الصفحة الرئيسيةظلال الياسمين
الدكتور تيسير : ساهمت الفضائيات العربية وما تزال في خدمة الأدب والثقافة
هل الحوار في الأدب متعة؟ - الحلقة الثالثة من أربعة
زكية علال : أول حوار صادق وشفاف يبدأ مع الذات
الثلاثاء ٧ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم عادل سالم

لقراءة القسم السابق من الحوار (الثاني) انقر على الرابط أدناه

http://www.adelsalem.com/spip.php?article178

الحديث في الأدب والإبداع والفن متعة روحية، لا يمل منها المتحاورون ولا يضجر منها القراء أو المشاهدون، ذلك أن الأدب الحقيقي هو الأكثر إمتاعا للقارئ وهو الذي يجذبك من واقعك، وأحلامك ليطير بك في فضاء الكون الواسع لتشاهد من تحتك أجمل ما أبدعته يد مبدع، وتنتقل من بستان إلى آخر، ومن نهر إلى بحر، ومن قمة جبل إلى واد تملأه أشجار الزيتون الخضراء.
لهذا كله يسعدنا أن نفتح معكم هذا الحوار لنحلق معا في هذا الفضاء الرحب.

- دعنا بداية نسمع تعليقكم على هذه المقدمة في الحوار، هل الحوار في الأدب متعة روحية؟

  فاطمة ناعوت: سأفترضُ أنني أُسأل كقارئ وليس ككاتبة. نعم بالفعل، التماس مع عالم الأدب، والفنِّ بعامة، يشكل لي، كقارئ، معادلا موضوعيًّا لكل ما في الحياة من تعاسة وعبث. معادل مناهض لفكرة القنوط والعدمية والشعور باللاجدوى. الفن بوجه عام هو محاولةٌ من الفنان لخلق الجمال في الكون الذي يسعى قاطنوه منذ بدء الخليقة إلى وئده عن طريق الحروب والعنصرية والاستعباد والقتل. وليس الجمال الذي أعني هو الوردة والجدول والغيمة وقطرة الماء إلى آخر معاجم الشعراء القديمة. لكن الجمال هو طرح شيء "مختلف" عما هو مطروح بالفعل. الاختلاف في ذاته جمال بحقه الخاص. أما كشاعرة فلحظة كتابة القصيدة تعادل بالنسبة لي الدخولَ في الصلاة، ثم الاستعداد لتمثّل لحظة الحلول الكاشفة، بتعبير المتصوفة.

  الدكتور تيسير الناشف: يختلف البشر بعضهم عن بعض في مباعث المتعة التي تستهويهم مثل سماع الأغاني والموسيقى ومشاهدة الأفلام. ومن الناس مَن يستهويهم الأدب بأجناسه من الشعر والنثر والرواية. والأدب عطاء نفسي وفكري وشعوري. إنه يتدفق نتاجا كاشفا عن الحقيقة، وسابرا لأغوار النفس البشرية بضعفها وقوتها، وواصفا الحياة والواقع بلوحات وجدانية دافئة ومتميزة، ومحلقا في الفضاءات غير المحدودة، وزائحا الستار عن طبقات الدوافع والحوافز والمشاعر والأفكار التي تنطوي عليها كل حالة من الحالات البشرية المتطورة. ويحقق ذلك كله على نحو مباشر وطبيعي وصريح. هذا هو الأدب الذي يحتمل احتمالا أكبر أن يهواه عدد أكبر من الناس.
وبعض الناس يعزفون عن قراءة الأدب أو سماعه لأنهم يجهلونه، ولو اكتشفوا وجوه الجمال والسحر فيه لاكترثوا به ولأولوه اهتماما أكبر ولاهتموا بتعويد أنفسهم على العناية والتمتع به.
ويعزف بعض الناس عن قراءة الأدب لأنهم أميون أبجديا وثقافيا. وتعلم اللغة سنوات قليلة لا يجعل ذلك البعض واثقا بقدرته على قراءته.

  الدكتور الأخضر عزي: بسم الله الرحمن الرحيم ،والصلاة والسلام على سيدنا محمد واله وصحبه الأخيار، أما بعد، لعل أجمل عبارة نبتدئ بها الحوار هي:الرسم هو الشعر الساكن والشعر هو الرسم المتحرك، والحوار في الأدب ليس فقط دردشة وهمية؛ بقدر ما هو استراحة وعمل روحي يشحذ الهمم ، ويحفز الذات على الانطلاق قدما نحو آفاق البناء الفكري والحضاري.

غيب الأدب والفن الحقيقي بخلفيات غير موضوعية وواهية لأغراض مدروسة، فبدأت مقومات الحضارة الإنسانية تهتز من ربوع عالمنا العربي والإسلامي، وأصبحنا نمسي ونصبح على وقع اليأس والتردي؛ نتيجة غياب الذوق الجمالي،وتكريس الرداءة والتملق ، بدل تحسين الموجود على الأقل ، ولم تبق عناصر الإلهام التي يستلهم منها فنانونا وشعراؤنا وأدباؤنا قصائدهم ونصوصهم الشاحذة للهمة. فحتى الطبيعة مستها السياسة والعولمة المتقعرة- رغم وجود أنصار البيئة الخضراء بلغة الاقتصاد ، وهذا الأمر في حد ذاته سرع في إجهاض الإبداع والمتعة الروحية. كنا لا نمل ونحن نسمع الحوارات الأدبية والفنون ،من رسم وشعر وموسيقى وغيرها -رغم ابتعادنا أحيانا عن واقعنا المعيش، أو هروبنا منه ،وأحيانا فعلت فينا الرومانسية فعلها، فقد أنستنا بعضا من الواقع المرير الذي نحياه. والأدب اليوم وغدا ، يتعين أن نعرف عن اقتناع: انه قبل كل شيء متعة جمالية وروحية،فالكلمة الطيبة هي التي تخلق اللحن الشجي الذي يترك وقعه في النفوس. والرسول الكريم –صلى الله عليه وسلم كان يقول:" الكلمة الطيبة صدقة".

  زكية علال : أول حوار صادق وشفاف يبدأ مع الذات ، فالإنسان الذي لا يحسن محاورة نفسه يفشل في محاورة الآخرين ،والذي لا يعرف كيف يفتح صفحات للنقاش مع أصواته الداخلية لا يمكن أن يتسع صدره لآراء الآخرين ... ومشكلة العربي أنه لا يحاور نفسه ومن ثم لا يتقن فن الحوار مع غيره .

  هل يعرف المواطن العربي ذلك؟ هل تراه يشعر بمتعة وهو يغوص في كتب الأدب؟ أم أصبح الأدب متعة المثقفين فقط؟

  زكية علال: مسكين المواطن العربي... إنه غارق في السعي وراء لقمة العيش وليس لديه الوقت ليستمتع حتى بجمال الطبيعة الذي يحيط به ، فكيف له أن يفتح كتابا ليلامس به مواطن الجمال في نفسه ، المواطن العربي إما غارق في عرقه وهو يجتهد في تحصيل رزقه ، وإما غارق في دمه وهو يجاهد لتحرير أرضه وفي الحالتين هو جندي متورط في القتال ، والجندي لا يرى حياة خارج حدود المعركة ولا يتبين شيئا من خلف غبار الحرب حتى لو كان وجه الأحبة ... المثقف أكثر حظا ... إنه يكتب عن الألم ثم يستمتع به . وهذا ما جعل المقروئية محدودة في الوطن العربي ومحصورة بين الطبقة المثقفة .

  فاطمة ناعوت: إجابتي السابقة عن لسان القارئ هي إجابة نموذجية افتراضية، غير واقعية. أجبتُها متمثلةً نفسي كقارئة ومتمثلةً القارئ الافتراضي الذي غيّبه الشرطُ العربيّ الراهن. مات القارئ ولا عزاء للشعراء من أسف. مات واستحل جثتَه قارئٌ سلبيٌّ بليد كقطعة أسفنج لا خيار لها سوى امتصاص كل ما يُطرح عليها من نبيذ أو من خبث. مات بمعرفة الفضائيات البلهاء والذائقة الهابطة الاستهلاكية والفساد السياسي الذي يعمل بدأب وإصرار على تفريغ عقول المواطنين وحشوها بكل ما من شأنه تعطيل إعمال العقل والحسّ الجمالي. لأنه ببساطه لو فكرّ وانتعشت لديه فكرة الجمال الوجوديّ والإنسانيّ والسياسيّ سوف يقوم رأسًا بثورة في اليوم التالي. وهو ما لا تريده النظم العربية الراهنة، لأنها تدرك تماما كم هي قبيحة الوجه والروح.

  الدكتور تيسير الناشف: الأغلبية الساحقة من قراء الأدب من المثقفين. يحجم كثير من غير المثقفين عن قراءة الأدب لأنهم أميون أبجديا أو أميون ثقافيا.
أصبح نشاط القراءة مقترنا بالمثقف. والحقيقة أن كثيرا من المثقفين ليسوا قارئين للانتاجات الأدبية. ولعل المثقفين العرب أسهموا في عزوف غير المثقفين عن قراءة هذه الانتاجات، وذلك لأن الأدباء والكتاب لعلهم لم يراعوا مستوى غير المثقفين من ناحية تبسيط تناول القضايا المطروحة وتبسيط العرض اللغوي والأسلوبي والأدبي.

ومن الأصعب على الإنسان الذي ينفق معظم نهاره وهو يعمل عملا غير سهل أن ينفق وقتا على قراءة الانتاجات الأدبية، خصوصا الانتاجات التي تتطلب قدرا غير قليل من المجهود الفكري.
والإنسان الفقير المعوز يكد وهو يسعى إلى كسب لقمة العيش. ولعل عليه أن يعيل أسرة تضم، فضلا عن زوجته، عددا كبيرا من الأولاد، لنقل عشرة. ليس في وسع هذا الشخص أن ينفق بضعة جنيهات أو دنانير على شراء كتاب أدبي رغبة في التمتع بقراءته.

 [(الدكتور الأخضر عزي: المواطن العربي نتيجة الهزات السياسية الداخلية والخارجية التي نبعت من الروح الانهزامية زرعت في نفسيته كل صور البطش واليأس والإحباط التي قزمت آفاق مستقبله وحاضره، وتراه قد تم إلهاؤه بمعارك هامشية أثرت على نفسيته، وجعلته يمقت الشعر والأدب والفن ،ويفقد الذوق الجمالي. وأخيرا بفعل العولمة الاقتصادية والثقافية وتحييد تاريخه وعاداته وتقاليده التي نجح بها في الماضي، فإذا كان ماضينا ماض مشرق فلم لا يكون حاضرنا ومستقبلنا كذلك ؟ رغم وجود شعلة الأمل في نفسية الشعب العربي.إذا كنا نعادي لغتنا العربية، فان أهل إسرائيل يثرونا لغتهم من حروف وكلمات لغتنا؛ لتزداد قوة وصلابة ولتصبح لغة العلوم والتكنولوجيات الحديثة والمستحدثة....هناك أمركة للثقافة وصهينة لا مثيل لها في غياب مشروع تثقيف المجتمع العربي... تغلبت الصحافة المكتوبة المحرضة والصفراء تحديدا على تفكيره،وأصبح يفتح الجريدة كل صباح ،فيجد نفسه يردد دون شعور: " هذه الجرائد تعفن الأيادي والروح فهل تحتاج هذه النظرة التشاؤمية إلى برهان؟ وما مسببات ذلك؟ انه بلا شك غياب الحريات.)]

  كيف ترى الحركة الأدبية في العالم العربي؟

  فاطمة ناعوت: أراها منتعشة رغم الغث الكثير التي تفرزه شبكات الإنترنت والصحف، ورغم موات القارئ، ورغم انحدار اللغة حتى على أيدي "الأدباء"- مجازًا. القليلُ الجميل يرضيني حتى في ظل قبح مستطيل. لكن غياب حركة نقدية واعية ورشيقة ومحايثة للتجديد يحول دون إظهار الجميل وإزهاق الرديء.

 الدكتور تيسير الناشف: هذا السؤال ينطوي على جزء – على الأقل - من الإجابة. ما دمنا نتكلم عن "عالم عربي" فلا بد من أن تكون تطورات الحركة الأدبية والمنجزات في مجال العطاء الأدبي – ونحن نقصر تناولنا هنا على مجال الأدب – متفاوته قوة وضعفا وعمقا وضحالة وتقييدا وانطلاقا وواقعية ومثالا رهنا بهوية الحالة الاجتماعية والنفسية والاقتصادبة والسياسية التي ينتمي الكاتب والأديب والمفكر إليها ورهنا بهوية البلد والنظام السياسي الاجتماعي الذي ينتمي إليه.

بلغ عدد من الأدباء العرب، شعراء وناثرين، مستويات عالية بالمقياس العربي والمقياس العالمي من حيث صدق التعبير ودقة التصوير للحالة الاجتماعية والانسانية التي يعيشها المعوزون من العرب، ووصف الواقع التعيس المعاش.
والحركة الأدبية تواجهها قيود من أهمها قمع الهيئات الرسمية وغير الرسمية والمراقبة التي تمارسها على الأدباء والمفكرين والمبدعين الذين تختلف رؤاهم عن رؤى تلك الهيئات أو تتعارض معها.
وللنهوض بالحركة الأدبية يجب تسهيل التواصل الفكري والأدبي بين الأدباء والكتاب من جميع الأراضي العربية، ويجب تيسير وصول الكتاب إلى كل نواحي الوطن العربي، ويجب على المفكرين والأدباء أن يُعنَى كل واحد منهم ببلده وأن يُعنَوا أيضا بالقضايا ذات السياق العربي العام، فضلا عن وجوب الاعتناء بقضايا العالم الثالث والقضايا العالمية.

 الدكتور الأخضر عزي: رغم الهزات والانكسارات التي يعيشها العالم العربي إلا أن هناك حركة أدبية متواترة مع بركان الأوضاع في الداخل والخارج)وجود اختلاف وتباين في أوضاع البلدان العربية، ولا مجال للمقارنة أحيانا( ورغم غياب حرية التعبير والتطفل والسرقة الأدبية؛ إلا أن هناك أملا في التواصل والسير على الدرب المعبد و حتى الأعرج لكنه درب شبيه بالشر الذي لا بد منه....الأدب والحركة الأدبية تعيشان صراع الأجيال، صراع الإيديولوجيات، صراع حضارات وتناقضات غيرنا على الأرض العربية.مع وجود هذه الهزات الارتدادية، بقيت دمشق ولبنان وبغداد والقاهرة والجزائر وتونس والمغرب .... صامدة على الأقل نفسيا.لا ننسى بركات جامعة الزيتونة في تونس والقرويين في المغرب والأزهر الشريف في مصر، والأموي في دمشق ومدارس جمعية العلماء المسلمين الجزائريين في الجزائر، وجامعة ومدارس شنقيط في موريتانيا،فالبلبل لا يزال مغردا ببحته وسجنه القصديري، يغرد حتى خارج السرب للفت الأنظار.فبلد البشير الإبراهيمي وابن باديس وبوجدرة ومالك حداد وعمر البرناوي وأبي القاسم سعد الله وواسيني الأعرج ومفدي زكريا واحمد سحنون واحمد عروة؛ رغم تعدد مشاربهم الفكرية، لكنهم مفتونون بحب الجزائر.... وتسامحهم يكفل لهم ولنا التنفس في هذا الجو الرطب،فما أروع الأدب والشعر والفن والرسم والموسيقى إن نبع من الفضاءات الرحبة للتسامح.

لوحظ في الحقبة الأخيرة تنشيط للحركة الأدبية في الوطن العربي،وساهمت العولمة من جوانب التقنيات الحديثة في الإعلام والاتصال في تقريب المسافات من خلال المؤتمرات الدولية و الانترنيت والفضائيات؛ رغم أن المؤتمرات في بلاد كثيرة لم تكن إلا أعراسا فلكلورية وفسيفساء،ومع ذلك فهي خطوات على المسار الصحيح؛ إن أدرك القائمون عليها ضرورة تشبيبها وفرز الجيد من الغث في بحوثها واستقراءاتها وابتكاراتها المجارية للعصر.

  زكية علال :إني أستبشر خيرا بهذه الوجوه الشابة الطالعة من رحم الألم ، وأتفاءل بهذه الأقلام المتمردة التي لم تعد تنتظر مساعدة من الحكومات الرسمية لتحقق التواصل .

  الكتب العربية المترجمة للغات الأخرى هل أنت راض عنها أم ترانا مقصرين في هذا المجال؟

 الدكتور الأخضر عزي: العرف السائد كان الترجمة من اللغات الحية مجازا إلى اللغة العربية، لكن مؤخرا انقلبت الأوضاع وأصبحت الترجمة من العربية إلى اللغات الحية الأخرى. وترى الأديب أو الفنان العربي يحبذ ذلك أحيانا، للشهرة الذاتية أكثر من مهمة خدمة الإبداع العربي والرفع من قيمة اللغة العربية المضطهدة حتى في ديارها.....والترجمة إلى اللغات الأخرى من العربية لا تزال قليلة التأثير-رغم جائزة نوبل لبعض من أبنائها. وان تكلمنا عن الأدب والإبداع فبأي روح نتكلم وعن أي روح نعبر؟ والترجمة في الكثير من بلاد العرب فاقدة لمعناها وروحها وهذا لعمري راجع لعدم الثقة بالنفس الأمارة بالسوء كما أن الترجمة عانت ولا تزال تعاني من الكثير من التناقضات،ولا يمكن أن ننظر إلى بعض الكتب أو المصادر على أنها مترجمة ترجمة تفي بالمطلوب؛فالترجمة في الاقتصاد والطب والهندسة والميكانيك و....كلها تحتاج إلى المزيد من التدقيق وترسيخ الشخصية الوطنية ، ولن يحصل ذلك إلا من خلال تكوين مترجمين محترفين ومتخصصين- رغم وجود معهد عربي لهذا الغرض في الجزائر . سمحت لي مشاركتي في مؤتمرين دوليين للترجمة بجامعة وهران -الجزائر سنتي:2004و2005 بالوقوف على عبقريات التراجمة في العالم العربي ، لكن يبقى العمل الترجمي المطبوع قليل ،وغياب مصطلحات موحدة في شتى العلوم عقبة لا يمكن نكرانها، ورغم قلة الإمكانيات، لاحظت عبقرية احد الجزائريين متمثلة في شخص الدكتور نصرالدين خليل يلقي كلمة الافتتاح شعرا ،بلغات متعددة ،قلما وقفت عليها في جامعات عربية وأجنبية أخرى. ولا حظت في المقابل إقبال طلبة لا يفرقون بين الحرف اللاتيني والعربي نطقا وكتابة وتحريرا ،على التباهي بالدراسة في أقسام اللغات الحية بالجامعة الجزائرية؛ حبا في التظاهر بالرقي والتميز، وأصبحت الجامعات تفتخر بالكم على حساب النوعية...كما انبهرت من طرح البروفيسور كاظم العبودي أستاذ الفيزياء النووية بوهران، وهو يطالب بالترجمة من اللغة العربية، عكسنا نحن الذين كنا نرى العكس. وكان لطرحه تعليل منطقي، كما فاجأني الأستاذ الكبيش محمد بن العربي من مدينة تاهرت بخبرته الترجمية وأصالة طرحه القانوني المثالي ،
ولعل عنصر التشويق برز من خلال كونه لطيف المداعبة والمؤانسة في الحث على تعلم اللغات الحية –دون نسيان صرخة حافظ إبراهيم تجاه البحر والغواص، فهل يعتبر المتملقون المنسلخون الأنانيون المنبهرون بالعولمة والتطور الأجوف في بلاد وصفها العدو قبل الصديق بأم المعجزات؟وهل لي أن أنسى أن الرئيس هواري بومدين كان لا يخطئ في النحو ، ويستشير مساعديه في دقائق الأمور اللغوية، وان الرئيس عبد العزيز بوتفليقة بفصاحته ولغته العربية الدبلوماسية تراه يتفنن في نشرها- رغم اتقانه فرنسية فولتير وتفوقه حتى على أبنائها الأصليين.

خلاصة القول، أننا مقصرون في الترجمة، والعلة في المترجم الحقيقي وليس الطفيلي وفي دور النشر ودعم الحكومات والمجتمعات والانغلاق الثقافي، وكأننا لا زلنا نعيش فكرة من المنغلق إلى المنفتح؛ التي جاء بها الفيلسوف المغاربي الراحل محمد عزيز الحبابي في كتابه الشهير " du clos a l’ouvert" وشتان بين الثرى والثريا، فهذا الفيلسوف كان
كان يستشرف الأشياء كما فعله مواطنه البروفيسور محمد المهدي المنجرة، وكما فعلت زوجته الدكتورة فاطمة الجامعي الحبابيفي نشر وتحبيب اللغة العربية والترجمة.

  فاطمة ناعوت: فضيحة كونية. كمًّا وكيفًا.

 [( الدكتور تيسير الناشف: نحن مقصرون في مجال ترجمة الكتب العربية إلى لغات أخرى. وضعت ونشرت كتب كثيرة باللغة العربية في مجالات النثر والشعر والفلسفة والفكر الديني والاجتماعي، وتستحق هذه الكتب الترجمة إلى لغات أخرى. يجب أن تنشأ هيئات حكومية وغير حكومية عربية وغير عربية تعنى عناية حقيقية بترجمة كتب عربية إلى لغات أخرى، منها الإنكليزية والفرنسية والإسبانية والألمانية والروسية والصينية واليابانية.)]

  زكية علال :السؤال ليس عن كمية الكتب المترجمة وإنما عن قيمة الكتب العربية التي ترجمت إلى لغات أخرى ، فهناك كتب تمت ترجمتها ليس لقيمتها الفنية أو الجمالية أو الأدبية وإنما لعلاقات أصحابها العالية وهذا ما جعل الأدب العربي لا يرتقي إلى المستوى المطلوب في عيون غيرنا .

  لماذا يركز العرب والمترجمون العرب على ترجمة إبداعات الكتّاب الأوروبيين بشكل خاص؟ أين نحن من أدب الصين والهند وبقية دول آسيا؟

  فاطمة ناعوت: ربما لأن النموذجَ الأوربيَّ هو الأكثر إغراءً لنا نحن العرب. رغم أنني مفتونة بالنموذج الشرق-أقصوي وأعدّه العِرقَ الأكثر استحقاقًا للحياة من الجنس الأبيض استعماريّ النزعة، والجنس العربي استهلاكيّ النزعة. هذه الشعوب فضلا عما تقف عليه من حضارة عريقة ضاربة في عمق الزمن، إلا أنها أيضا الشعوب التي تجيد العمل وتنأى عن الكلام والترهات والصغائر تلك التي يغرق فيها العرب، وتترفعُ كذلك عن الميول الاستعمارية والسيادية التي يجنح لها الغرب. هم يغزون العالم بطريقتهم الخاصة. بالعمل والصناعة والابتكار. كم أحترم هذه الشعوب! ولو كنت أملك إحدى لغاتهم لترجمت من أدبهم.

 الدكتور تيسير الناشف: ثمة أسباب في تركيز المترجمين العرب على ترجمة كتب باللغات الأوروبية، مهملين كتبا وضعت ونشرت في الهند والصين وإندونيسيا وغيرها. من هذه الأسباب افتقارنا إلى التوازن في ترجمة كتب من مختلف البلدان تقع في كل القارات. والسبب الثاني الالتفات إلى الكتب باللغات الأوروبية على حساب لغات أخرى وافتقارنا إلى التنشئة على معرفة ثقافات غير الثقافات الغربية. هذه حالة تنم عن خلل وعيب في النظام التعليمي العربي.

  الدكتور الأخضر عزي: قد يكون الأمر استنساخ مقولة المغلوب مفتون بالغالب، كما يقول ابن خلدون،أو العقلية الكبشية كما يقول الحبابي، أو البعبعة...فالهيمنة واضحة المعالم في ذلك،.ضف إلى ما سبق: عالم اللغة وهيمنة اللغتين الفرنسية والانجليزية. ولا ننسى التبعية والمجتمعات الأوروبية بفعل ارثها الحضاري وقربها من العالم العربي تجعلنا ننظر إليهم وكأنهم دوما أفضل منا،و هذا ما ولد فينا بعضا من مركب النقص، فقد رفضنا حتى من أولئك العرب مزدوجي اللغة، فترانا ثائرين دوما عليهم دون سلاح معرفي يذكر . وقد أعجبت بالدكتور سعيد بومنجل أستاذ الاقتصاد بجامعة عنابة الجزائرية؛ الذي تذكرني مواقفه بمواقف مالك حداد النيرة تجاه لغته ووطنه، وهذا خير دليل على أن الدنيا بخير. الصين فرضت نفسها مؤخرا بشكل لافت في مجال الاقتصاد والمال ، وأصبحت اللغة الصينية مطلوبة للدراسة في الكثير من المجتمعات؛ بعد أن فرضت نفسها، والهند رغم تعدد قومياتها ودياناتها، وتنوع أدبها وفنونها وجماليات عملها ،يرفض الكثير من مثقفينا العرب الاعتراف بعبقرياتها، وكذا الشأن بالنسبة لإيران مهد الحضارات والعبقريات التي لا تموت، لكن تبقى العقدة القومية تتحكم في الانتشار الثقافي ؛هناك عقدة التبعية والتغريب والترهيب في البلاد العربية. في الجزائر هناك المفرنس الذي يخدم العربية أكثر من المعرب، لا لشيئ إلا للمساهمة في مسار ثقافي أصيل-دون التعميم طبعا- وهناك بعض الذين يكبحون لغة أمتهم؛ لان ديدنهم غير الرسالة السامية لخدمة أمتهم ومجتمعهم القطري. الأفلام الهندية والسلع الصينية والكورية والنمور الاسياوية و... ماليزيا المارد الأعظم، وحتى الشهادات الجامعية أصبحت تقلق البعض إن كانت من ماليزيا والهند وروسيا وأمريكا وسوريا ومصر... وأهل أوروبا قد تكون لهم بركات غير مرئية في أعيننا نحن، ويراها غيرنا. فلماذا هذا التغريب وهذه الهيمنة؟

  زكية علال: إن الأمر يتعلق باعتقاد استعماري تحكمه نظرية الغالب والمغلوب الذي يتبعه، فالاستعمار الأوروبي لأغلب الدول العربية ورث لديها الشعور بالتبعية ، والإحساس بأن كل ماهو أوروبي لابد وأن يكون مصدر قوة وحضارة ، فالحقبة التي سيطرت فيها فرنسا وبريطانيا وإيطاليا وأسبانيا على الدول العربية كانت أللعنة التي أصابتنا وجعلتنا لا نتحرك إلا في فلكها ولا نرى الحضارة والوجود في غيرها ، بينما أرى أن أدب دول آسيا وواقع شعوبها أقرب إلينا ... في الجزائر مثلا – أول ما نفكر في الترجمة لا نخرج من دائرة من ... وإلى الفرنسية .

  اتحادات الكتاب، أو الأدباء في الدول العربية هل تقوم بواجبها في المشروع الثقافي العربي أو المحلي أم أنها تراوح مكانها؟

 الدكتور تيسير الناشف: أنجزت اتحادات الكتاب والأدباء في البلدان العربية بعض المنجزات في تشجيع الانتاجات الفكرية والأدبية والثقافية. والحالة العربية السياسية والاجتماعية والاقتصادية والنفسية تتطلب بذل هذه الاتحادات لقصارى الجهد لتحليل الحالة ولوصفها ولتفسيرها وللتنبؤ بالتطورات القادمة. والكبت والقمع والقهر والإذلال والحرمان والانتقام – كل هذه عوامل يلجأ إليها أو يمارسها أصحاب السلطة الحكومية وغير الحكومية وأصحاب المصالح الاقتصادية ودعاة القُطرية وأنصار الطائفية والنظام الذكوري الأبوي وتعترض قيام تلك الاتحادات بمهامها وواجباتها في مجال نشر الكلمة النزيهة غير المغرضة، وتعميم الكتابات الموضوعية والنقدية.

  زكية علال : صراحة إنها لا تختلف عن المؤسسات السياسية لأنها جزء من خارطتها في كتم أنفاس الشعوب ومحاصرة ضياعهم بالفقر والجوع ، فاتحادات الكتاب تقيم في مؤسسات حكومية وتقوم على موارد مالية حكومية أيضا ، ولابد أن تكون إلا ناطقة بلسانها ... أنا لا أرتبط بأي اتحاد وطني أو عربي ... أحس بحرية أكبر في الكتابة والتواصل مع الآخرين .

  فاطمة ناعوت: لا تقوم بشيء، سوى بعض الأفراح والليالي الملاح في المهرجانات الساذجة خاوية المضمون فقيرة الروح. زرًّا للرماد في العيون وتبييضًا للوجه. ليتها تصمت وتوفر نقودها لإعالة أطفال الشوارع، أو محو أمية ربات البيوت. أين كانت اتحادات الكتاب حين ماتت مليكة مستظرف بكليتيها الفاشلتين، وحين مات سيد عبد الخالق في مستشفى حكومي بائس على فراش رث جوار الأميّ واللص وحين باع الشاعر الجزائري كليته لكي يأكل؟ بل أين هي من انهيار الفصحى حتى بين الأدباء (مجازًا) وموت القارئ وانهيار سياسات التعليم. أين هي من كل هذا القبح الذي يزحف حولنا. أليسوا هم طليعيي هذه الأوطان؟

  الدكتور الأخضر عزي: دور هذه الاتحادات يبدو لي نسبيا ويرتبط بمشاكل وخلفيات كثيرة، أبرزها مشكلة التمويل وعلاقتها بدوائر السلطة ،فالمال عصب الحياة،والأديب أو المثقف سلاح ذو حدين بفعل الهيمنة والتهميش، ويجب التأييد أحيانا للحصول على التمويل أو تكون أمامك في بعض البلاد المطبقة لحرية التعبير الحركات التصحيحية والموازية ومأمور الحسابات أو الاتهام بالمروق والانحراف. ورغم ذلك هناك محاولات في سبيل البحث عن المشروع الثقافي العربي الضائع في أزقة البيروقراطية والمبايعة،فقد أصبح اتحاد الكتاب المحلي يبحث عن الريع والمزيد من الريع ويساهم في كتابة املاءات بعض الأنظمة العربية من واقع هذه الضغوطات وإلا التهميش والاتهام بالصغائراحيانا، والخوف ثم الخوف من الصراحة المسؤولة،.الخوف ثم الخوف من ضياع الامتيازات على حساب المبادئ والقيم. والمسالة يجب أن تطرح في إطار أبجديات الحكم الرشيد للفصل في مسالة الحريات، فهناك من لا يرى غيره إلا من الزاوية التي يتكلم منها . ويتعين لإضفاء الشفافية في هذه الاتحادات إلغاء شرطية التمويل والولاء.

  تطور الفضائيات العربية ودخولها كل بيت تقريبا، هل ساهم ذلك في خدمة الأدب؟ وما المطلوب من الفضائيات عمله لخدمة الحركة الثقافية؟

 الدكتور تيسير الناشف: ساهمت الفضائيات العربية وما تزال تساهم في خدمة الأدب والثقافة العربيين. أسهمت هذه الفضائيات إسهاما كبيرا في تعميق وعي الفرد العربي بذاته وفي تعميق الوعي بالواقع النشيط، وفي نقل الصورة إليه وفي تحديد الاختلافات بين المفاهيم، وفي التشجيع على التحاور مع زملائه وجيرانه والتفاعل مع برامج الفضائيات. هذه التطورات أعتبرها منجزات لا بد من توفرها لتيسير سبل وصف الحالة الاجتماعية والسياسية وسبل تصوير الواقع والحياة بالقلم وإيجاد هامش من اختلاء الكاتب إلى نفسه ومن تنشيط ملكة النقد الذاتي والجماعي على نحو علني أو غير علني.
 [( فاطمة ناعوت: هو ساهم بشكل أساسي في قتل الأدب. وليس العيب في الفضائيات بالطبع. بل بمن يقوم بتعبئتها بكل ما هو فقير وغث. دون شك كان من الممكن أن تقوم بدور فذٍّ في إنعاش حركة الأدب، لكنها فعلت العكس بمعرفة أمرين: فساد الأنظمة، وانهيار وعي الفرد العربي الراهن.)]
 الدكتور الأخضر عزي: تطور تكنولوجيات الاتصال من تلفزة وفضائيات له بصمات ايجابية على المشاهد العربي فأصبحت تدخل البيوت بدون استئذان، ضف إلى ذلك رخص أجهزة الاتصال ومختلف أشكال الانبهار والجذب؛ مما ساهم حقيقة في التعرف على آداب وإبداعات الغير خاصة إذا كان المخرج فنانا، وهو ما يفترض فيه.،وزاد من أهمية شفافية هذه القنوات الإعلامية تنامي احترافية الصحافة المهاجرة من بلدانها، لغياب حرية التعبير ونقص العائد المادي ومشاكل السكن والنقل والمواصلات وغلاء المعيشة والتهديدات المفرطة ؛ وهي كلها برأيي عناصر مفتعلة. فكان أن وجدت نفسها في محيط فسيفساء متعدد المشارب والاغتراف، وبفعل الخبرة والتسامح والانضباط المثالي ظهر التجانس اكبر من التنافر؛ فولد عبقرية العمل الإعلامي الرصين القائم على الثقة بالنفس أولا وروح الفريق ثانيا؛فكانت ذلك التحبيب والتشويق للمهنة والحرفية، وهذه هي الدافعية المحركة وقوة الدفع كما يقول مالك بن نبي ،وقد خدم ذلك الأدب والإبداع كثيرا ،فكم من أديب كان مغمورا في جبال الأطلس بالمغرب والاوراس والحضنة بالجزائر وصحارى الجزيرة أصبح له باع طويل ، وتعلم حروف العولمةالحقيقية ،واستفادت شعوب وحضارات من إبداعات و روافد الأدب والشعر والفن والموسيقى والسياسة. فالشعر شعور، وقد تقاربت المسافات؛ وليس الذي يشاهد كالذي يسمع.... ويتعين على هذه الفضائيات المزيد من ترسيخ حرية التعبير والثقافة الواعية والتراث ، والولوج إلى أعماق البلاد العربية من بواد وحواضر وسبر أغوارها والاطلاع على الصور الحقيقية للمواطن العربي ؛بدل التركيز على أدباء الصالونات والمؤتمرات الفلكلورية، وبعض المتطفلين على الثقافة والمنسلخين عن أصالة شعوبهم، والكف عن تلك المعارك الكلامية التي تظهر فيها عبقريات الديكة المتصارعة في الخصومات اللفظية والغوغائية، والشتم والبذاءة. وألا تكون هناك خلفيات ايدبولوجية في اختيار الاتصال والتوثيق،كما أن هذه الفضائيات مطالبة بإحياء فكرة مجلة العربي في السبعينيات " اعرف وطنك أيها العربي" إلى" اعرف وطنك وشعبك وثقافتك " ولو أن كلمة وطن اشمل ،وهذا الأمر ممكن وله مرجعيته في ظل عولمة الإعلام والاتصال واضمحلال البعد المكاني بفعل ثورة تكنولوجيا الإعلام والاتصال والانترنيت- في إطار عاداتنا وثقافتنا العربية الإسلامية؛ دون إثارة النعرات الطائفية والدينية واحترام مشاعر الغير دون ولوج متاهات السياسة المفرقة
  زكية علال :كل فضائية عربية إما أن تقوم على حصص منسوخة من القنوات الغربية في محتواها ومظهرها ، وإما تصور لنا الوجع العربي وتقيس لنا كمية الدماء الذي تناثرت في شوارع مدن فلسطين أو العراق ، وإما تزن لنا حجم المعاناة التي ترتسم على وجوه الأمهات العربيات وهن يفجعن في فلذات أكبادهن بالقتل أو الأسر أو النفي ... لا يبقى للثقافة والأدب إلا فتات الأفكار الذي لا يسمن ولا يغني من جوع ... أحيانا أجلس أمام التلفزيون وأعبر على أكثر من سبعين قناة دون أن أجد ما يستحق أن أضيع من أجله ساعة من عمري، فأعود لأتكور داخل وحدتي وصمتي .

  يقال إن السياسة تفرق العرب ولكن الثقافة توحدهم، ما رأيك بهذا القول؟

 [(زكية علال : المضحك والمبكي في آن واحد أن العدو ينظر إلينا كشعب واحد ونحن ننظر إلى أنفسنا كشعوب متفرقة ... عندما يتحدث أعداؤنا عن الإرهابي والمتخلف لا يقصدون إلا العربي دون أن يفرقوا بين الجزائري والمصري والفلسطيني و... إن الاختلاف في السياسة يورث الاختلاف في الرؤى والأفكار ... ولكن يبقى أملي كبير في الوجوه الأدبية الشابة التي وجدت وسائل أخرى للتواصل بعيدا عن المؤسسات الرسمية ، وستكون لها القدرة على التأسيس لثقافة عربية موحدة ، وهذا ما بدأت ألمسه وأنا أتواصل مع العديد من الكتاب والأدباء العرب لنلملم ما فرقته السياسة على مدى قرون .)]

  الدكتور تيسير الناشف: أجل، السياسة بتعريفها الذي أعتمده تسهم في تفريق العرب، والثقافة - والقصد وحدة الثقافة - توحدهم. للسياسة تعاريف. أحد التعاريف الذي اعتمده هو أن السياسة طريقة عمل على الحصول على التأثير ليمارَس في تحقيق أهداف معينة. يتضح أن هذا التعريف – الذي يأخذ به عدد كبير من علماء السياسة الغربيين وغير الغربيين، وخصوصا الأمريكيين – أوسع نطاقا من التعريف التقليدي الشائع في بعض المصادر العربية بأن السياسة هي تولي رياسة الناس وقيادتهم وتدبير الأمور والقيام بإصلاحها.

فوفقا للتعريفين الأول الأكثر جدة والثاني تنطوي السياسة على التنافس والتناحر والانقسام. من طبيعة الأمور أن تنطوي رياسة البشر وقيادتهم وتدبير أمورهم والسعي إلى الحصول على التأثير ابتغاء تحقيق أهداف معينة على التنافس والتناحر وحتى الانقسام.
والثقافة تُعَرف يأنها طريقة مجموعة من البشر – شعب، مثلا – في التعاطي مع الأشياء وتناول الأمور وفي معاملة الناس بعضهم لبعض. فإذا كانت الثقافة واحدة كانت طريقة التعامل والتعاطي والمعاملة واحدة، ما ييسر الانسجام بينهم والقدرة على التنبؤ بسلوكهم، ما يعتي الوحدة في توقعات السلوك وردود الفعل.

 فاطمة ناعوت: نظريًّا، أوافق عليه بقوة. لولا أن المثقفين لا يمتلكون مشروعًا واحدًا يجمعهم الآن. فظهر التناحر والتقاتل من أجل الصغائر.
 الدكتور الأخضر عزي: لا شك في ذلك، ولو إنني لست من أنصار السياسة نفاق، التي تحولت إلى السياسة ارتزاق وبهتان أحيانا في ظل عولمة شاملة لا ترحم الضعفاء وتؤمن بتكتلات اقتصادية وثقافية وفكرية- ذات نظرة أحادية واتجاه وحيد sens unique -عولمة ترسخ حلال علينا حرام عليكم وترسخ نهاية التاريخ كما يقول بذلك العالم فوكوياما. فالعالم العربي ممزق الأوصال بفعل التشرذم والذاتية والأنانية المفرطة، وبفعل تفشي الروح الانتقامية العشائرية.... لقد كانت هناك تجارب ناجحة في الوحدة في الخمسينيات من القرن العشرين ، وبفعلها أصبح للعرب كلمتهم المسموعة في العالم، هل لنا أن ننسى جمال عبد الناصر وأطروحاته القومية وحسه العربي ونصرته القضايا العربية والإسلامية العادلة ؟رغم ما قيل وما زال يقال، هل ننسى فضله وفضل مصر على الكثير من بلاد العرب وإفريقيا واسيا ومنها جزائرنا؟ ، وقد ردت الجزائر الجميل كم من مرة في صمت،وبفضل شعب مصر العظيم ، والشحذ الروحي للأزهر دحر العدوان الثلاثي عام 1956.هل ننسى صرخات جمال عبد الناصر من على منبر الأزهر الشريف :"سنقاتل، سنقاتل"ورغم الهزات العنيفة إلا أن الرجل لم يرضخ وما حرب الاستنزاف إلا دليل على قوة شكيمته1967-1970 وما تلاها من تحرير للأرض عام 1973 بفضل التضامن العربي وربح معركة البترول، لكن جاءت هزات ما بعد نشوة النصر الاستعراضي.... ، كما كان الرئيس بومدين يقول: "النصر أو الاستشهاد، ونحن مع فلسطين ظالمة ومظلومة".وما قولنا في شعب العراق العظيم ودعم ثورتنا المظفرة والذي غامر حتى في شحن السلاح والمرور فوق مناطق كثيرة وخطيرة دعما للثورة الجزائرية، رغم أوضاعه الداخلية آنذاك(1959) ،وقد كان الشعب الجزائري أصيلا فلم يتوان يوما عن نصرة شعب العراق ؛ مدركا خطورة المؤامرة على هذه البقعة الطاهرة من أرضنا العربية الإسلامية، وها هو عراقنا الصامد يعيش وضعا داميا والعالم يتفرج متشفيا حينا ومنتقما حينا آخر.... فكيف ضاع الأندلس؟ وكيف ضاعت فلسطين؟ نسال الله العافية وحقن الدماء لهذا البلد الطيب ولكل بلادنا العربية والإسلامية...آمين

،صحيح ،لقد تغيرت موازين القوى في عالمنا العربي، ويتعين المزيد من حرية التعبير لزيادة التقارب بين الشعوب العربية وتفادي إثارة النعرات القبلية والعشائرية وتسليح المواطن بالعلم والمعرفة وربط حاضره بماضيه واستشراف مستقبله. لكن أي ثقافة يمكن تبنيها للعالم العربي والشعوب العربية؟ إنها ثقافة الحوار الهادف والهادئ ثقافة التسامح، ثقافة الوازع الديني والتراث العربي الإسلامي المشترك، ذلك الجانب الذي كان سببا في انتصاراتنا عبر التاريخ والذي حوله الأقزام والمرتزقة إلى صور من الانكسار والتشرذم وكبح العبقريات في الأرض العربية الخالدة... أليس حري بنا العودة إلى منابع الفكر العربي الإسلامي؛ للاستلهام منه والانطلاق قدما في سبيل التحرير -تحرير الذات العربية -من براثن الاستبداد والديكتاتورية الباطشة؟

  السياسة جمعت العرب حينا وفرقتهم كثيرا ، والوحدة كانت وفق قاسم مشترك في الدين واللغة والمصير والمشترك...لكن لعبت بهم الشيوعية والامبريالية والطمع والانتهازية، حينا آخر وكان للصهيونية دورها الفعال في ترسيخ الإسرائيليات والمسخ وشراء الذمم.
  وفي غياب السياسة الموحدة كبح كذلك الإطار الثقافي الكفيل بالجمع ، إلا من الناحية الشعبية وغير الرسمية، و لاحقت هذا المثقف العربي مختلف اللعنات الغريبة عن دينه ومعتقده وقوميته بفعل حساسيات. والثورة الجزائرية على سبيل المثال كانت موحدة للشعب الجزائري-رغم قلة المثقفين آنذاك- وتركت المثقف رغم حساسية المرحلة لان يساهم في بناء وحدة الشعب ، وسأسوق المثال التالي ، ويمكن أن يكون عبرة: نشيد جزائرنا للشاعر الراحل محمد الشبوكي-سنة1955-1956 كان نشيدا ثوريا يحث على البطولة والوحدة، لكن لم ينتبه كاتبه إلى مناطق من التراب الجزائري فلم تذكر في النشيد الصحراء الجزائرية، وهذا الإغفال لم يكن متعمدا من شيخ الشعر الجزائري المجاهد الثائر؛ حيث تنبه جمع من المجاهدين وفي مقدمتهم الدكتور محي الدين عميمور من كتيبة كان يقودها الفقيد الرائد ايدير على مشارف الحدود الليبية لذلك، بخلاف ورود مناطق: الاوراس وجرجرة والنمامشة،وهذا ما حدا بالدكتور عميمور وهو الطبيب إلى إضافة مقطعين للنشيد –دون معارضة الشاعر الشبوكي لذلك:
وظنت فرنسا العدو اللدود... بانا نسينا صحارى الجدود
فجئنا لها من أقاصي الحدود... لنسحق فيها قوى الظالمين
وصحراؤنا قد أعدت لنا... صحائف مجد تغيض العدا
سنكتبها بدماء لنا... تعطر دوما ربى الخالدين
ما أروع هذه الروح الوطنية الجامعة لأبناء الجزائر في السراء والضراء، وما أروع الشاعر الشبوكي وهو يقبل هذه الإضافات التي تنم عن ذوق كبير وعن إحساس بأهمية الوحدة الوطنية، وما أجمل أن تذكر صحراؤنا مهد البطولات ونكران الذات بهذه الروح والإحساس الكبيرين، وما أجمل أن يتبنى الكثير في داخل الجزائر وخارجها هذه العبقرية وهذا التواضع.

  هل الخلافات العربية الرسمية تساهم في الحد من التعاون الثقافي العربي من مختلف الأقطار العربية؟

  الأديبة فاطمة ناعوت: بوجه عام لا. ربما أدت إلى العكس. لأن المثقف الحقيقي هو طوال الوقت ضد الفساد والقبح. ولو سلمنا بفساد معظم الأنظمة العربية، فلا مناص للمثقف من أن يأخذ الجانب الضد. لكن الشاهد أن التعاون الثقافي العربي بوجه عام هو مظهري وغير جوهري إلا فيما ندر.

 الدكتور تيسير الناشف: نعم، تساهم الخلافات بين الحكومات العربية في الحد من التعاون الثقافي بين مختلف البلدان العربية. لكل حكومة سياستها في مختلف المجالات. وسياسات هذه الحكومات ليست متماثلة. وهي متضاربة أحيانا. والسياسة لها أولوياتها وأهدافها وأساليب تنفيذها. والحكومة في أي بلد من البلدان هي الهيئة التي لها سلطة تنفيذ السياسة وإنفاذ القوانين وسلطة استعمال الوسائل لذلك التنفيذ والإنفاذ.
وتحقيق التعاون الثقافي يتطلب توفر ظروف منها تنفيذ خطط التعاون ويسر الاتصال الفكري والمادي والجغرافي.
ونظرا إلى أن السياسة تضعها حكومة بلد لها أولوياتها الخاصة بها في كل المجالات فإن نطاق تلك السياسة أضيق من نطاق التعاون الثقافي الشامل لكل البلدان العربية. ونظرا إلى أن الواقع هو أن لكل حكومة أولوياتها فإن تحديد الحكومة المتفرد بالأولويات يضيق عن الشمول الذي يتضمنه التعاون الثقافي ويسعى إليه.

 الدكتور الأخضر عزي: بكل تأكيد ، من واقع عقدة حب التفوق الأجوف والخلط بين ما هو فكر وما هو عقد وعبادة للشخصية، وتجلت هذه الخلافات في التأثير على تنشيط الثقافة القطرية والعربية حينا؛ لدرجة منع إذاعة أغاني أقطار عربية في إذاعات عربية أخرى،وهذا انعكاس ورد فعل لمواقف رافضة لسياسات معينة.... ولعبت التوترات الإقليمية لعبتها كثيرا وغذتها دوائر مشبوهة داخليا وخارجيا، أبرزها نزعة اللوبيات المرتبطة بالغرب الحاقد....لكن بقيت سريرة خير ومصداقية الشعوب العربية قائمة فيما بينها؛ بفعل تواصلها وأصالة تراثها المشترك في شتى مجالات الثقافةوابرزها: العاطفة القومية والوازع الديني، وترى دوائر التغريب والعولمة البراقة تكيل التهم للعرب والإسلام وتزرع الفتن والأحقاد.
  زكية علال : هذا أكيد ... فالخلاف مثلا بين الجزائر والمغرب جعل الثقافة المغربية تكاد تكون غائبة عن الجزائر وكذلك بالنسبة للثقافة الجزائرية التي قد تمنع من اجتياز الحدود المغربية لخلافات سياسية ... إن السياسة تؤثر بشكل كبير على الثقافة شئنا أم أبينا .

  ما رأيك بالكتّاب العرب بشكل عام، هل هم صوت شعوبهم أو صوت حكامهم؟

 فاطمة ناعوت: صوت شعوبهم دون شك. من يغدون أبواقًا لحكوماتهم لا يكتبهم التاريخ في سجلاته إلا عبر أبوابه المظلمة. المثقف الحقيقي هو ذلك الذي لا يجبر أوتار حنجرته لكي تتلبس موجةَ الشعب، إذ هو في الأساس مجبولٌ بالقوة والفطرة على تلك الموجة وإلا ما غدا مثقفًا.
 الدكتور تيسير الناشف: نظرا إلى الفقر المدقع والقمع والقهر والكبت وقلة الفرص والبطالة السائدة في مناطق شاسعة من البلاد العربية يمالئ كتاب في بياناتهم الشفوية والمكتوبة السلطات الحاكمة. ويبدو أن نسبتهم ليست قليلة. ولا أجافي الحقيقة إذا قلت إن شخصياتهم منشطرة، بمعنى أنهم يكتبون ما يرضي هذه السلطات ولعل قسما منهم، على الأقل، ينتقد في الخفاء تلك السلطات أشد الانتقاد.

هذا من ناحية، ومن ناحية ثانية ثمة كتاب لا يجعلون قلمهم مطية لبلوغ أهداف مادية، ويربأون بأنفسهم أن يسخروا ملكتهم الكتابية والفكرية لأغراض لا يؤمنون بصحتها، وهم لا يترددون في الجهر بأفكارهم والبوح بالشكاوي التي تجول في خواطرهم دون اللجوء إلى حجب المعنى باستعمال عبارات مخففة اللهجة، على الرغم من أن كثيرا منهم يعاني من ضنك العيش.
 الأخضر عزي: الحكم على هذا يتوقف على الزاوية التي نقف فيها،والكاتب في العالم العربي وفي الوقت الراهن بين نارين وقوتي جذب مركزي، فان أرضى السلطة غضب عليه المجتمع ولو كان مصيبا ويخدم المجتمع ؛طالما أن مالكي وسائل التشويش والهيمنة لا يتورعون حتى بإلصاق التهم بالغير ووصفهم بشتى الأوصاف غير اللائقة، وهذا يعود دائما إلى حرية التعبير ،فهي مغيبة في عالمنا العربي....وهناك كتاب شرفاء لم يبيعوا ذممهم وكانوا دائما مع الحق والعدل والكرامة، وكانوا متسامحين حتى مع أناس أوصلوهم إلى ما لا تحمد عقباه ، فلم يرتموا في متاهات الانقلاب على الذات- رغم كيد الكائدين. في الجزائر العربية المسلمة، وفي فترة السبعينيات من القرن العشرين، كتب كاتب جزائري آنذاك رواية تمجد الثورة الزراعية وصب جام غضبه على بطلها وهو الشيخ عبد المجيد بو لرواح) وصف تنابزي( وهذا الأخير من رجال جمعية العلماء في الجزائر، وقد حاول أن يظهر أن هذا الأخير رافض للثورة الزراعية.... وللتحقير به يكتب على لسانه ما يلي" أين أنت يا قسنطينة...أين تلك الغواني... أين عطر نسائك...." و كان يريد أن يظهر بمظهر التقدمي، والشيخ بالرجعيreactionnaire ، لكن نهايته كانت سخيفة انتهت بإلصاق تهمة الشيوعية والراديكالية به وتهميشه، والغريب تصديق هذه الإشاعات. ونحمد الله انه راجع نفسه أو رجع إليه وعيه وعاد إلى فطرته الأولى.... وما كان له أن يتخلى عنها وهو احد تلامذة معهد عبد الحميد ابن باديس المعمور في قسنطينة زهرة المدائن... وعبد المجيد بو لرواح شخصية حقيقية-وهو أشهر من نار على علم- نار الحق والوطنية والذود عن حمى الجزائر ،وما كان لرفيق الشيخ بن باديس أن يكون شبقيا ومشعوذا، إلا من طالب مستهتر لإرضاء غيره ، بل أعدائه وبولرواح هذا، صاحب مشروع التعريب في ثانوية جزائرية بقلب العاصمة في السبعينيات ، وهي التي خرجت باكورة أساتذة المدرسة الجزائرية في الشعب الأدبية والعلمية؛ الذين رفعوا راية الجزائر في الجامعات المشرقية، والغربية، وهم اليوم من أحسن إطارات الدولة الجزائرية،.والمجد للشيخ عبد المجيد الثابت على الحق وهو في دار الخلود، وشتان بين الممتحن والممتحن،.كالمسافة بين الثرى والثريا.وهذه هي خاصية الجزائريين بطيبتهم الفطرية *التسامح*
  زكية علال : ربما أجبت عن هذا في كلامي السابق ... كلما كان الكاتب بعيدا عن المؤسسات الرسمية كان أقرب إلى نفسه وشعبه ، وكلمت توطدت علاقته بالساسة والجهات الرسمية كان غريبا عن نفسه بعيدا عن شعبه .

  المواطن العربي غير قارئ، وهذا أحد أسباب تخلفنا، فما هي أسباب ذلك حسب وجهة نظرك؟

  فاطمة ناعوت: أجبت عن هذا السؤال في معرض حوارنا. لكنني أدين الحكومات ووزارات التعليم في الأساس التي أدت لنزوع الفرد العربي لاجتلاب متعته من أبوابها الرخيصة المبذولة عوضًا عن الكتاب الذي لا يضاهيه شيء في الوجود سوى الفردوس. حكومتك تريدك جاهلا كي تفكر لك هي وتصنع منك ماريونيت مطيعة. وقد كان.

 [( الدكتور تيسير الناشف: قلة القراءة في صفوف أي شعب عامل من عوامل التخلف. تخلف أي شعب من الشعوب يعود إلى أسباب أهم كثيرا من رغبته أو عدم رغبته في القراءة. من المعروف أن عددا لا يأس به من الكتب والمقالات كتب عن مسألة القراءة عند العرب. لا أظن أن أحدا منا يحب جلد الذات بغير وجه حق.)]

أحد أسباب انخفاض نسبة القارئين العرب هو تفشي الأمية بينهم التي تتجاوز 70 و 80 في المائة في بعض البلدان. والسبب الثاني هو مزاحمة المحطات الإذاعية والتلفزيونية للنشر الورقي. والسبب الثالث هو عدم توفر ثمن الكتاب أو الصحيفة لدى قسم من الناس. وإذ قلت ذلك، أشير أيضا إلى ضعف ثقافة القراءة لدينا.

ولتخلف العرب أسباب عديدة. وكلمة تخلف مشتقة من خلف وتخلف، بمعنى التأخر عن الوصول إلى المستوى الذي تم الوصول إليه في مختلف الميادين. وهم متخلفون في مجالات السياسة والاقتصاد وفي اكتساب المعرفة وتطوير العلوم واستحداث التكنولوجيا والاستفادة منها. ومن أسباب تخلفهم القمع والقهر اللذان تمارسهما السلطات الرسمية (الحكومية) وغير الرسمية (غير الحكومية)، والاستبداد والتفرد بالسلطة الرسمية وغير الرسمية، وتركة قرون من الحكم الأجنبي من سنة سقوط بغداد سنة 1258 حتى يومنا هذا، من قبيل حكم السلاجقة والمماليك، وتدني مركز أو وضع المراة من الناحية القانونية والاجتماعبة والاقتصادية. كيف لا يكون مركزها متدنيا وحياتها الزوجية مرهونة بكلمة "طلقتُكِِ" من زوجها الذي قد يكون في تلك الثانية أو شطر من الثانية غاضبا أو مخمورا. والمسؤولية عن حالة الضعف هذه في مركز المرأة تعود إلى تفسيرات المفسرين للقرآن الكريم والسُّنة النبوية الشريفة. المرأة تدرك أن مركزها متدن. وهي تشعر بآثار هذا التدني في المواقف التي يتخذها زوجها حيالها والمواقف التي تتخذها هي حياله. والزوج من أي قطر من الأقطار الإسلامية يعرف ما تعانيه الزوجة من تدني مركزها.

يا معشر المفكرين والأدباء والكتاب والمسؤولين الحكوميين، هبوا لتحرير المرأة - زوجة وابنة وأما واختا - من ربقة حالتها المزرية التي دامت قرونا. مركز المرأة هذا والحكم الأجنبي المتطاول والاستبداد والتفرد بالسلطة أوجدت ما قد يكون من الصحيح تسميته ذهنية العبيد، التي قد تكون من تجلياتها الانبهار بالغربي، والانبهار بالمرأة الأجنبية، بينما نسبة عالية من النساء العربيات يقضين سني حياتهن عوانس، والانبهار بما هو أوروبي وعقدة النقص حيال الغربي، والشخصية الضحلة السطحية الفهلوية التي مؤداها القول: مصلحتي أولا وليكن ما بعدي الطوفان، والنظام القبلي والعشائري والطائفي الذي يعرقل نشوء الدولة الحديثة التي تعتبر الناس مواطنين ولا تعتبرهم رعايا، وخضوع التفسيرات الدينية في الوقت الحاضر لاعتبارات الحكم والسياسة.

هذا بيان ببعض أسباب التخلف والقائمة طويلة. هذه الأسباب وغيرها أدت إلى التجهيل والجهل اللذين عانينا منهما كثيرا طيلة قرون، والثني عن التفكير المليَ والاستخفاف بالاستنارة الفكرية والخلط بين ما هو محرم وما هو جائز مثل الخلط بين البدعة والإبداع لمجرد أن الكلمتين مشتقتان من فعل بدع، وانتحال فئات في المجتمع لنفسها الحق في الكلام نيابة عن الجماعة والقرية والمدينة والشعب، كأن الشعب قطيع، دون أن تنشأ المؤسسات الديمقراطية الحقيقية التي تجسد إرادة الشعب تجسيدا كبيرا إن لم يكن تجسيدا كاملا، والتشكيك في إخلاص الإنسان المتسائل والمحاور والمجادل.

  الدكتور الأخضر عزي: لست متشائما -خاصة وإنني قد سمعت احد بني صهيون يقول:" إن العرب لا يقرؤون وإذا قراوا لا يفهمون وإذا فهموا لا يطبقون...".فالمواطن العربي قارئ، ولكنه لا يكتب فهو كسول من ناحية الكتابة، ولا يوثق ، المواطن العربي نهم للقراءة السطحية وبخاصة قراءته الجرائد والصحف اليومية أو الأخبار المثيرة ،ولعل هذا ما اضعف ذاكرته وتقبله الأنباء والكتابات معلبة؛ مما جعله متذبذب في تفكيره وقبول الرأي الآخر بانهزامية قل مثيلها، فهو يعيش مشاكل مفتعلة. ولعل من أسباب عدم الإقبال على القراءة ما يلي:

ترجيح وغلبة الجانب المادي والفساد؛ نتيجة ضغوطات ظرفية مفتعلة؛

العائد والمردودية والفقر ، فالمعلم مصنف في أدنى درجات سلم الأجور في الكثير من البلاد العربية ومحل استهزاء؛

الإسرائيليات والشعوذة، والانبهار بتصرفات الأفراد والجماعات؛

غياب حرية التعبير وانتشار فطري للصحافة الكاذبة؛

غياب ديمقراطية الحوار ونقص الأعمال الإبداعية الهادفة وصعوبة الاتصال وتفشي الشك لدرجة السفاهة؛

الحداثة المضللة والعصرنة الملمعة في النصوص واضطهاد اللغة العربية؛

نظرة تقليد المغلوب للغالب ؛

  زكية علال : كما أجبت سابقا ، فالمواطن العربي غارق بين عرقه ودمه ولا وقت لديه للمطالعة ، هذا هو السبب الرئيسي ... لكن توجد أسباب أخرى منها عدم الترويج للإنتاج الأدبي ، فقد تصدر كتب هامة وقيمة دون أن يعرف عنها المواطن شيئا لأن وسائل الإعلام لا تهتم بتقديمها ولا الإعلان عنها .

لمتابعة الحلقة الرابعة والأخيرة من الحوار انقر على الرابط أدناه

http://www.adelsalem.com/spip.php?article191


تعقيبك على الموضوع
في هذا القسم أيضاً