الصفحة الرئيسيةظلال الياسمين
في حوار مع عدد من الكتاب والأدباء العرب ..
هل الحوار في الأدب متعة روحية؟ الحلقة الأولى من أربعة
الدكتورة ماجدة الحمود: ثمة نهضة أدبية مبشرة بالخير
الاثنين ٦ تشرين الثاني (نوفمبر) ٢٠٠٦
بقلم عادل سالم

في الماضي القريب كان الكثير من الأدباء أو الشعراء العرب يحولون منازلهم إلى صالونات أدبية، يلتقي فيها نخبة من أهل الأدب والثقافة يتحاورون ويتناقشون في أخبار الأدب والشعر والفن والثقافة. لم يكن يجبرهم على ذلك حاكم أو سلطة قانون ولكن حبهم للأدب والثقافة والفن هو الدافع الحقيقي الذي كان يلمهم، وكأنهم كانوا يجدون متعة روحية في اللقاء الأدبي.

انتهى عصر الصالونات الأدبية، أو لنقل إنه تقهقر للخلف لأن شؤون الحياة تغيرت وطغت الفضائيات والإنترنت على الحوارات البيتية فأصبح بإمكان الكاتب أن يستمتع بحوار متلفز أو عبر الشبكة العنكبوتية دون أن يتحمل مشاق السفر للمشاركة بتلك اللقاءات ، لكن هل بقي الحوار في الأدب يحمل تلك النكهة القديمة؟
هل يعترف أدباؤنا وكتابنا الجدد بأن الحوار في الأدب والفن، والإبداع متعة روحية لا يمل منها المتحاورون ولا يضجر منها القراء أو المشاهدون؟
هل بقي الأدب الحقيقي هو الأكثر إمتاعا للقارئ وهو الذي يجذبك من واقعك، وأحلامك ليطير بك في فضاء الكون الواسع لتشاهد من تحتك أجمل ما أبدعته يد مبدع، وتنتقل من بستان إلى آخر، ومن نهر إلى بحر، ومن قمة جبل إلى واد تملأه أشجار الزيتون الخضراء.

هذا السؤال وأسئلة أخرى طرحناها للحوار على عدد من الأدباء والكتاب العرب، سننشر ما وصلنا منها، وسنضيف ما يصلنا لاحقا .

  دعنا بداية نسمع تعليقك على هذه المقدمة في الحوار، هل الحوار في الأدب متعة روحية؟

 الأديب أحمد الخميسي [1]

لاشك في ذلك . الحوار واحدة من أقدم الوسائل الأدبية ، كالسرد ، وقد دخل إلي القصة والرواية والشعر كأداة لتصوير الشخصيات وتطوير الحدث . وقد فكر توفيق الحكيم أستاذ الحوار في الأدب العربي ذات يوم في ابتكار شكل أسماه " مسرواية " أي مسرحية ورواية ، للاستفادة على أقصى نحو من الحوار . وعامة فإن الأدب هو في الأصل نوع من الحوار بين الكاتب ومستمع أو قارئ مفترض . أنت حين تكتب تتخيل ، بشكل أو بآخر ، أن هناك متلقيا ، أن هناك من يقرأك ، أو يسمعك. والأدب عامة نوع من التعارف الروحي بين البشر ، كل تعارف يستلزم حوارا !

 الدكتورة ماجدة الحمود [2] ما نفتقده في حياتنا اليومية هو ثقافة الحوار، التي هي أصعب أنواع الثقافات، لكونها تحتاج إلى ثقافة متميزة، وإلى إنسان حضاري يستمع للآخر المختلف معه بكل احترام، وهذا ما ينقصنا في كثير من الأحيان!

 الدكتور إدريس مقبول [3] - العقل يحتاج إلى مادة من الأدب كما تحتاج الأبدان إلى قوتها من الطعام.وحقيقة الإنسان أنه دال بمدلول عقلي وروحي وإذا أهمل العناية بهذا الجانب الذوقي المتواري خلف كثافة الجسد أصبح دالا بلا مدلول أصبح آلة أو سلعة أو شيئا في عالم الأشياء فاقدا لحريته فاقدا لقدرته على التجاوز وإرادته على الفعل.

 الأديبة نجمة حبيب [4] ولله في خلقه شؤون.

وبمثل ما يختلف الناس في سحناتهم والوان بشرتهم يخنلفون ايضاً في أذواقهم وأولوياتهم ومباعث المتعة في نفوسهم. فمنهم من يمتعه العمل الربحي وآخرون تمتعهم الرحلات والاسفار وغيرهم يراها في ركوب الاخطار والمغامرات. وكذلك المثقفون يختلفون في أذواقهم فمنهم من يستهوية الحوار السياسي وآخرون يجدون متعتهم في الشعر وبعضهم في الرواية او البحث الادبي وما الى ذلك.. أما من كان الادب متعتهم، فهم الاوفر حظاً على الصعيد التطهيري لأن لهم واحة جميلة يلجأون اليها عندما تنوء بهم مصاعب الحياة. هذه الواحة هي الفعل والتفاعل مع العمل المبدع. العمل المبدع مهما كان جنسه: شعر رواية مقالة . . . يمتع قراءةً وكتابةً واستماعاً، وهو الكفيل بإخراج متعاطيه من يأسه وإحباطه وغربته. لذلك قال بعضهم اللغة هي هويتي وانتمائي. إلا أن ملاحظتي المتواضعة في هذه الحياة أنبأتني أن محبي الادب قلة، فالناس في أغلبهم (خصوصا في بلادنا العربية) يميلون الى السهل الذي يدخلهم دون استئذان، عنيت به المرئي والمسموع، اكثر مما يميلون الى المكتوب حتى مع أكثر الادباء شهرة وذيوع صيت. لذلك ترى قليل من العرب من لا يعرف ويحفظ اغنية "قارئة الفنجان" لنزار قباني مثلاً او يحكي لك بالتفصيل قصة فيلم "قصر الشوق" لنجيب محفوظ ولكن قلة منهم قرأت أي من هذين العملين الرائعين اللذين غيبت الاغنية والسينما الكثير من دقائقهما الفنية الممتعة.

كنت، العام الماضي، في بيروت إبان معرضها السنوي للكتاب وقد لفت نظري ظاهرة غريبة. لقد افتتحت المعرض الفنانة "هيفا وهبه" وعندما سألت عن السبب قيل لي إنها أفضل من يحمس الناس على الاقبال على المعرض!. . وألاحظ أيضا أنه في معظم معارض الكتب يكون الاقبال على الاسطوانة أضعاف أضعاف الاقبال على الكتاب، وعلى الكتاب السياسي او الفضائحي أكثر من الاقبال على الشعر والرواية والبحوث الجادة. لذا تراني أقل تفاؤلاً مما حملته مقدمتك الجميلة حول الامتاع في الادب

 الشاعر كمال اليماني [5] لأأظن أن أمراَ ًكهذا يمكن أن يكون موضع خلاف بين إثنين ،ذلك أن الإنسان يسعى للحصول على نوعين من أنواع المتعة ، أولاهما المتعة الجسدية ، وثانيهما المتعة الروحية مع إختلاف بين هذا وذاك في تحديد التراتبية بين المتعتين . وفي إعتقادي أن الأدب والفن هو ما يحقق له ذلك _ هذا مع إدراكي وإيماني العميقين لما للدين من دور غالب لايبارى_ فالشعر والرواية والمسرحية وكذا الفيلم السينمائي
والأغنية الراقية والمقطوعات الموسيقية البديعة تحلق بالمرء ولاشك في عوالم ساحرة أخّـاذة ، وترحل به في خيالات بعيدة, وذرىً عالية عالية .

كيف لا , وأنت ترتقي بروحك في سماوات صنعها أدباء وكتّـاب ومبدعون من كل أطراف الدنيا
شرقها وغربها ، شمالها وجنوبها لتتحول الدنيا أمام ناظريك إلى واحة من الإبداع الإنساني الجميل.
بيد أني أرى أن المواطن العربي بعيد جداً عن كثير من هذا الذي أقول، فالأمية الأبجدية الضاربة أطنابهافي الجسد العربي تفعل فعلها ,ثم تأتي الأمية الثقافية لتجهز على ماتبقى منه ، خلا قلة قليلة إستهواهاالكتاب فنهلت من مورده مايمكن أن يروي ظمأها .

 الأديبة ياسمينة صالح [6] قد يكون كذلك و قد لا يكون. من الصعب استحضار المصطلحات الجاهزة للحديث عن الكتابة الراهنة بكل ما فيها من خيبات و إشكالات و إسقاطات، باعتبار أن ممارستها لم يعد وفق نفس الشكليات القديمة. لا أعتقد أن ثمة كاتب يكتب اليوم وفق منظور " الفن للفن".. ثمة أهداف كثيرة تتجسد أساسا من خلال الكتابة التي يمارسها أغلب الناس اليوم كمهنة، و كأكل عيش يعني و بين المعنيين أتصور أن متعة الكتابة تفقد معناها السابق، بحيث أنها في نظري تصطدم اليوم بالعديد من الصدمات التي تجعل الكاتب نفسه يعايش الإحباط بشهية غريبة. حوار الأدب أو حوار المتعة في الأدب، تبدو لي مصطلحات أشعر قبالتها بالكثير من الحياد، بالرغم من أنني أكتب بمتعة موجعة باعتبار أن الكتابة نفسها هي الهوية الوحيدة لكاتبها، أو المتعة الوحيدة لمرتكبها عن إصرار.

  هل يعرف المواطن العربي ذلك؟ هل تراه يشعر بمتعة وهو يغوص في كتب الأدب؟ أم أصبح الأدب متعة المثقفين فقط؟

 [( الدكتورة ماجدة الحمود: قراءة الأدب أصبحت متعة نخبوية، لا يمارسها إلا القلة من الحالمين، وهذا ما يؤسف له!)]

  الدكتور إدريس مقبول:

المواطن العربي ليس جنسا واحدا ومرتبة واحدة أكثره منهمك تحت فعل الضرورة القهرية التي صنعتها سياسات فاشلة في تدبير الشأن العام بما يملأ به معدته إن وجده(الخبز)، أو بما يسد به فاقته الحسية وكبته(الجنس). - إن كان لا يغوص إلا في بحر الشقاء اليومي طالبا الخبز أنى له الإحساس بمتعة الأدب، إلا أن يكون أدبا مخدرا للجوع مسكنا للمخمصة.والحق أنه لايسلك في أذن الجائع إلا صوت يبشر بالخبز.

 الأديبة نجمة حبيب: أجبت على ذلك في معرض إجابتي على السؤال الأول.

 الدكتور أحمد الخميسي: نعم الأدب متعة للقادرين فقط ، بغض النظر إن كانوا مثقفين أم لا . وسأتحدث عن مصر كنموذج . فقد أشار تقرير التنمية البشرية لعام 2004 إلي أن بمصر 34 مليون مواطن يعيش تحت خط الفقر ، أي أكثر من نصف عدد السكان . هل يستطيع أولئك في تقديرك أن يستمتعوا بالأدب ؟ هل يستطيعون لو أرادوا أن يشتروا الكتاب الذي يباع في المتوسط بخمسة دولارات ؟ . الفقر ، وانحطاط مستوى التعليم ، جعل الأدب دائما متعة للقادرين فقط ، مثله مثل متعة الصحة الموفورة ، والراحة ، والعلاج . وحينما يخير الإنسان البسيط بين كتاب أو خبز ، فسوف يتناول الرغيف أولا إذا وجد رغيفا من الأصل . لهذا نادى طه حسين في فترة بأن التعليم كالماء والهواء يجب أن يصبح مجانيا ، وليته أشار إلي أن الرغيف أيضا يجب أن يكون مجانيا . فصل موضوع الأدب، والاستمتاع به من عدمه ، عن الواقع الاجتماعي أمر مستحيل

 الشاعر كمال اليماني: لقد تطرقت لذلك في معرض إجابتي على السؤال الأول.
 الأديبة ياسمينة صالح: قد أبدو مختلفة عن ردود بقية زملائي الذين يناقشون المحور نفسه. القارئ يعايش ما يعايشه الكاتب في جل الحالات. إنه يبحث عن الحقيقة أيضا و ينتظر أن يقولها له الكاتب بشتى الطرق. يشعر القارئ بالإعجاب من كل كاتب يقول شيئا يريد أن يسمعه، كتوجيه النقد للسلطة السياسية أو المدنية، أو البحث عن ميكانزمات لتغير شيء أو وضع، و مع ذلك أول شخص يدينه القارئ هو الكاتب إن وقع هذا الأخير في "شرك" أفكاره.. فثمة كتاب يقتلهم كتاب أو تغتالهم فكرة مثلما ثمة عشاق يقتلهم الحب و التوقيت الغلط للحب !

 كيف ترون الحركة الأدبية في العالم العربي؟

 الدكتور إدريس مقبول: الحركة الأدبية لا تبدو في الأفق إلا ركودا وصمتا موحشا، لأن انتعاش الأدب لا يفترق عن حياة الأديب، كما لا تفترق المادة عن الممد. وما يسود اليوم باستثناء بعض الخفقات هنا أو هناك هو قتل الروح بالتدريج عبر ترسيخ الآلية في السلوك الاجتماعي والنمطية في الإنتاج والمادية الجنسية في التعبير والاستهلاك ، إنه الانكفاء في الانسان الطبيعي واختزال له في وظائف أحادية(الهضم-التناسل-اللذة الجنسية).

 [(الدكتور أحمد الخميسي: لا أستطيع أن أرى الحركة الأدبية في العالم العربي ككل ، هذا أمر صعب . لكن هناك ملامحا عامة يمكن الإشارة إليها ، وهي ملامح خاصة بمصر وغيرها . وأول ما نلاحظه ضعف حركة الشعر مقارنة بالكتابة السردية ، أي بالقصة والرواية ، وعدد الشعراء العرب المرموقين قليل جدا ، يعد على أصابع اليد الواحدة بالمعنى المباشر لذلك التعبير . أيضا فإن الحركة الأدبية في ظل غياب الوعي السياسي ، والبلبلة الفكرية ، تضخمت من حيث الحجم ، وقل تأثيرها ، بعد أن اكتسح الساحة العقلية منهج فكري يقول بأن عصر القضايا الكبرى في الأدب انتهى ، فلم يعد من الممكن للكاتب أن يدافع عن وطنه ، وأن شمس الواقعية قد غربت ، وأن الحرية مفهوم فردي ، وتحقيقها ممكن فقط على أرض الذات المفردة ، وأن العالم هو مجموع شظايا سابحة في الفضاء الكوني بدون ترابط . هذه النظرة هي الوجه الأدبي الآخر لفكر سياسي يقول بأن عصر " الوطن " قد انتهى ، وأن علينا أن نقنع بالحلول الجزئية ، ولهذا ستجد أن معظم الحركة الأدبية يتجه للتركيز على الشكل الأدبي والاكتشافات التقنية ، طالما أن الطريق مسدود أمام الحلول الاجتماعية الكبرى . إن الحركة الأدبية مصابة في معظمها باليأس ، أو بالهروب ، ومنغمسة في محاولات للتجديد الشكلي . )]

  الدكتورة ماجدة الحمود: ثمة نهضة أدبية مبشرة بالخير، المهم أن نخلق جوا يشجع على التفاعل مع هذه الحركة الأدبية!

  الأديبة نجمة حبيب: أشكر لهذه الاختراع الجميل، الانترنت، الذي أقام تواصلاً سهلا وغير مكلف بين محبي الادب ومتتبعيه. عن طريقه اقرأ كل يوم خبراً عن كتاب جديد وأديب أو اديبة تولد هنا وهناك. هذا الكم المتزايد من المبدعين والمبدعات والذي عادة ما يذمه الكتاب والمثقفون أرى فيه ظاهرة صحية فأنا أعلم أن الغث سينطفئ ويبقى الثمين. هذا التجروء على المسكوت عنه. هذه الشجاعة الادبية التي تنمو في صفوف الكاتبات (الخليجيات منهن على وجه التحديد) هذه الطفرة الجميلة تذكرني بطفرة عصر التنوير في اوروبا . اتمنى أن يكون حدسي في مكانه وان يكون عصر تنويرنا قد بدأ

 الشاعر كمال اليماني: يبدو لي أن الحركة الأدبية قد تراجعت في بعض البلدان كمصر ولبنان والعراق لأسباب سياسية وأقتصادية وربما إجتماعية ، وأنها في الوقت ذاته قد شهدت حراكا وإن كان هامشيا في بلدان أخرى كاليمن والسعودية ويعض دول الخليج .

 الأديبة ياسمينة صالح: تشبه الحركة السياسية في فوضاها و اختلالاتها و في ركودها في أحيان أخرى و في بحثها عن المقاعد في الحالات المتقبة و اعني المقاعد التي تبيح الفوز بمباركة "السيد الحاكم" أكثر منها مقاعد نحو قضية بعينها أو نحو حقيقة بعينها. مأساة المثقف انه أول الناس حبا في المعارضة و أكثر الناس سقوطا في وهج السلطة حين يصل إليها، حتى لو كانت سلطة صغيرة تبيح له التحكم في بقية الناس و لو كانوا زملاء أو أصدقاء، و هي من المآسي التي نعيشها جميعنا كأمة ممنوعة حتى من التعبير عن رأيها و من الدفاع عن مقوماتها و من التغيير نحو الأفضل، و ليس التقدم نحو الوراء !

 هل أنتم راضون عن الكتب العربية المترجمة للغات الأخرى أم ترانا مقصرين في هذا المجال؟

 الأديبة ياسمينة صالح: أعتقد أن الترجمة نفسها تحتاج إلى تشجيع و إلى اعتراف جدي بها، إنها كما البيوت التي لا تزال في طور الإنشاء بالنسبة إلينا. سؤالكم يدل على أن ثمة كتب كبيرة مترجمة إلى اللغات الأجنبية و هذا في نظري ليس حقيقيا، لأن الترجمة اليوم تتحكم فيها جهات تسعى إلى نقل إلى الآخر ما تراه هي مناسبا و ليس شرطا أن يكون إبداعا جيدا أو إنسانيا. نظرة الغرب إلينا ينم عن جهل رهيب بنا، و تهمة جاهزة تحل بنا بأننا لا نصنع ثقافة، بل نصنع العنف. و هذا جعل الغرب يجهلنا لأننا لا نوصل كتبنا إليه في غياب ترجمة حقيقية مبنية على أساس فكري قوي. نجيب محفوظ لم يكن يعرفه أحد (من القراء البسطاء) في الغرب قبل جائزة نوبل، و استطاع أن يصبح الكاتب العربي الأكثر مقروئية مع أنه في البلاد العربية كانت كتبه لا تتجاوز طبعتها الواحدة 6000 نسخة على رأي الكاتب الروائي حيدر حيدر. هذه كارثة حقيقية أننا نمارس هذا النوع من "الاستعباط" حتى على أنفسنا و في النهاية نحكي عن رأي الغرب فينا. أعتقد أن بعد أحداث سبتمبر 2001، صار الغرب أكثر ميلا لقراءة ما نكتبه، و لهذا تبقى اللغة حاجزا مهما يجب أن تتجاوزه الجهات التي نعتقد أن مهمة الترجمة واقعة عليها على الأقل إصدار مجلة فصلية لتعريف الآخرين بالجميلين من الأدباء العرب من المحيط إلى الخليج بنزاهة دون محسوبية التي تشبه عبارة "هذا عمي" و "ذاك خالي" !

 [( الشاعر كمال اليماني: حركة الترجمة عموما من وإلى اللغات الأخرى ضعيفة بشكل كبير جدا ، وهي أحد الأسباب التي تقف وراء هذه القطيعة الثقافية بيننا وبين الآخرين ،بل إني أرى أن القرّاء في الخارج لايعرفون كثيرا من أدباء العربيه عدا الراحل نجيب محفوظ باعتباره حائزا على جائزة نوبل ، وهو لم يكن معروفا عندهم قبلها، أو أدباء المغرب العربي الذين يكتبون بالفرنسية .)]

 [(الأديبة نجمة حبيب: قبل ربع قرن تقريباً كتبت مداخلة حول كتاب طه حسين "مستقبل الثقافة في مصر" وعارضت فيها نظريته التي تقول إننا غربييون في ثقافتنا ولسنا شرقيين. اليوم وبعد كل هذا الزمن يبدو لي، مع الاسف، ان طه حسين غلبني. يبدو أننا نزداد تغّرباً يوما بعد يوم. ليس هذا فحسب بل إن الكثير من المثقفين يحتقر الثقافة الشرقية (الصينية على وجه التحديد) ويرى فيها خنوعاً وسلبية. يبدو أن الاستعمار الغربي وإن خرج بجسده من بلادنا فقد استوطن ذاكرتنا وعقولنا. هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى هنلك العجمة اللغوية، فنحن بسبب جهلنا للغات الاسيوية من مالاوية ومندارينية وأوردية وغيرها لا نستطيع ان نتعرف على هذه الاداب فكيف لنا بترجمتها؟
)]

لقد اتيح لي التعرف على القليل من الادب الياباني والاندونيسي والصيني والماليزي بواسطة الاحتكاك مع طلاب من هذه الجذور فنما عندي فضول ان اتعرف على المزيد، فرحت اترصد البرامج الثقافية والدراما التي تقدمها القناة المتعددة الثقافات (SBS) عن هذه البلدان. فبهرني ما رأيت فيها من ثراء يضاهي بل يتفوق على الكثير مما هو موجود في الاداب الاوروبية والسكسونية. أتمنى لو يقوم بيننا من يهتم بهذه الاداب ويقدمها لنا مترجمة فيسد ثغرة في مكتبتنا العربية).

 الدكتورة ماجدة الحمود: ثمة رعبة في معرفة الآخر المتفوق، كما أن إتقان اللغات الغربية يشجع على الترجمة، نحن نهمل الآخر الشرقي ربما لأننا نشعر أنه جزء منا، لا يشكل أي تحد لنا!

  الدكتور إدريس مقبول: إذا تتبعت طبيعة ما يترجم من العربية للغات أخرى ومن يشرف على هذه الترجمات فهمت ماذا نقصد بالانكفاء والهبوط ، ليست لدينا هيئات ومؤسسات تترجم ما نحن محتاجون لنقله للآخر، أي فكرنا وفلسفتنا ونقدنا وإبداعنا الحقيقي ، ما ينقل هو مزيج من الفلكلور الساخر من الذات الذي يشبع غرور الآخر ويمكن له في ذهنه عالم شهرزاد الذي لا ينتهي أو هو صورة من صور اجترائنا الفعلي التقليدي على ما يعتبره الآخرون طابوهات في ثقافتنا(الدين والجنس)، إنها مسرحية فاشلة تستجدي رضى الآخر عنا ، تكتبها أقلامنا ليضحك منها الآخرون في إطار استشراق مقلوب.

 الدكتور أحمد الخميسي: أنا أنطلق من أن هناك ثقافة عربية مشتركة ذات ملامح مختلفة ، ومن ثم فإن حديثي عن ترجمة كتبنا إلي لغات أخرى يمس مجمل إنجاز الثقافة العربية في هذا المجال . وهنا سنلاحظ غياب أية خطة ثقافية ، تحدد أولويات الترجمة ، وكيفية مخاطبة العقل الأوروبي . ولا أعتقد أننا نفعل شيئا حقيقيا في هذا المجال . الأوربيون هم الذين يفتشون عما يستحق الترجمة فيترجمونه ، أو عما لا يستحق لكن هناك دوافع أخرى تجعلهم يترجمونه .

 لماذا يركز العرب والمترجمون العرب على ترجمة إبداعات الكتاب الأوروبيين بشكل خاص ؟ أين نحن من أدب الصين والهند وبقية دول آسيا ؟

 الشاعر كمال اليماني: سؤال جد جميل ، ومن نافل القول أن أذكر أن أدب هذه الشعوب هو ألأقرب إلى أرواحنا وأمزجتنا
والأجدر بأن يحقق حضورا طيبا في حياتنا الأدبية ، ولكم يبدو أن قلة عدد الذين يجيدون لغات تلكم
البلاد يقف حائلا دون تحقيق رغبة كهذه.

 الدكتور أحمد الخميسي: للأسف ما تقوله صحيح . والسبب وراء ذلك أن المترجم فرد ، وليس مؤسسة ، وهو الذي يسعى للتعاقد على نشر الكتاب ، ومن ثم فإنه بطبيعة الحال يختار الكتاب الأكثر رواجا ، وإلا فلن يجد من ينشره . لكي يكون هناك توازن في الترجمة ، بحيث ننقل إلي العربية آداب الشعوب الأخرى غير الأوروبية ، يجب أن تكون هناك مؤسسة ثقافية تابعة للدولة ، أو خارجها ، لكن مؤسسة تقبل بالربح ، وبدرجة من الخسارة مقابل خلق وعي عام بالآداب بكل تياراتها وألوانها القومية .

 الدكتور إدريس مقبول: إنها بقايا نحلة الغالب كما يعبر ابن خلدون، والغالب كان دائما عربيا هو الغربي الأوربي وليس الشرقي الآسيوي، وارتباطنا بالاستعمار التقليدي هو ارتباط عضوي لم نستطع الفكاك منه كما لم نستطع الاستقلال الفكري ولا الإيديولوجي عن مركزيته. المستعمر التقليدي ما يزال يمارس نوعا من السحر على العقول المنبهرة بإنجازاته والقاعدة (من القعود)عن مجاراته إلا فيما هو مؤذن بخراب العمران من إباحية وتسلط وقهر. الحكمة اليوم ليست في الغرب ولم تكن يوما ما في الغرب ، لقد كانت الحضارات الشرقية على الدوام هي معقل الحكمة،في الغرب صناعة وتقانة وفجور ووقاحة مستعلية تمنعها من درك مرتبة الحكمة. الحضارة الغربية حضارة مادية منذ كانت ، ولا يمكن لحضارة أسها مادي وأفقها مادي أن تنتج الحكمة التي تضمن بقاء النوع الإنساني، رغم تقنية الغرب هناك فكر الدمار المتغلب الذي بلغ غايته العبثية بصناعة ما يمكن أن يدمر الكرة الأرضية عدة مرات، طبعا لا يمكن أن تدمر الأرض أكثر من مرة ، لكنها عبارة متداولة في أوساط تجار وسماسرة الحرب، أهم صناعة اليوم هي صناعة السلاح، لقد أصبح غاية في حد ذاته، أتذكر هنا أن نهضتنا الثقافية الأولى كانت ببدايات ترجمة مؤلفات الحضارات المشرقية الصينية والفارسية والهندية بالإضافة إلى نصوص اليونان الذين مثلوا الغرب يومئذ فتوفر للعرب حكمة ساهمت في قيام حضارتهم وحفظ توازنها.

 الأديبة نجمة حبيب: أجبت على هذا السؤال في الإجابة السابقة.
 الأديبة ياسمينة صالح: أتوقع أنني أجبت على جزء من السؤال حين تطرقت إلى الترجمة، و أقول أن الأدب ليس حكرا على امة دون غيرها، بدليل أننا حين نقرأ لأدباء روس نكتشف جمالية الإبداع التي ما زال طعم برتقال "غوغول" و تفاح تولستوي فيها، و حين نكتشف اسما من الصين كاسم "هو تشي" و نقرأ نصا له نكتشف أننا ظلمنا هؤلاء. نحن لا نستطيع تجاوز اللغة لأن إمكانياتنا بسيطة، و لكن الترجمة هي الوسيلة التي عبرها يجب اكتشاف هؤلاء، و بالتالي الإشكالية تقع عليهم أيضا. أنا أؤمن أن اللغة صارت عائقا فعليا، قد نحاول تجاوزه بنفس الهموم الإنسانية التي نحكي عنها أو نعبر عنها. نحن في المغرب العربي نجد أنفسنا لا نتجاوز الأدب المكتوب بالفرنسية و إن كنت أعتقد أن حركيات الترجمة الفرنسية جيدة و لكن يبقى ثمة حاجز كبير يجعلني أجهل كل شيء عن الأدب الهندي الذي يفوز بجوائز دولية في العامين الأخيرين، و الأدب الصيني و الكوري و غيره.

 اتحادات الكتاب، أو الأدباء في الدول العربية هل تقوم بواجبها في المشروع الثقافي العربي أو المحلي أم أنها تراوح مكانها؟

 الأديبة نجمة حبيب: رغم بعدي الجسدي عن مسرح هذه الاتحادات واقتصار معرفتي بها على ما اقرأه في الصحف إلا أني كونت فكرة متشائمة عنها، فهي على ما يبدو مرآة لوضعنا السياسي المريض. وقد لاحظت ايضا أن الاتحادات الاخرى أكثر فعلاً على الساحة العربية. فمثلا رأينا حضوراتحاد الفنانين والمهندسين والمحامين قوياً وفاعلاً اثناء الحرب الاسرائيلية الاخيرة على المقاومة اللبنانية، فيما كاد يغيب حضور الكتاب عنها. . يبدو، وقد أكون مخطئة، ان النزعة الذاتية (الاعتداد بالانا) عند الاديب أقوى منها عند غيره، لذلك فالادباء يفشلون في الانضواء تحت مظلة واحدة. ولعل حرص المبدع على تفرده وتميزه يمنعه أن يذوب في الجماعة. ففي لا وعيه أنا مضخمة تجعله يتعصب لرأيه ولا يسلس القيادة لسواه .

تحضرني بهذه المناسبة كيف تفاعل الشارع العربي مع ذهاب "ناديا لطفي" لتوديع الفدائيين الفلسطينيين الخارجين من بيروت عام 1982 فهاج وماج وصفق وصور وبكى، فيما بالكاد ذكر احدهم "فتحية العسال" مثلاً

 الدكتور أحمد الخميسي: اتحادات الكتاب أو الأدباء عندنا ، مثل النقابات العمالية ، جهة لابد للدولة أن تسيطر عليها بشكل أو بآخر . وماذا تتوقع أن تكون جهود هذه الاتحادات في ظل أنظمة حكم مستبدة تنفق على السجون والشرطة أكثر مما تنفق على المدارس والتعليم ؟ . هناك حرص شديد من قبل الدولة أن تسيطر على هذه الاتحادات بواسطة أشباه مثقفين تمت عسكرتهم ، ومن ثم فإن أقصى ما تستطيعه هذه الاتحادات ليس التعبير عن ضمائر الكتاب أو مواقفهم الوطنية ، ولكن إغراء الكتاب وتخفيف غضبهم بزيادة طفيفة في المعاشات ، أو تنظيم رحلات مدعومة ، أو توفير علاج مجاني للضروس والأسنان ، مع إصدار بيان ثقافي ما من وقت لآخر لكي لا ننسى أنها اتحادات كتاب !

  الدكتورة ماجدة الحمود: ما زالت تراوح مكانها!

 [(الدكتور إدريس مقبول: هذه الاتحادات في أغلبها إن لم نقل كلها هي عبارة عن مقاولات ملحقة بمتاجر سياسية تغلبت عليها شوفينية المذهب وأعمتها سلطة الإقصاء للمخالف فأبعدتها عن دورها في ترشيد الفعل الثقافي والنهوض به للإضطلاع بدوره في إحداث قومة هذه الأمة من وهدتها)]

 الأديبة ياسمينة صالح: أتمنى أن يردوا على السؤال.

  الشاعر كمال اليماني: مشكلة المشاكل في عالمنا العربي أن العمل المؤسسي الواقع تحت نفوذ الدوله هو الحلقة الأضعف
على الدوام ، لذا فإني أرى أن مثل هذه الإتحادات لاتستطيع أن تفعل الكثير ، لأن فاقد الشيء لايعطيه.

  تطور الفضائيات العربية ودخولها كل بيت تقريبا، هل ساهم ذلك في خدمة الأدب ؟ وما المطلوب من الفضائيات عمله لخدمة الحركة الثقافية؟

  الأديبة نجمة حبيب: لم أقرأ لمثقف رأي إلا وكان به شتم وذك لهذه الفضائيات. لست من المتشائمين ولست من هواة جلد الذات. فالفضائيات اولاً ضحايا العولمة فان لم تجار التيار وتستجب لرغبة المتفرج تحول الناس عنها الى القنوات الاجنبية. لذلك عليها ان تلبي رغبات الناس الذين في اغلبهم لا يهتمون بالبرامج الادبية. لذلك هي لا تستطيع ان تخصص مساحة كبيرة لسلعة ليس لها رواج كبير. وأنا أرى انها تعمل في حدود المعقول والممكن لخدمة الثقافة والادب من خلال برامج لا اظن ان الاكثار منها يفيد لأنها لو زادت عن حدها لانقلبت الى ضدها. من خلال هذه البرامج واللقاءات تعرفت على كثير من الادباء والاعمال التي ما كان ليتسنى لي التعرف عليها وأنا في هذا المقلب البعيد من العالم

  الدكتورة ماجدة الحمود: أن تعنى بالثقافة عنايتها بالأغنية، أن تمنحها من الوقت والمال ما تمنحه للغناء!

 الدكتور أحمد الخميسي: ظهور وتطور الفضائيات العربية خدم الثقافة العربية خدمة جليلة ، وإن كان ذلك غير مقصود . وأكبر خدمة قدمها ظهور الفضائيات هو نشر اللغة العربية الفصحى السهلة في كل مكان . هذه خدمة كبيرة جدا ، لأن غياب الصلات الثقافية النشطة بين الأقطار العربية ، أدى إلي الانغماس في اللهجة المحلية في حالات كثيرة . الفضائيات تثبت أن هناك لغة مشتركة ، وحية ، وقادرة على التعبير والبقاء . وليت تلك الفضائيات تهتم بزيادة حصة البرامج الثقافية ، والتعريف بكتابنا ، وبأعمالهم ، وببث برامج للتذوق الفني ، والأدبي .

 [(الأدبية ياسمينة صالح: الفضائيات العربية نصفها مشروع احتلال و بقيتها إما محاولة لاسترجاع شيء أو محاولة للضحك على الذقون باسم التغيير. حين تفتح تلفازك تشعر بالرعب من كثرة الفضائيات العربية و لا جدواها في الوقت نفسه. ربما كان الأمر سيأخذ طابع الجودة أو التنافس الحر لولا أن تلك الفضائيات أساسا دخلت هذا الجو من العفونة الثقافية و السياسية و الفكرية. إنها تبث كل شيء عدا ما يحتاجه الإنسان اليوم: الإحساس أنه يستحق الحياة !)]

  الدكتور إدريس مقبول: الفضائيات العربية قربت البعيد عن العين واليد، وهذا البعيد ليس من طينة واحدة ، البعيد كان توقا لمعانقة المعاني الروحية عند البعض المتلهف لسماع كلمة طيبة وزفرة صادقة من عالم أو اديب صادق بعد أن عدم في قنواته الوطنية حاجاته. والبعيد أيضا عند بعضهم أجساد عارية جذابة تمارس الغواية في زمن الكبت على مدار الساعة، جنس صريح ومقنع، أما إسهام هذه القنوات في حفظ الأدب وتنميته فلا يكاد يذكر . إنها قنوات تخاطب في المشاهد العربي المقموع والمكبوت والمفقر غرائزه فتعمل عملا عكسيا لمسار التربية المطلوبة ، عملا تخريبيا لمسار القيم الأخلاقية ، وعملا إجراميا صهيونيا في حق التزامنا العربي مع قضايا أمتنا المصيرية بالتطبيع المخزي أو بالإصرار على تدجين المشاهد بصرفه عن الحقيقة وتعبأته بالخرافات والأباطيل والترهات. ولا أدل على ذلك من الواقع الإعلامي المتصهين في الوقت الذي قصف فيه لبنان الشقيق، إذ تعمدت قنوات كثيرة ومنها القناتان المغربيتان على إحياء الحفلات والسهرات رقصا على جراحات وآلام المنكوبين والشهداء الذين كانوا يسقطون يوميا في الساحة، وضدا على تعاطف الشعب المغربي الأبي في مساندته لمحن وأزمات أشقائه العرب والمسلمين.

 الشاعر كمال اليماني: ربما تكون الفضائيات قد خدمت الأدباء وعلى الأخص الأديبات ، هذا بالطبع إلى جانب الشبكة العنكبوتيه، فلقد فتحت الباب على مصراعيه , وبالذات في المجتمعات التي تميزت بانغلاقها
بيد أن ذلك قد سرق عددا كبيرا من الشباب الذين رأوا في الفضائيات وسيلة أسهل للحصول علي الثقافة ،وإن كانت هذه الثقافة في الأساس ثقافة سطحية لاتسمن ولاتغني من جوع .

لقراءة بقية الحوار انقر هنا

[1دكتوراة في الأدب الروسي، أديب مصري

[2دكتوراة في اللغة العربية - جامعة دمشق

[3كاتب وأكاديمي مغربي

[4أديبة فلسطينية مقيمة في استراليا

[5شاعر يمني

[6أديبة جزائرية


تعقيبك على الموضوع
في هذا القسم أيضاً