الصفحة الرئيسيةبقايا ذاكرة
سامحني يا ولدي
الأربعاء ٨ آب (أغسطس) ٢٠٠٧
بقلم عادل سالم

[**أولادي الأعزاء، أحبائي ...*]

إذا رن جرس الهاتف يوما، وكان على الخط الآخر صديق ينعي لكم أباكم في الغربة، فلا تحزنوا، ولا تبتئسوا.
لا تشغلوا أنفسكم كثيرا بقبري، وأين سأدفن فكل القبور بعد الممات أوطان متشابهة.
ولا يهم أين ترقد جثتي، لأن روحي ستلحق بكم أينما كنتم، لتدفع عنكم شرور هذا العالم المتحضر المؤمن بالحروب الحضارية، بعدما فشلتُ حيا في تأمين الحياة الكريمة لكم كما كنت أحلمها، وأراكم من خلالها.
سامحوني، فلم أكن أعلم أنه حتى الأحلام الصغيرة أحيانا لا يستطيع الإنسان أن يترجمها إلى حقيقة...
لم أكن أعلم أن الرياح تجري بعكس رغبة القوارب الصغيرة التي إن ابتعدت كثيرا عن الشاطئ ضاعت في عرض البحر، وحاصرتها أسماك القرش، وحيتان البحار.

كنت أعتقد أن من يجيد السباحة لا يخاف الماء، لكن لم أحسب حساب الأمواج العاتية، ولم أعرف من قبل أن البحر يثور بغير ميعاد، فيفتك بضيوفه، ومحبيه دون رحمة.

فسمك القرش يهاجم الشواطئ الهادئة، يفتك بالمستحمين الأبرياء ويجعل نهارهم ليلا حالك السواد.

[*ولدي الحبيب، نور عيني ...*]

ها هي آلة الأورغ جالسة وحدها فوق قاعدتها السوداء، لا تجد في البيت من يعزف عليها لأن أصابع يديك غابت عنها، لم أتوقع أن يأتي يوم لا أجد مكانا لآلة عودك في السيارة التي نقلتني من ولاية إلى أخرى، فأهبه لصديق يزين فيه بيته، بعدما كان ينتظرك لتعزف عليه لحن الوفاء لأبيك الذي بالغ في أحلامه في هذه الدنيا..

ممنوع أن نحلم في هذا العالم الذي تسيطر عليه المصالح، والعلاقات التجارية، ممنوع أن نطلق العنان لخيالنا لأن خيال الشعراء غير مرغوب فيه في عالم المال، والحروب لأن القائمين عليها حولوا كل شيء إلى سلعة تباع وتشترى، حتى الشعر، والموسيقى، والأدب، والفن، والحب .. فماذا تركوا لنا؟

[(يريدون تحريم الحب، والأحلام، والأماني..)]

لا أريدك أن تنسى، إذا أتاك من ينعاني فلا تحمل عليه، ولا تحمله إثم نقل الخبر.
ولا تزعل علي لأنني لم أترك لك أو لأخيك أي ميراث يساعدك في هذه الحياة، المليئة بالأخطار والمفاجآت المرعبة حتى يشتد عودك.

لا تغضب لأنني لم أترك لك بيتا جميلا تسكن فيه مع أمك وأخويك، أو سيارة تنقلك إلى المدرسة.

فقد تركت بدلا من ذلك الكثير من الهموم والمشاكل، والديون.
وتركت لك بعض الأشعار لعلك إن كبرت تقرأها، وتغنيها بصوتك الجميل كما كنت تغني لي بابا فين.
هل يكفي ما طبعته على خديك من قبلات منذ ولادتك حتى يوم وداعك؟

أتتذكر عندما كنت كل صباح تستيقظ مبكرا، وتأتيني لتطبع قبلة على خدي فأعيدها لك قبلات مضاعفة؟
أرجوك لا تزعل مني، فقد جئنا بك إلى هذا العالم لنحقق فيك ما عجزت عن تحقيقه في حياتي، فإذا بي أكرر فشلي معك، وأتركك تصارع الدنيا طفلا صغيرا يحمل في قلبه أحلام الطفولة البريئة التي لا تتجاوز لعبة صغيرة يحاول التجار أن يحتكروها ليغتنوا بها على حساب أحلام الصغار.

إن جاءك الناعي ولم ترني، فلن أكون بعيدا عنك.
ستلاحقك روحي أينما كنت، ستسهر على راحتك، ستغني لك في أحلامك عندما تنام، أتذكر عندما كنت تنام على صدر أبيك أو أمك؟

ستبعد روحي عنك الأشباح المزعجة، ستقيك روحي حر شمس تموز عندما تلعب مع اخوتك في شوارع القدس العتيقة، ستكون روحي ظلك الذي لا يفارقك، ستصلي لك وتأخذ بيديك لعلها تساعدك في تحقيق أحلامك الصغيرة.

لن أتركك تغيب عني، سأسهر على راحتك وأنت نائم، أنسيت عندما أجريتَ العملية الجراحية، كيف كان الألم يجثم فوق صدري، ويعتصر قلبي؟ لم أتركك في المستشفى وحيدا، بل كنت أسهر على راحتك وأنت شبه نائم تئن من الألم، كنت تخاطبني بصوتك الملائكي قائلا:
بابا عندما أكبر أريد أن أكون طبيبا لأعالج الأطفال المرضى.
إن شاء الله يا حبيبي ستكون أفضل طبيب يحرص على مرضاه.

وعندما كنت تدندن وتغني أثناء اللعب، كنت تقول لنا:
أريد أن أصبح موسيقارا لألحن الأغاني للأطفال، كي يغنوا معك أغانيك المفضلة.

أما عندما كنت ترسم بالريشة ألوانك الزاهية على الورق كنت تقول لنا أنك ترغب أن تكون رساما كي ترسم الأنهار، والأشجار، والأطفال، وحبات المطر وهي تنزل في فم الأطفال.

كنت في أحلامك تفكر للآخرين، كنت ترى السعادة في وجوه أصدقائك، وأحبائك، فقد ورثت بعض حب أبيك للناس. فهل ستحافظ على تلك الأحلام لتكبر معك كل يوم أم سيغيرها الزمان كما غير كثيرا من الناس.

حبيبي...

لا تلمني على ما سهوت عنه، ولا على ما أخطأته، لعل حبي لك الواسع سعة هذا الكون يغفر لي، ولعلي أحظى ببعض حبك، فلن أزاحم أمك على كل الحب. ولعلك تحتفظ بخيالك الطفولي، بصورة والدك وهو يكيل لك القبلات بغير حساب.

وربما تحتفظ بصورة أبيك بشعره الأشيب معلقة على الحائط في مكتبك، أو غرفة نومك، لأطل عليك منها كلما جلست فيها.

لا تقلق بصورة أبيك أيام الشباب، فلم تكن موجودا آنذاك، كنت ترفض المجيء، وتركتني أنتظرك عشرين عاما على أحر من الجمر، وعندما شرفتنا استقبلناك بالدموع، والفرح أفلا تغفر تلك الدموع لأبيك بعض تقصيره بحقك؟


تعقيبك على الموضوع
مشاركة منتدى:
سامحني يا ولدي
الأحد ٢٧ شباط (فبراير) ٢٠١١
بقلم نضال

للحقيقة رائع جدا .




الرد على هذه المشاركة

سامحني يا ولدي
الخميس ٣٠ نيسان (أبريل) ٢٠٠٩
بقلم يوسف

تحياتي عادل

قرأتك فقرأت فيك كل فلسطيني عربي أممي تقدمي
قرأتك فعرفتك تحكي الحلم حلم كل إنساني
سكرت من عزفك وعزف ولي عرشك السامي
أيا عادلا من القدس
من الإنس
كم أنت حقا للحياة نبراسي

يوسف
http://yousefhaq.blogspot.com/




الرد على هذه المشاركة

سامحني يا ولدي
الأحد ٢٤ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم بوبكر قليل

ت...تحياتي لا أدري ما أكتب الموضوع أثرفي تأثيرا وجعل الفؤاد يبكي بكاء لا يسمعه أحدا ...إني أعيش الماضي بوجداني حينما أقرأ مثل ه>ه المقالات أنسى كياني وأعيش لحظات بل سياعات في خيالي أسبح بعيدا عن العين حتى لا يراى دموعي أحدا ويظنوني مجنونا أو مهموما ...كتابتك سيدي رغم ثقافتي الضحلة وزادي المعرفي جعلتني أتذوق حلاوتها وطلاواتها سأعود إن شاء الله لقراءة مقالاتك لإني نوعا ما مشغول ورغم شغلي أردت أن أضع بصماتي لقد لمست جراحي وجعلت قلبي ينزف دما بل هما ذكرتني بالماضي التليد تحياتي سيدي الفاضل أبوبكر ص ب ٢٢٠٣ الرمز البريدي ٠٤٠٠٠ مدينة أم البواقي الجزائر . السلام عليكم



السلام

الرد على هذه المشاركة

    سامحني يا ولدي
    الاثنين ١٠ آذار (مارس) ٢٠٠٨
    بقلم بوبكر قليل

    تحياتي لقد وعدتك أن أعود ليس من أجل القعود بل من أجل البحث عن مواضع تجعل القلب المسكين يتنفى قليل وأنا قليل-هكذا لقبوني في زمان الاستدمار الفرنسي لبلادي وأن راض بلقبي سيدي لقد تناولت موضوعا حساسا جعلتني أغرق فث الفاضه الموحية الدالة على قوة السبك والصوغ للأفكار التي تغبر بالفعل عن ثقافة الكاتب المتلاطمة الأطراف جعلتني سيدي الكريم لا أتمالك نفسي أردت الإبحار بين السطور فوجدتني كالعادة لا أحسن السياحة لكني لا أبخل نفسي من مشاهدة أمواج كلماتكم وعبارتكم والألفاظ الموحية القوية الدالة أن صاخبها له باع كبير في أختيار الألفاض وأقتباس الجمل والعبارات من أسفار قيمة ذات قيمة وجودة عالية لا تضحك من سيدي لست أديبا وثقافتي قليلة غير أني أقرأ لبعض *الكتاب في الماضي والحار بالفعل هذه الصة والحكاية تبين أن الكاتب يعاني مثل مايعاني أشخاص أخرون من ظلم سافر واستفزاز كما يعاني من بعد الديار كما لا يهتم بكل هذا لكن الشوق والحنين للابناء جعله يرسم عبارات تنم عن شوقه وحبه لوالده كما يبين عيوب الحظارة المزيفة وأهلها الذين يدعون التقدم والتحضر ...وأعود وأقول رغم صبر الكاتب على الفراق والبعد لكن تظهر عاطفته في العبارة الموالية** سامحوني..** **...بعدما فشلت في نأمين لكم الحياة الكريمة..** وتزداد مرارة الكاتب من الواقع المؤلم يريد أن يخفي حزنه وألمه لكن العبارة تبين ذلك كالبحر حينما يكون هادئا ثم يهيج فيظطرب ..** لم أكن أعلم أن االرياحتجري بعكس رغبة القوارب الصغيرة التي أبتعدت...** الكاتب يعيش مرحلة معانة شديدة يبين لنا في هذه القصة مدى تأثر الكاتب ببعده عن الأهل والديار رغم عنه كما أن كلماته واوألفاظه جاءت حية موحية فهو يجعل رغبة للقوارب وهو بذلك يعبرعن نفسه...سيدي الكريم أردت فقط أن أشارك لغل وعسى أتعلم منكم وشكرا أبوبكر الجزائر ......



    سامحني ياولدي

    الرد على هذه المشاركة

سامحني يا ولدي
السبت ٢٣ شباط (فبراير) ٢٠٠٨
بقلم م.نبراس قازان

كلمات مؤلمة حقا
مؤثرة
موجعة حتى آخر حرف فيها
شكرا لك




الرد على هذه المشاركة

    سامحني يا ولدي
    السبت ١ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
    بقلم مغتربة في بحر الدموع

    احسست بحروفك تكتب عن كل اب وام يعانون نفس الالم ولكن الفرق بينك وبينهم انك سيد الحروف التي تبحر الى القلوب تبحر وتترك في مكانها دمعة رحليك للبعيد كل منا بحاجة لهذه الرحلة لانها واقع انحرمنا منه في الماضي ولايمكننا تحقيقه لابناءنافي الحاضر .عزفت اجمل و اعذب الالحان ابحرت بكل المحيطات ووصلت سفينة حروفك لكل شاطى .حاولت اقراها اكثر من مرة واعيش بين حروفها كانت الدموع اسرع من عيوني ساعود اليها بعد رحلة بين حروفك تحياتي اليك ودمت لنا منبع العطاء


    الرد على هذه المشاركة

      سامحني يا ولدي
      الأحد ٢ كانون الثاني (يناير) ٢٠١١
      بقلم عادل سالم

      شكرا لك على مرورك ونأم أن نكون عند حسن ظنك دائما

      عادل سالم


      الرد على هذه المشاركة

في هذا القسم أيضاً