الخطر سدى.

 دور المرأة في المشهد الـثـقافي العربي، هــل وصــل إلى ما تـــطمح إليـه ليلى أورفه لي؟؟
 المرأة فرد في المجتمع العربي وموقعها في المشهد الثقافي لا يخرج عن الإطار الذي تحدثنا عنه في السؤال السابق، لدينا العديد من المبدعات العربيات في العصر الحديث، وهكذا كنا تاريخياً أيضاً، لكن التغيير النوعي الذي طرأ على دور المرأة في المجتمع العربي لا يستهان به أبداً وهذا ما أتاح ظهور العديد من المبدعات العربيات اللواتي أثبتن أنهن قادرات فعلاً على الارتقاء بالمشهد الثقافي إلى مستوى أكثر إنسانية،ويكفي أن أذكر الأديبة الدكتورة نوال السعداوي على سبيل المثال لتدرك ما أعنيه، لكن طموحي هو أن تصل المرأة العربية إلى موقع صنع القرار، وبذلك نستطيع البدء لتأسيس مجتمع عربي يسير في ركب التقدم الإنساني ولا تضيع جهود كل امرأة قالت لا حينما أرادوا منها أن تقول نعم.

 الشاعر العربي دائما يتغزل بحبيبته، لكن الشاعرة العربية نادرا ما تفعل ذلك، لماذا؟ أهو خوفا من الأهل؟ أم لكبرياء لدى الشاعرات؟ وهل في العشق كبرياء؟
 هذا إجحاف بحق الشاعرة العربية فهي دائمة التغزل بالرجل، ولو أردت طرح الشواهد فلن يتسع المجال للجميع هناك كوليت الخوري، غادة السمان، سعاد الصباح والكثيرات غيرهن... قد تكون طريقة الشاعرة في الغزل مختلفة عن طريقة الشاعر الذي يتغزل بجسد المرأة بينما الشاعرة تذهب إلى أعمق من ذلك ولا أدري ماذا ترى في قولي :

" شهيٌ أنت كالمطر
كالغابة البكر
تنبض بالأيام الأولى للتكوين
تزرع في الضفة الأولى من عيني
إيماءة سحر
وتُنبتُ في الضفة الأخرى
غابة صنوبر...........

 ما رأيك باتحاد الكتاب العرب؟ هل استطاع أن يوحد فعلا المثقفين العرب وينهض بهم للنهوض بحالة التخلف التي نعيشها؟
 اتحاد الكتاب العرب لا علاقة له بالنهوض ثقافياً ولا مجتمعياً ولا سياسياً، ولو كان له دور فعلاً لما كان المشهد الثقافي العربي على ما تراه الآن.

 قراء الأدب والشعر في العالم العربي في تناقص، كيف تفسرين ذلك؟
 القراءة بشكل عام في تراجع في الوطن العربي هذا صحيح والسبب يعود بنظري إلى الاتجاه إلى الانترنيت بالنسبة للشباب الذي يهدر الكثير منهم كل الوقت وليس بعضه دون فائدة لأنه مقتصر على الشات والكلام الفارغ هذا أولاً، وثانياً ارتفاع سعر الكتاب بالنسبة للدخل كما هو الحال في سورية، وثالثاً انشغال الناس بأعمالهم سعياً وراء لقمة العيش لدى شريحة واسعة من المجتمع في غالبية الدول العربية وليس في سوريا فقط.
 الحركة الأدبية السورية هل هي بخير؟ ماذا تقترحين عليها؟
 الحركة الأدبية السورية يمكن أن تكون بخير أكثر فيما لو التغت المحسوبيات في جميع الفعاليات الثقافية.
 ما آخر أخبارك الأدبية؟
 أحضر الآن لنشر ديواني الجديد "معه" كما تم الاتفاق مع الفنانة السورية "هاسميك قيومجيان " لغناء قصيدتين هما " خبر " و "بعدما تمضي" بالتعاون مع الفنان علاء الملوحي.
 نلاحظ هجرة كبيرة للمثقفين المسيحيين من الدول العربية خصوصا سوريا ولبنان، والعراق؟ لماذا يا ترى؟ هل يشعرون بالتمييز؟ هل الاقتصاد السبب، أم الدين؟
 هذا صحيح والسبب هو الحالة الاقتصادية السيئة فنحن في سوريا لا نشعر بهذا التمييز بسبب الدين... أما العراق ولبنان فظروفهما مختلفة تماماً، ونظراً لأن المسيحيين يستطيعون الاندماج في المجتمعات الغربية أكثر لأنهم لا يجدون الكثير من الاختلاف في بعض الطقوس المتعلقة بالممارسات الدينية والأعياد والأعراس..إلى ما شابه ذلك تجدهم قادرين على التأقلم أسرع من سواهم، إضافة إلى أن المجتمعات الغربية تقدم لهم الفرصة للعمل والنجاح أكثر من مجتمعاتنا الفقيرة أصلاً وغير القادرة على استيعابهم لأنها متخلفة اقتصادياً واجتماعياً وثقافياً.
- متى تحبين أن تكتبي الشعر؟
 أحب الكتابة في كل وقت، ولكني لست قادرة على الكتابة في كل وقت، وبشكل عام فأنا اكتب إما في الصباح الباكر جداً، أو بعد منتصف الليل حسب رغبة القصيدة في موعد قدومها.
 هل تقرئين لشعراء عرب؟ أيهم أقرب لقلبك من غيرهم؟
 أقرأ للعديد من الشعراء والأدباء العرب وجميعهم أقرب إلى قلبي، وإذا أردت الأقرب فهما الشاعر " باسم الهيجاوي" والشاعر "حلمي الريشة ".

 هل تحبين كتابة الشعر في جو هادئ أم على صوت موسيقى ناعمة، أم لا وقت محدد لذلك؟
 أكتب عادة في وقتين متناقضين إما في الصباح الباكر حوالي الخامسة صباحاً وبهذا الوقت أستمع إلى الفنانة القديرة فيروز، أو بعد منتصف الليل بعد استماعي لبرنامج " الليل والشعر موعدنا" الإذاعي وأكون مأخوذة بأجواء الموسيقى الناعمة التي يبثها البرنامج وغالباً ما استمع بعده إلى الموسيقى الكلاسيكية، أو إلى موسيقى الزن حسب الحال الذي أكون فيه.

 ماذا تقدمين من نصائح للشعراء الشباب؟
 الجرأة في الطرح... وقول ما لم نقله حتى الآن.
 هل من اقتراحات لديوان العرب؟؟
 أتمنى لديوان العرب المزيد من التقدم والنجاح، وأقترح عليها إجراء مسابقة لقصيدة النثر ضمن مسابقاتها المقبلة. ولحضرتك جزيل الشكر.


تعقيبك على الموضوع
في هذا القسم أيضاً